إقتصادازمة لبنانالاحدث

شكراً ريمون غَجَر!

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

على ماذا يُمكن ان نَشكُرَ الوزير اللبناني المُستَقيل ريمون غجر؟ بالطبع ليس على شيءٍ في مسيرته في وزارة الطاقة والمياه خلالِ عامٍ ونصف العامِ من الفشل، ولكن علي صراحةِ هذا الرجل في ما يقول. و الصدقُ يُعرَفُ بنقيضِه أي الكذب!

نحنُ نحتاجُ إلى الصدق لأننا مجبولون بالكذب. ما قاله بالأمس ريمون غجر كان صريحاً جداً في صدقه: نعم هذا هو سعر صفيحة البنزين فى حال رُفِعَ الدعم، وهذا هو مفعولُ رَفعِ الدعم الذي لم يبقَ زعيمٌ مُعارِضٌ ومُوالٍ في البلاد إلّا ودعا إليه وتشدّق بأن هذه هي الطريقة الوحيدة المُمكنة التي تؤدي إلى وقف التهريب (باستثناء الشيخ النابلسي الذي يعتبر التهريب مقاومة). حين لا تعود المحروقات مدعومة فليشترِي عندها مَن يريد من بيروت ما شاء من المحروقات.

سمعنا كلاماً شبيهاً لما قاله غجر لزعيمٍ مسيحي مُعارض إذ قال: إرفعوا الدعم ودعوا الناس يعلمون كم سيُصبح سعر صفيحة البنزين، وعندها يحسبون حسابهم جيداً. لم يستغلّ ذلك أحدٌ ويستثمره لأنه لم يتحدّث عن سعرٍ مُعَيَّن. أنا أُتابع المهندس غجر مذ دخل الوزارة. تحدّث مراراً بما يُخالف آراء “التيار الوطني الحر” المحسوب عليه، بل وانتقد العديد من سلوكيات هذا الحزب. عودوا إلى تلك الحلقة من برنامج صار الوقت على محطة “أم تي في” التي رفع فيها الإعلامي مرسال غانم (مواقفه غنيّة عن التعريف) القبّعة لغجر على صراحته وعلى حسّه النقدي.

مَشكَلتُنا لم تكن يوماً مع غجر ولا مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسّان دياب، فهما وزملاؤهما حاولوا أن لا يكذبوا علينا، حيث قبلوا حمل كرة نارٍ وكُلِّفوا بانتحارٍ جماعي إنقاذاً للنظام.

لنعود معاً الى مقالتي  التي نُشِرَت في 2020/كانون الثاني تحت عنوان “انتحاريون بربطاتِ عُنقٍ وانتحاريات بكِعابٍ عالية” التي كتبتها غداة تشكيل حكومة الرئيس دياب، حيث قُلتُ تحديداً: “حكومةٌ مأزومةٌ، رُغمَ الجودة التقنيّة والأخلاقيّة لمُعظم أعضائها، فذلك أمرٌ ثانوي. الأساس هو القدر من الشروط الدولية الذي ستستطيع تمريره، وهو كيفما نظرنا إليه سيرمي فئات طبقية متوسّعة باستمرار في آتون الإنحدار الإجتماعي العنيف. حكومةٌ إنتحاريةٌ لأنّها، اذا ما نجحت في ما هو مطلوب منها، سقطت في الشارع، وإن فشلت ستسقط صريعة الحصار المالي. إنهم إنتحاريّون بربطاتِ عُنقٍ، وانتحارياتٍ بكعابٍ عالية. مَن ينتظر خلف الستارة؟”

من هزالة المصادفات أنه في صباح اليوم الذي تحدّث في عصره ريمون غجر عن توقعات سعر صحيفه البنزين، كان هناك ممثلون للعمال من الطينة عينها لأسيادهم في الطبقة السياسية، يُجيدون الرياء والكذب واللعب على المشاعر الشعبية ومشاعر الخوف التي تعتري راهناً كل اللبنانيين، ويطلقون تحديات فارغة تعكس فراغ شخصياتهم، ولكن لم نجد احداً يقول لهم: إرحموا عقولنا!

أُعدِم العالِمُ الرياضي والفيزيائي والفلكي الإيطالي، غاليليو غاليلي، فقط لأنه قال أن الأرضَ مُستَديرةٌ وليست مُسَطَّحة. إذا كانت عقولنا مُسَطَّحة علينا أن نعدم ريمون غجر. لكن ما قاله وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال أدهى من ال65 الف ليرة أو ال200 ألف ليرة للصفيحة. ما قاله ضمناً هو أن سعر الصفيحة بعد تحريره سيكون فوق ال16 دولاراً أميركياً (بافتراض بقاء سعر الصرف الحر عند مستوى 15 الف ليرة للدولار او بقاء الدعم عند 3,900 ليرة للدولار)! ذلك هو المُهمّ لأنه يعني أن تحرير سعر المحروقات لن يُحرّرنا من الشركات المُحتَكِرة لاستيراد ونقل وتوزيع المحروقات مُقارنةً بسعر برميل النفط – مهما كانت تلك المعادلة التي ترسيها وزاره الطاقه للتسعير. هذا ما لم يفكر به أحدٌ بالأمس لأن هؤلاء المُحتَكِرين هم أبناء كل طائفة و شركاء وحلفاء كل زعيم في طائفة. ريمون غجر “تهمته منه وفيه” بسبب مرجعيته السياسية، أما المُحتَكِرون الذين يَمُصّون دماءنا بالشراكة مع زعمائنا في كل الأحزاب فذلك ليس شأننا.

مرتا مرتا تهتمّين بأمورٍ كثيرة والمطلوبُ واحد!

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى