عن رفض الحوار والمؤتمر الدولي من أجل لبنان: وجهة نظر أخرى | بقلم قاسم قصير
برزت في الايام الماضية أكثر من وجهة نظر مهمة ولها علاقة بمستقبل لبنان والانتخابات الرئاسية، الاولى عبّرت عنها القوات اللبنانية وبعض الجهات اللبنانية الاخرى برفض أي حوار وطني أو داخلي قبل حصول الانتخابات الرئاسية ورفض اي بحث حول التوافق بشأن هذه الانتخابات، والثانية في الدعوة المتجدّدة التي أطلقها البطريريك الماروني مار بشارة الراعي والتي تمثّلت بعقد مؤتمر دولي من اجل لبنان، وذلك بسبب فشل الحوار الداخلي وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحاجة لبنان لرعاية دولية لمعالجة أزماته المختلفة وخصوصًا الفراغ الرئاسي.
هذه المواقف والدعوات جاءت ردًا على الدعوات المتكررة التي أطلقها الرئيس نبيه بري لعقد حوار وطني، سواء خارج المجلس النيابي او داخله، من أجل التفاهم والتوافق حول الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس جديد، في ظل حالة الانقسام الداخلي وتشرذم الكتل النيابية، وعدم قدرة أي فريق في حسم المعركة الرئاسية لوحده، وقد أيّده في دعوته حزب الله وأطراف لبنانية أخرى.
في حين أن هناك وجهة نظر أخرى عبّرت عنها أطراف لبنانية تدعو للبقاء في المجلس النيابي حتى إنتخاب رئيس جديد وأنه لا حاجة الى أي حوار، والمهم التوصّل الى انتخاب رئيس جديد وبعد ذلك يتم البحث في الموضوعات كافة .
لكن الى ماذا يؤدي رفض الحوار الداخلي؟ وهل هناك امكانية لعقد مؤتمر دولي حول لبنان؟
أولاً: حول رفض الحوار الوطني والبدائل الواقعية:
إن رفض حصول حوار وطني أو حوار داخلي، سواء داخل البرلمان او عبر اللقاءات الثنائية او الجماعية، يعني استمرار الازمة في ظل انقسام المجلس النيابي الى حوالي خمس كتل أساسية وعدم قدرة أي كتلة حسم الانتخابات لصالح مرشّحها، ونتائج الجلسات العشر التي عقدت حتى الان تؤكد ذلك، وهذا يتطلب تواصل او حوار للتفاهم حول مرشّح معين يمكن ايصاله عبر اكبر عدد من الاصوات مع تأمين انعقاد جلسة المجلس ضمن النصاب المطلوب.
لكن هل يعني التوافق الغاء الديمقراطية؟ من المعروف في كل الانتخابات، سواء انتخاب اللجان النيابية او اختيار رئيس للحكومة، او حتى في الانتخابات المباشرة حصول اتصالات ولقاءات لتشكيل تحالفات او التوافق على شخصية معينة كي تنال اكبر عدد من الاصوات، وهذا لا يلغي الديمقراطية بل يسهّل عملية الانتخاب، خصوصًا في ظل عدم توفر العدد المطلوب لنجاح اي مرشح.
والبديل الوحيد لعدم حصول الحوار الوطني او الداخلي، إما استمرار الازمة او انتظار حل خارجي، او حصول تطور كبير سياسي او امني يدفع الجميع للجلوس الى طاولة الحوار والمفاوضات، كما حصل في الاستحقاقات السابقة .
ثانيًا : ماذا عن التدخل الخارجي وامكانية عقد مؤتمر دولي حول لبنان؟
التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية ليست جديدة وهي حصلت وتحصل دائما، حيث يستجيب اللبنانيون لدعوات الخارج للحوار والتوافق او للبحث عن حلول للازمات المختلفة، وهناك اليوم محاولات اولية من قبل بعض الدول (فرنسا وقطر والفاتيكان والسعودية واميركا) لاستشراف امكانية الوصول الى حل للازمة اللبنانية وقد عقدت لقاءات في فرنسا وفي قطر مع مسؤولين لبنانيين وبين مسؤولين فرنسيين وسعوديين، كما صدر بيان ثلاثي اميركي – فرنسي – سعودي حول لبنان، اضافة الى وجود معلومات عن سعي فرنسي لبحث الازمة اللبنانية مع عدد من المسؤولين العرب والاقليميين خلال القمة الدولية – الاقليمية في الاردن، كما تطرق البيان الصادر عن قمة ماكرون – بايدن للوضع اللبناني، لكن حتى الان لا مبادرة خارجية حاسمة وواضحة، وليس هناك مشروع حل خارجي، كما ان هناك صعوبة كبرى بعقد مؤتمر دولي حول لبنان بدعوة من الامم المتحدة، لان هناك مشاكل كبرى تشغل دول العالم ومنها الحرب الروسية في اوكرانيا وازمات الغاز والنفط، إضافة للأزمة السورية والاوضاع في ايران والتطورات في اليمن وليبيا والصراع بين الصين واميركا وصواريخ كوريا الشمالية، لذا فالعالم مشغول عنا وليس لديه الفرصة للاهتمام بنا وعقد مؤتمر من اجل لبنان، طبعا هناك جهود فاتيكانية لحث دول العالم للاهتمام بلبنان لكن الاستجابة ضعيفة وتقتصر على الدعم الانساني ودعم القوى العسكرية والامنية.
والخلاصة انه لن يعقد مؤتمر دولي حول لبنان في الافق القريب، وانتظار الخارج قد يطول للوصول الى حلول، والخيار الوحيد العودة الى الحوار الداخلي والوطني لانه اقصر الطرق لمعالجة الازمة وانتخاب رئيس جديد.