ازمة لبنانالاحدث
فرص واعدة بانتعاش الاقتصاد اللبناني هذا العام | بقلم د. رنا منصور

رغم كل التحديات التي واجهها لبنان خلال السنوات الماضية، يبدو أن عام 2025 يحمل بوادر انتعاش اقتصاديّ حذر، بحسب آخر تقديرات البنك الدوليّ. بعد سلسلة طويلة من الانكماش العنيف الذي بدأ منذ عام 2019، وتراكمت خسائره إلى ما يقارب الأربعين في المئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، سجّل الاقتصاد انكماشاً إضافياً بنسبة 7.1% في عام 2024. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى إمكانية تحقيق نموّ حقيقيّ بنسبة 4.7% هذا العام، في أول تسجيل لمعدّل نموّ إيجابي منذ عام 2017.
تستند هذه الآمال إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، بدءاً بتشكيل حكومة قادرة على إطلاق إصلاحات ضرورية لإنعاش المالية العامة، واستعادة ثقة المستثمرين والداعمين الدوليين، مروراً بالتحسّن النسبيّ في الأوضاع الأمنية واستقرار سعر الصرف، ما يساهم في إنعاش قطاع السياحة تدريجياً ورفع القدرة الشرائية للأسر اللبنانية. كذلك، يُرتقب تدفّق بعض الاستثمارات المخصّصة لإعادة بناء البنى التحتيّة المتضرّرة من العدوان الإسرائيلي الأخير، بعد أن بلغت تقديرات الأضرار الماديّة حوالى 6.8 مليارات دولار، فيما تخطّت الخسائر الاقتصادية سقف 7.2 مليارات، مع تقدير كلفة إعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار.
قاعدة الانكماش المنخفضة للعام السابق بدورها تلعب دوراً داعماً لظهور مؤشرات النموّ، حيث يسهل تسجيل تحسّن نسبيّ انطلاقاً من واقع متدهور للغاية. على صعيد الأسعار، يتوقع أن يتراجع معدّل التضخّم إلى نحو 15.2% بعد أن لامس مستويات خانقة بلغت 45.2% في العام الماضي، مستفيداً من استقرار سعر صرف الليرة عند حوالى 89,500 ليرة للدولار منذ منتصف 2023، إلى جانب تحسّن في الجباية الضريبية وتقليص النفقات العامة.
في سوق العمل، لا تزال البطالة مرتفعة، وإن كانت التقديرات تشير إلى انخفاض طفيف من 39% إلى 37.6% خلال عام واحد، وهو ما يفتح نافذة محدودة لخلق فرص عمل جديدة، وإن بقيت بعض القطاعات تعاني بطئاً في التعافي. أما على المستوى المالي، فقد نجح لبنان في تحقيق فائض نقدي بسيط بنسبة 0.5% من الناتج المحليّ الإجماليّ، مستفيداً من تحسّن الأداء الضريبي وتشديد الإنفاق، بينما ارتفعت السيولة في المصرف المركزي إلى حوالى 10.09 مليارات دولار.
رغم هذه المؤشرات التي تبعث على بعض الأمل، إلا أن هذا المسار يبقى هشّاً وقابلاً للانتكاس في حال غابت الاستقرار السياسي والإرادة الحقيقية للإصلاح. لا تزال المخاطر ماثلة، من شلل المؤسسات إلى سوء الإدارة الماليّة والمخاطر الأمنية والإقليمية، وكلها قد تعيد الاقتصاد إلى دوامة الضغوط من جديد. اليوم، أمام لبنان فرصة نادرة لتحويل هذا التحسّن المؤقت إلى انطلاقة فعلية نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، إذا ما جرى الاستثمار في بناء رؤية وطنية واضحة تقوم على الشفافية، والمساءلة، وتفعيل دور القطاع الخاص بما يعيد إلى اللبنانيين ثقتهم بوطنهم.