رسالة للمودعين وللحاكم “الهائج في مصرف لبنان” | كتب د. طلال حمود
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
استوقفتني السنة الماضية في مثل هذه الأيام تحديدًا صورة لحاكم مصرف لبنان يعلوها تعليق تهكّمي يعبّر عن استخفاف هذا “الوقح” بمأساة المودعين العالقين في أسر وعوده وتدابيره وقيوده، وبِدع مخيّلته الإجرامية الخصبة، ويعدهم بمقايضة أموالهم بحلوى على شكل “بيض العيد” ورؤس “عبيد معمل غندور الشهير” الذي عرفناه جميعًا في طفولتنا وحتى الأيام القليلة الماضية قبل أن يُقفل على ما أعتقد بفضل سياسات هذا الحاكم المجرم ذاته التي لم تترك أي مواطن دون تتطاله شظاياها الإرهابية!.
ثم عادت واستوقفتني البارحة تحديدًا أيضًا صورة هذا “اللصّ الكبير” مجتمعًا للمرة العشرين على الأقل بفخامة رئيس الجمهورية وحضور ساعده الأيمن ووزير المال الذي قِيل انه من حصّته الدكتور يوسف الخليل وبعض مستشاري الرئيس الذين يتبدّلون من صورة لأخرى بحسب الظروف والإرتباطات.
وهو للأسف الشديد منظر أصبح جدًا مقُزز لكل اللبنانيين بعد أن شاهدنا المشهد ذاته لعدّة مرات في السنة الأخيرة مع الوزير السابق للمالية الدكتور غازي وزني وذات الأشخاص تقريبًا مع عنوان واحد اوحد للبحث هو التقدّم في ملف “التحقيق الجنائي في مصرف لبنان” وشكاوى شركة “الڤاريس- اند-مارشال” الفرنسية من ان الحاكم بأمره لا يزوّدها بالداتا والمعلومات والملفات اللازمة لكي تُباشر بالقيام بمهمتها الموعودة والتي لا يزال فخامته يقول انها “خط احمر” وانها يجب ان تصل الى خواتيمها مهما طال الزمن!؟
وهنا استغرب ما سرّ هذا الرجل ومن يقف ورائه لكي يضرب بعرض الحائط وبهذا الشكل الفاضح أمنيات وطلب أعلى السلطات في “جمهورية الموز” هذه ولكي يستمرّ في مراوغته ومماطلته ونفاقه وخداعه للجميع طيلة كل هذه الفترة وطيلة كل الفترات الماضية رغم كل الإنهيارات التي حصلت ورغم كل ما وصلت اليه الأوضاع الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية لأكثر من خمسة ملايين مواطن في لبنان وبعد ان وصل سعر صرف الدولار الواحد البارحة الى حدود ال ٢٤٠٠٠ ليرة او اكثر!؟
على من يستند ومن يدعمه؟!
هل هي الدولة العميقة ام السفيرة شيّا ام من!؟
والله اصبحنا حائرون ضائعون كيف لرجل فتحت اكثر من دولة ملفات قضائية للتحقيق في قضايا فساد وتبييض اموال واستغلال نفوذ يُقال انها تدينه هو واخيه رجا سلامة وعدد من مقرّبيه ومساعديه ولا تسطيع كل السلطات في لبنان ان تتفوّه بكلمة واحدة في وجهه وان تضع حدّ لتماديه في إذلال هذا الشعب وتجويعه وحصاره حتى تركيعه وتطويعه وجعله يُعطي بالسلم ما عجزت إسرائيل ان تأخذه من خلال اقسى الحروب واكثرها تدميرًا وضراوةً ؟!
وقد راودتني في الماضي صورة ردة فعل المودعين المظلومين الساكتين، وكان أفضل الردّ يومها على الحاكم وصورته هو: “لست انت الأب الصالح لننتظر منك طيب الهدايا، وإنما هو بيض الأفاعي المسموم ورؤوس فسادك الأسود. ولن يفرحنا سوى رحيلك أيًا كانت الطريقة”!
وقد وجدت يومها في تلك الصورة مناسبة لرسالة وجهتها إلى المودعين تحت عنوان “لا تصمتوا عن قول الحق بعد اليوم ولا تصمتوا عن المطالبة بحقوقكم وأموالكم وعرق جباهكم وتعب العمر الذي أفنيتموه لجمع بعض المال لتقاعدكم أو لأيامكم الصعبة، أو لطبابتكم أو لتعليم أولادكم… فمن يضع لِجَامًا على فمه، سيضعون سرجًا على ظهره”.
وقد استفزني اكثر واكثر صورة البارحة ومشاهدة ذات المشهد وذات العنوان: مناقشة العقبات التقنية التي تواجه ملف التحقيق الجنائي في مصرف لبنان وتهديدات الشركة الفرنسية بالرحيل نهائيًا ودون عودة هذه المرّة!؟
فقلت في نفسي لقد طفح الكيل من هذا المجرم وكيف لنا ان نضع حدًا لتصرفاته ولإهانته للدولة وهبيتها ولكل رجالتها ولشعب كامل خامل وساكت على هكذا إهانات؟!
فهذا الشعب اللبناني العظيم لا يزال حتى اليوم صامتًا ومُخدّرًا ويعيش تحت تأثير أوهام وكذب معظم اركان أهل هذه السلطة الفاسدة العفنة المتواطئة والجبانة، التي تترك مصيره لحاكمٍ هائج متهوّر يعبث بقدر البلاد والعباد، ويتحكّم بلا رحمة بلقمة عيشنا وعلم أولادنا ومستقبلنا وكرامتنا. فهو الشريك الأساسي في إرتكاب جريمة إنسانية ووطنية كبرى لم تقتصر على سلب المواطن أمواله وحرمانه من السلامة والأمن والأمان لتقاعده وشيخوخته وآخرته، بل تعدّتها إلى تدمير ما تبقّى من بنيان وطننا “النموذج” الجميل بطبيعته الفريدة وبتعدّديته، الرائع بأبنائه، المُبدع بمهاجريه وصمود المقيمين فيه، ينتظرون عودة أبنائهم يكحّلون عيونهم برؤياهم بين موسم أعياد وآخر… وهو لا يزال يتمادى في عملية تلميع صورته وتبييضها عبر بعض الإعلام المأجور الذي يساعده في الإستمرار في عملية غشّنا وبالتلاعب بأعصابنا وببثّ بيانات ومعلومات كاذبة عن أموال المُقيمين والمُغتربين وعن الإحتياط الإلزامي والذهب الذي اصبحنا جميعًا نشكك في وجودهما اصلًا لكثرة خداعه وكذبه! ولأننا اصبحنا على يقين اننا لا يمكن ان نصدق كلمة واحدة ممن كذب علينا على مدى خمس وثلاثين سنة وهو من كان رأس الأفعى وهو من غطّى فساد كل حكّام وزعماء لبنان في كل تلك الفترة وكان شريكهم في كل هدرهم وصفقاتهم وسمسراتهم التي مرّروها بمعرفته ومن خلال دفاتره وسجلّاته وحواسيبه في المصرف المركزي…
وهنا اكرر القول أيها اللبنانييون وايها المودعون…إلى متى سكوتكم بعد كلّ هذا الذلّ والإذلال والإفقار والتجويع على أيدي عصابات مُجرمة ماكرة بمعظم مكوّناتها وزعاماتها وقياداتها السياسية، إلا القلة القليلة ممن لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة.
لا وألف لا. لا يجوز السكوت بعد اليوم…. وقد بات من الكفر كظم الغيظ وكبت الأحاسيس وكبح الغضب ولجم الثورة في وجه العصابات الطائفية المُتفاهمة على ذبحكم بسكين رياض سلامة، والمُتّفقة على حمايته وعدم مُحاسبته والتحقيق معه لأن ذلك سيفضححهم وسيفضح كذبهم ونفاقهم وصفقاتهم طيلة كل تلك الفترة الطويلة، وسيعرّيهم ويُسقط ورقة التين الأخيرة التي ما زالوا يتمسّكون بها امام ناخبيهم ومُؤيّديهم، وسيضعهم في اوضاعٍ حرجة امامهم.
وماذا عن اخبار مجلسنا النيابي المُوقّر الذي استنفر منذ سنة وقال انه يريد التحقيق الجنائي في مصرف لبنان وكذلك تحقيقًا متوازيًا في كل مؤسسات وإدارات وصناديق الدولة ولا يزال حتى اليوم يعقد الجلسة تلو الأخرى لدراسة “قانون الكابيتال كونترول” الذي يُجمع جميع الخبراء انه كان يجب ان يُقرّ في بداية الأزمة في تشرين ٢٠١٧ والذي لا زالت معظم كُتلنا النيابية الموقرة تتدارسه حتى الساعة لأنها وضعت شعار واحد لعملها وهو “حتى لا يبقى دولار واحد في لبنان” وساعتها ستتحرك لإقرار هذا القانون بعد ان يكون السبت قد فات ب… اليهودي. وكل ما تقدّم يشعرك انها لعبة وسخة حقيرة وعن سابق إصرار وتصميم من شأنها ان تُؤجّل كل التحقيقات والإصلاحات الجذرية وتُبعدها عشرات السنوات الضوئية الى الأمام في مُهمّة نعرف جميعًا ومُسبقًا انها غاية معظم اطراف السلطة، بسبب تجذّر الفساد وإمتداداته الى داخل كل مفاصل مؤسسات وإدارات الدولة وخاصة الإمتدادات العميقة فيها! فهل لدينا ترف الإنتظار؟ وهل الوضع القائم مع كل مفاعيل وإرتدادات الإنهيار والإرتطام الوحشي الحاصل على كل المستويات يحمل ذلك؟
إذًا ، فبماذا ينفعنا السكوت بعد اليوم؟ وهل به نستعيد أموالنا ونُعوّض خسارة عمرنا والأحلام والطموحات التي دفنوها معًا، خلال كل تلك السنوات الطوال التي انقضت على سوء إدارتهم وقصورهم وقلّة ضمائرهم وإبداعهم في إفلاس الدولة والمصارف بالتواطؤ مع أصحابها؟ ناهيك عن سمسراتهم وصفقاتهم وزرع أزلامهم ومحاسبيهم في كل مواقع القرار لتسهيل سرقاتهم واكتساب ما لذّ لهم وطاب بالحرام من ضرع بقرة الخزينة الحلوب على حساب المكلفين بالضرائب العمياء دون رحمة.
وأي مغارة هي تلك التي غزاها علي بابا ومعه مئات الحرامية واللصوص والسارقين واستمروا باستنزافها على مدى كل تلك السنوات؟!.
لن نقول مبروك لهكذا شعب على هكذا حاكم وجمعية مصارف وأصحاب مصارف، ولا على هكذا حُكّام طبعًا، فهم جميعهم من الطينة والعجينة والبذرة الفاسدة ذاتها… ولهؤلاء نقول: “ليس ما بعد ظلمكم ظلم وإستبداد، ونعدكم بأن نخرج من الرماد ونحاسبكم ولن يطول الزمن!