صرخة المزارع تصدح …..والمعاناة تزيد من جرح الأمن الغذائي للمواطن | كتب د. مازن مجوز
لم يخطر في بال أم نادر( ربة منزل ) يوما أن تجد نفسها مضطرة إلى شراء 3 حبات فليلفلة فقط ب 7 آلاف ليرة، بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 25 ألفا منذ أيام” كنا نشتري الكيلو ب 3 آلاف قبل أزمة 2019، غلاء فاحش في الأسعار ، كيف للمواطن أن يعيش ؟ الأسعار إلى إرتفاع كل يوم في السوق وثمة فواكه وخضار لم نعد قادرين على شرائها فيما كانت سابقا لا تفارق البراد في منزلي .
الأزمة اليوم لا تستثني أحد في أمنه الغذائي، فبالإضافة إلى أزمة الخبز المتأتية من الإرتفاع الهائل في أسعار القمح عالميا بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، ومعها أسعار النفط والغاز، تأتي معاناة المزارع اللبناني كمشهد مكمل للصورة الكاملة ، ليكون المزارع الضحية الأولى لها ومن بعده المواطن.
ويشرح رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم ترشيشي في حديث ل” هنا لبنان ” ” المزارع ومنذ إندلاع الأزمة عام 2019 وهو يواجه جملة من التحديات وصلت الى قطاع الزراعة حتى أنهكته، وفي كل صيف ترتفع صرختنا جرائها، فأسعار المازوت تتضاعف كل عام ، ناهيك عن إرتفاع أسعار الكهرباء الضرورية لتبريد الخضار والفاكهة ولعمليات الري ومعها أسعار البذور والسماد للزراعة ، دون أن ننسى المشاكل التي لا نزال نوجهها في عملية التصدير إلى الخارج”.
وكم من مشهد رايناه منذ ازمة عام 2019 وحتى اليوم لمزارعين يطالبون السلطات بانقاذهم من الخسائر المتتالية، ويكفي للمراقب جولة في أحد سهول البطاطا أو البصل في البقاع الأوسط كي يلمس عن كثب معالم مشاكل المزارعين.
هذه الازمات المتعددة الاضلع التي يئن تحت وطأتها القطاع الزراعي أحدثت خللا كبيرا في الأمن الغذائي في لبنان، حيث تركت تأثيراتها الخطرة على كفتي الانتاج والإستهلاك، فبات المواطن يشتري بعض المنتجات الزراعية من خضار وفواكه “بالحبة” وب”نصف الكيلو” بعد أن كان قبل أزمة 2019 يشتري حوالي 2 الى 3 كيلو من المنتج نفسه وباسعار رخيصة.
المشاكل تبدأ من أولى مراحل الإنتاج ولا تنتهي مع آخر مراحله، بفعل تداعيات مشاكل التصدير، وهنا يشير ترشيشي ” سعر صفيحة المازوت لم يتجاوز في تشرين الاول الماضي ال 6 دولار، فيما ندفع ثمنها اليوم بين 22 الى 23 دولار، وحتى أن اتعاب العمال وتكاليف نقل المنتجات إلى الأسواق الداخلية أيضاً إرتفع كثيرا . فمثلا تكلفة نقل كيلو البطاطا باتت تتراوح بين 3 إلى 5 آلاف قبل أن نتحدث عن سعره وهذا كارثي وفوق الطبيعة”.
ومعاناة المزارع لا تتوقف هنا فأسعار قطع الآلات الزراعية التي نعمل بها بات التاجر لا يقبض ثمنها إلا بالدولار . من هنا لم يعد قادراً على إستعمال مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، الكلفة التشغيلية لكل مراحل الانتاج وكذلك مراحل بيع المنتج باتت مرتفعة بشكل جنوني، وفق ترشيشي.
هذا الواقع يذكرنا بالمناشدات التي أطلقها الكثير من خبراء الزراعة والصناعة والإقتصاد في أكثر من مناسبة ب” ضرورة المباشرة بوضع وتنفيذ حلول قصيرة الأمد وإستجابة فورية كي نكافح هذه الأزمة الغذائية أو على الاقل الحد من مخاطرها علينا وعلى المواطن، كما على الدولة إيجاد حلول مستدامة كي نتمكن من تأمين سيادة غذائية للبنان، حتى نكون أقوى في وجه هذه المشاكل والصدمات في المستقبل، وأن يتمتع المزارع بالإكتفاء الذاتي، لا أن تبقى صرخته مرتفعة من التكاليف الباهظة ، ويجد نفسه مضطرا الى التخلي عن دوره ومهامه الزراعية” .
وإذا كان تأثير كورونا على القطاعات اللبنانية المنتجة بدأ بالتراجع فمن من الخبراء العسكريين والإستراتيجيين يمكن أن يؤكد الموعد النهائي لإنتهاء الحرب الروسية الأوكرانية ؟ بالطبع لا أحد. من هنا فإن لم تقم الدولة والجهات المعنية بالعمل على إعادة التوازن بين القطاعات الانتاجية ولا سيما بين القطاع الزراعي وبين المزارع نفسه فعبثا نحاول حل هذه المعضلة .
ويبدو أنه وبالرغم من كل هذه المعاناة لدى المزارع اللبناني فإن المزارع متمسك بأرضه ولن يتخلى عنها حتى لو كان مضطرا إلى زراعة نصف مساحتها أو أقل ، حيث يؤكد ترشيشي ” المزارع تجمعه بالأرض حالة عشق، تجذبه إليها، خاصة أصحاب الأشجار المثمرة ، ولن يستغنوا عن أراضيهم مهما كانت خسائرهم كبيرة، وسيبيعون الغالي والنفيس من أجل البقاء في أرضهم، ولن يلجأوا الى الهجرة الداخلية كي يعمل كناطور في مبنى مثلا أو يساهموا في زيادة أحزمة البؤس في العاصمة “.