ازمة لبنانالاحدث
عن الأحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية: اي عقل ومشروع سياسي مسيحي اليوم؟ | محاور للنقاش بقلم د. قاسم قصير
أتابع منذ سنوات ما يكتب وما ينشر من قبل الكتاب والمفكرين والمحللين وبعض الأكاديميين ورجال الدين المسيحيين حول التحديات التي تواجه المسيحيين اليوم في لبنان والمشرق ، كما أتابع ما يصدر من مواقف ووثائق من الكنائس المسيحية أو من شخصيات مسيحية مدنية .
طبعا لا أدعي أنني أقرأ واطلع على كل ما ينشر لأن ذلك صعب لكن بقدر إمكانياتي وظروفي الشخصية.
إضافة إلى أنه بحكم اهتمامي بالحوار الاسلامي – المسيحي تعرفت على الكثير من الأباء والكتاب والمفكرين المسيحيين ، سواء الذين ينطلقون من فكر مسيحي أو من فكر علماني أو يساري أو قومي .
وجمعتني صداقة مميزة قبل عدة سنوات مع الوزير السابق الأستاذ سجعان قزي قبل رحيله وكنت أتابع ما كان يكتبه في جريدة النهار من مقالات مهمة إضافة لدوره المهم في إطلاق مشروع الحياد والذي تبناه البطريرك الراعي في السنوات الأخيرة.
وشاركت في العديد من الورش الحوارية التي دعت إليها بكركي حول الحياد وكذلك في بعض الندوات والمؤتمرات التي عقدها مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة.
كما أن دراستي في جامعة القديس يوسف خلال أكثر من ١٦ سنة أتاحت لي التعرف على العديد من الأباء ورجال الدين والمفكرين المسيحيين وكان المشرف على رسالة الماستر الأب الدكتور باسم الراعي واستفدت منه كثيرا ، كما استفدت من الدكتور أنطوان مسرة كونه كان مشرفا على قسم الماستر في معهد الدراسات الإسلامية المسيحية ومن ثم مع الدكتورة رولا تلحوق التي تولت إدارة معهد الدراسات الإسلامية المسيحية وحاليا مع الأب الدكتور عزيز حلاق الذي أشرف على رسالة الدكتوراة.
كما تعرفت على رئيس جامعة القديس يوسف الأب الدكتور سليم دكاش واستفدت منه كثيرا وهو المطلع على الفكر المسيحي .
وأتاحت لي الفرصة التعرف على المطران جورج خضر وعلى الأب جورج مسوح قبل رحيله وعلى الدكتور الياس الحلبي المشرف على مركز الحوار الإسلامي المسيحي في جامعة البلمند .
كما تعرفت على الأب الدكتور فادي ضو من خلال مؤسسة أديان ومن خلالها على الكثير من الناشطين في الشان المدني وحوار الأديان ومنهم الأستاذ زياد الصايغ والذي يتولى حاليا المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني .
وعلى الصعيد الإنجيلي كان لي الشرف التعرف على القسيس الدكتور رياض جرجور صاحب التجربة الحوارية المهمة في الحوار وفي دوره في مجلس كنائس الشرق الأوسط وحاليا أتواصل مع الدكتور ميشال عبس الذي يتولى الأمانة العامة للمجلس حالياً وكذلك تعرفت على القسيس الدكتور عيسى دياب والأب سهيل سعود وغيرهم من القساوسة الانجليين.
وتعرفت قبل عدة سنوات على الأستاذ فادي أبي علام رئيس حركة السلم الدائم وحاليا رئيس حزب الخضر اللبناني وهو شخصية حوارية مميزة .
إضافة للتعاون مع الاستاذ إميل اسكندر المشرف على حلقة التنمية والحوار في مجدليون والتي أسسها المطران سليم غزال.
كما واكبت الحركة الثقافية في أنطلياس ونشاطات مركز لقاء في الربوة ومؤسسات عديدة فكرية ودينية واجتماعية في مختلف المناطق اللبنانية.
وقرأت عن الأب يواكيم مبارك وتابعت نشاطات المطران غريغوار حداد ونشاطات المركز الكاثوليكي للاعلام ومؤسسات حوارية أخرى وأنا اليوم اشارك في مجموعة حل النزاعات والتي يراسها السفير منصور عبدالله كما اشارك في ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار والمنسقية العامة لشبكة الامان للسلم الأهلي والمجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان ومنتدى التكامل الإقليمي والجبهة الوطنية وفيها شخصيات متنوعة .
كما كنت اشارك في ندوات ومؤتمرات بين المستقبل في بكفيا والذي يراسه الرئيس أمين الجميل ويتابع نشاطاته الاستاذ النشبط سام منسى .
كما شاركت مؤخرًا في حوارات دعت اليها السيدة يمنى الجميل والمركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية وصوت كل لبنان .
وتعرفت ايضا على الرابطة المارونية وعلى الاتحاد الكاثوليكي للاعلام والأب أنطوان خضرا وعلى الأستاذ ناجي خوري المشرف على نشاطات عيد البشارة وايضا على العديد من المطارنة والأباء ومنهم المطران سمير مظلوم والمطران بواس صياح ، اضافة للعلاقة المميزة مع احد رواد الحوار الاسلامي المسيحي الامير حارث شهاب .
واتاحت لي الدراسة في جامعة القديس يوسف للتعرف على عشرات الزملاء والزميلات من رواد الحوار ولا يمكن استعراض كل اسمائهم .
كما انني تعرفت على السفير الدكتور فريد الخازن سفير لبنان في الفاتيكان وشاركت عبره في مؤتمر عقد قبل سنتين تقريبا حوار الحوار ورسالة البابا وقد عقد في جامعة الكسليك.
وطبعا لدي شبكة واسعة من العلاقات مع الشخصيات المسيحية السياسية وقادة الأحزاب وكتاب ومحللين واصدقاء عاديين من رجال اعمال او مهنيين او سفراء سابقين وحاليين واعلاميين ولا يمكن تعداد كل الاسماء لان اللائحة تطول .
اذكر كل ذلك كي اقول انني من المهتمين بالحوار الاسلامي المسيحي والمؤمنين بلبنان وضرورة حماية الوحدة الوطنية والتعاون لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية.
لكن ما الاحظه اليوم في الخطاب المسيحي وعلى مستوى التفكير المسيحي عدم وجود رؤية واضحة وحاسمة حول مستقبل لبنان وكيفية الحفاظ عليه وان هناك ضياع في الرؤية المسيحية حاليا وان الحسابات السياسية الآنية تطغى على الرؤية الاستراتيجية وخصوصا حول مستقبل لبنان.
ولذا من المهم جدا اعادة تقديم رؤية مسيحية وطنية للبنان المستقبل على ضوء المتغيرات الحاصلة بشرط ان يكون محورها حماية لبنان ووحدته والحفاظ على هذه التجربة المهمة في التعددية والتنوع .
نحتاج اليوم في لبنان لعقل مسيحي جديد يستعيد تجربة المفكرين المسيحيين الأوائل الذين نظروا للبنان ودوره واكتشفوا مخاطر الكيان الصهيوني على لبنان وساهموا في بناء تجربة إنسانية مهمة مع بقية الشركاء في الوطن مع الاستفادة من الأخطاء التي حصلت في العقود الاخيرة وقراءة التطورات الجارية في المنطقة والعالم ولا سيما ما يجري في فلسطين.
المتابع للواقع المسيحي السياسي اليوم يشعر بحجم المازق الكبير الذي تواجهه الساحة المسيحية في ظل المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية والتطورات المتسارعة في المنطقة وعدم قدرة الاحزاب المسيحية والمرحعيات الدينية في مواكبة هذه المتغيرات وتقديم مشروع سياسي قادر على مواكبة هذه المتغيرات والسعي لتحقيق الاهداف التي ترفعها هذه الاحزاب او المرجعيات الدينية وكذلك تنتشر في معظم الأوساط المسيحية.
وطبعا لا يمكن الاحاطة بكل هذه الإشكالات والتحديات كون ذلك يتطلب دراسة شاملة وتفصلية ولكن من خلال تواصلي مع العديد من القيادات المسيحية الحزبية وكذلك المؤسسات الدينية المسيحية ومشاركتي في الحوارات والنقاشات المعلنة وغير المعلنة ساحاول تقديم بعض الملاحظات الاولية على امل ان اوفق لاحقا لتقديم معلومات تفصيلية عن هذه الاحزاب وبعض المؤسسات الدينية وكذلك بعض المؤسسات الناشطة في الحوارات وفي مؤسسات المجتمع المدني وبعض الهيئات العلمانية .
وهذه ملاحظات اولية للنقاش والحوار :
اولا : عدم وجود مشروع مسيحي واضح في هذه المرحلة يتم تبنيه من غالبية القوى المسيحية وعدم وجود خطة عمل مشتركة بين هذه الاحزاب والمرجعيات الدينية على غرار ما حصل في مراحل سابقة من تاريخ لبنان .
ثانيا : عدم التوافق بين ما تريده بعض الاحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية وبين ما تريده القوى الدولية والإقليمية وهناك ثلاث قضايا يمكن الاشارة اليها ومنها الموقف من النازحين السوريين ورغم ان هناك موقف مسيحي يدعو لارجاعهم الى سوريا فالقوى الدولية والإقليمية ترفض ولا يمكن تطبيق ذلك والموقف من حزب الله وسلاحه فرغم وجود بعض الاصوات المسيحية التي تدعو لمواجهته فلا توجد حتى الان رغبة دولية وإقليمية بذلك وثالثا حول الازمة السياسية الداخلية فالقوى الدولية والإقليمية تدعو للحوار مع الثنائي حركة امل وحزب الله وحلفائهم للتوصل الى حل متكامل في حين ان القوى المسيحية الأساسية ترفض ذلك بحجج مختلفة وترفض التسوية .
ثالثا : وجود باطنية في المواقف المسيحية فرغم ان معظم الاحزاب المسيحية تدعو لتطبيق اتفاق الطائف وقيام دولة المواطنة فانه على ارض الواقع فان هذه الاحزاب تريد تعديل اتفاق الطائف وترفض إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وطبعا بكركي تتبنى ذلك لكنها ليس لديها الية عملية وبعض الأطراف المسيحية تطالب بالفيدرالية لكن لا وجود لرؤية واضحة حولها ولا الية عمل محددة .
رابعا : ترفع بعض الأحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية بعض الشعارات الجذابة مثل الحياد ورغم ان كل الدراسات والمؤتمرات اثبتت عدم القدرة على تطبيق هذا الشعار فان هذا الشعار لا يزال مطروحا وهو يثير المزيد من النقاش .
خامسا: هناك غياب لمعظم المرجعيات الدينية عن الحضور السياسي الفاعل باستثناء حضور بكركي والمطران الياس عودة ولكن بقية المرجعيات وخصوصا الأرثوذكسية و الكاثوليكية ليست حاضرة وفاعلة في المشهد السياسي والشعبي رغم حضور شخصيات ومجموعات من هذه الطوائف تطلق ورشا حوارية كما جرى مؤخرا من قبل مؤتمر تجدد للوطن الذي يراسه الاستاذ شارل عربيد او جهود الدكتور ادونيس عكرة حول ثقافة المواطنة ووثيقة الاخوة الانسانية او مشروع الحبهة الوطنية لاطلاق حوار وطني او منصة المواطنة.
سادسا : الاصوات الحادة والخلافية تتقدم المشهد الاعلامي والسياسي وتغيب الاصوات العاقلة والحكيمة مع بعض الاستثناءات واما الشخصيات الفكرية والدينية التي كانت تحضر في المواقف الصعبة فهي تغيب عن المشهد السياسي والثقافي الا فيما ندر .
سابعا : تتميز المواقف المسيحية وخصوصا لدى الاحزاب بردة الفعل على الأحداث وتتغير المواقف مع تغير الأحداث وتغيب الخطة الاستراتيجية الواضحة وقد تكون لدى القوات اللبنانية خطة استراتيجية تعمل عليها ولكنها غير واضحة وتعتمد الباطنية واما التيار الوطني الحر فرؤيته تتغير حسب التطورات وحزب الكتائب من غير الواضح ماذا يريد اليوم .
ثامنا: يلاحظ التمايز في المواقف بين رؤية الفاتيكان ومواقفه وبين مواقف الاحزاب المسيحية وبعض المرحعيات الدينية المحلية ولا توجد استراتيجية موحدة .
تاسعا : غياب المشروع الوطني المشترك مع قوى اسلامية فاعلة وتراجع كل اللقاءات الوطنية السياسية المشتركة مع وجود شراكات ضعيفة وغير فاعلة مثل لقاء النواب المعارضين او لقاء سيدة الجبل او الجبهة السيادية .
عاشرا : تراجع دور الاحزاب الوطنية العابرة للطوائف وما بقي منها ليس له فاعلية كبيرة .
عاشرا : رغم وجود مؤسسات حوارية وبعض المجموعات التي تدعو للحوار واقامة نشاطات حوارية فانها لم تنجح في ايجاد مناخ وطني عابر للطوائف حتى الان لان الاحزاب المسيحية الفاعلة تعتمد خطابا شعبيا حادا يقطع الطريق امام اية مبادرة حوارية جدية .
حادي عشر: تشكل الجامعات المسيحية مساحة مهمة للحوار والنقاش وكذلك بعض الهيئات المدنية لكنها تقتصر احيانا على جمهور معين ولم تستطع اختراق الجمهور العام والمتنوع .
على ضوء كل ذلك نحن امام ازمة عميقة لا تعالج في انتخاب رئيس جديد للجمهورية او تشكيل حكومة او مقاربات جزئية بل هناك حاجة لحوار وطني عام واذا كانت الأحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية جادة في الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية فانها معنية بقراءة الوقائع اليوم وكيفية تجاوز العقبات واذا كان الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لذلك فلماذا لا تتبنى هذه الاحزاب ذلك اذا كانت جادة بالوصول الى حلول عملية والا فان التشبث بمواقف معينة لا يفيد ابدا .
وما كتبته هو للنقاش والحوار وليس لتسجيل المواقف .