فلنرمي خلافاتنا جميعًا ولنتحد كلبنانيين في وجه العدو | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تكادُ وَسائطُ التَّواصُلِ الاجتِماعي في لبنان تَفيضُ بمَنشوراتٍ مُتَنوِّعَةٍ بين مَقالاتٍ وتَحليلاتٍ وتَعليقاتٍ وخَرَائِطَ وبياناتٍ وصُوَرٍ وفُكاهاتٍ تَتَمحوَرُ حَولَ انتقال سَفينَةِ الحفر (Stena Ice Max) التي استأجرتها الشركة اليونانيَّةِ أنيرجين (Energean Oil&Gas) التي تعاقدَ معها العدو الإسرائيلي للقياِم بأعمال الحَفرِ واستخراجِ الغازِ من حَقلِ كاريش المُتنازَعِ عليه بين لبنانَ والكِيانِ المُتغطرِس، وفي المُقابِلِ لقد خَرِسَت ألسُنُ وتويتاتُ المَسؤولينَ اللُّبنانيينَ المَعنيين الحاليين والسَّابقين، وكأني بهم يَخشونَ إن تَفوَّهوا بكلمَةٍ أو تَعليقٍ قد تُفضَحُ خِياناتُهُم ومؤامَراتُهُم على الوَطَنِ وثَرواتِه، وقد تُجمَّد أموالهم في الخارجِ، على الرَّغمِ من أن تَقصيرَهُم فاضِحٌ ووتخاذُلهم واضِحٌ وليسَ بخافٍ على الشَّعب.
وعليهِ أجمَعتِ المَنشوراتُ على لومِ المَسؤولين في مقاربتهم لهذه المسالةِ الوطنيّةٍ الهامَّة، ولتقصيرِهِم وتِصرُّفِهِم المُخزي مع هذه المَسألة القَديمَةِـ الجَديدَةِ التي كان ينبغي عليهِم التَّعامُلُ مَعها بكُلِّ جَدِّيَّةٍ ومَسؤوليَّةٍ ومنذ إثارتِها لأوَّلِ مرَّةٍ أي منذ عِدَّة سنوات، ولكنَّهم استمروا في تمييعِ المَواقِفِ وهدرِ الوقتِ إلى أن أضحَت المسألةُ في ذُروةِ التأزُّمن وها هي تُنذِرُ بنُشوبِ حَربٍ ضَروس، من المُؤكَّدِ أن العَدو الإسرائيلي قد تَحضَّرَ لها وأضحى على أتمِّ الاستِعدادِ لخَوضِها، سياسيَّاً واقتِصادِيَّاً واجتِماعيَّا ونفسيَّاً ومَعنويَّا، ورُبما قد اختارَ توقيتَها بعدَ تحليلٍ ودَرس، أمَّا نحن في لبنان ويا للأسَفِ إن وقعت الحربُ سَنُواجِهُها مُشرذمين سِياسِيَّاً مُنهَكينَ اقتِصادِيَّاً ومفلسينَ مالِيَّاً وومدمَّرين اجتماعيَّاً ومُحبَطين نَفسِيَّا، كما عُراةً جَوعى ومن دونِ مَحروقاتٍ ولا كَهرباءَ، وإهراءاتُ القَمْحِ مُهدَّمَةٌ والسُّوبرماركت شِبهَ وخاليَةٍ من المواد الغذائيَّةِ الأساسِيَّة، والمُستشفيات تفتقرُ للحدِّ الأدنى من التَّجهيزاتِ الطُّبيَّةِ ومُستودَعاتُ الأدويَةِ والصَّيدَلِيَّاتِ شِبهِ خالِيَةٍ من الأدوِيَة….وحبلُ النَّواقِصِ يَطولُ… هذا بالنِّسبةِ للإستِعداداتِ العامَّة على المُستوى الوطني، ولكن ماذا بالنِّسبَةِ للاستِعداداتِ العسكرِيَّة؟
أيةُ مُقاربةٍ عَسكرِيَّةٍ تُنبؤنا بان جيشَ العَدوِّ سَبَقَ وأَجرى العَديدَ من المُناوراتِ والتَّدريباتِ وأعدَّ العديدَ من السِّيناريوهاتِ التي تُحاكي أرضَ المَعرَكَةِ وظُروفَها، كما تَحسَّبَ لكُلِّ الفَرَضِيَّاتِ والاحتِمالاتِ وأنهى استِعداداتِهِ وأعلن مِراراً عن كاملِ جُهوزيَّتِهِ لخَوضِ أيَّةِ حَربٍ قد تُفرَضُ عليه سَواءَ كانت مَحدودَةً نوعيَّاً(صورايخ ومسيرات)، أو جبَهِياً (على امتِدادِ الحُدودِ اللُّبنانِيَّةِـ الإسرائيليَّةِ بما في ذلك اجتِياحَ مناطِقَ سبقَ واحتلَّها)، أو محدودة إقليمِيَّاً بمَعنى توسيع رُقعَةِ الحَربِ بحيث تَشمُلَ بالإضافَةِ للجَبهَةِ اللُّبنانِيَّةِ ـ
الإسرائيليَّة جَبهَةَ الجُولانِ أو على الأقَلِّ إطلاقَ الصَّواريخِ مِنها، وإن كنتُ شخصيَّاً أشكُّ في حُصولِ ذلكَ، لأنَّنا اعتَدنا في لبنان أن نُترَكَ وَحيدينَ في مواجَهَةِ صَلَفِ وتَعَنُّت العدو الإسرائيلي وجُلَّ ما نَحظَى به دَعماً كلامِيَّا عاطِفيَّاً تَضامُنيَّاً لذرِّ الرَّمادِ في العُيون، كذلك لم يُغفِل العَدو التَّحسُّبَ لحَربٍ إقليمِيَّةٍ شامِلَةٍ قد يَستَغِلُّها لضَربِ المفاعِلِ النَّووي الإيراني.
المُعطياتُ التي يَملُكُها العَدو الإسرائيلي حَولَ تَطورِ الأحداثِ حَولَ النِّزاعِ على حقلِ كاريش ومُستجِدَّاتِ التَّنقيبِ عن النَّفطِ فيه هي ذاتِها المتوفِّرَةِ لدى اللُّبنانِيين، إلاَّ أنَّ استِعداداتَ مَسؤولينا جاءَت عَفوِيَّةً وهي ليست بخافِيَةٍ على أحدٍ منا، ولكن للتَّذكير فقط: لقد حَفِظنا جَميلِ كُلِّ من دَعَمنا سياسيَّاً أو أمدَّنا بالعَونِ لوجستيَّاً أو مَوَّلَ إعادَةَ إعمارِ ما تَهدَّمَ في مَعرَضِ صِراعِاتِنا السَّابِقَةِ مع العَدوِّ الإسرائيلي، تارةً بنعتِ حِفاظَهُم على مَصالِحِهِم الوطنيَّةِ بالحَربِ العَبَثيَّة وتارةً أُخرى في بالتَّعييب عليهم بأصولِهِم وعاداتِهم البَدَوِيَّة، وطَوراً بالتَّطاولِ على رُموزِهِم الوَطَنِيَّةِ وَطوراً آخَرَ بالتَّدخُّلِ في شُؤونِهِم الدَّاخليَّة… نعم إنها الحقيقةُ الجارحةُ إذ البَركَةُ في مَسؤولينا الذينَ لم تَنجوا من ألسنَتِهِم دَولَةٌ صَديقَةٌ أو شَقيقَةٌ بدءاً بدولِ الخَليجِ مُرورَاً بإيرانَ وتُركيا وصولاً إلى أميركا غَرباً وروسيا شَرقاً بحيثُ كنا أولَ دولةٍ نُدينُ روسيا لشنها الحَربَ على أُكرانيا. وكُلُّنا يذكرُ كَم أجادَ واستَطرَدَ البَعضُ من وزراءِ الخارِجيَّةِ والإعلامِ لدينا. هذا على مُستوى المسؤولين، ولكن ماذا على المُستوى الشَّعبي؟
الشَّعبُ اللبنانيُّ بدورِه ليسَ بعيداً عن مسارِ الأمورِ إذ انبرى مُحلِّلوه الِّساسيون، ومُنظِّروه الإستراتيجيون ومُخطِّطوه العَسكريون، وكُتابُهُ وصُحفيوه الملهمون على إطلاقِ العنانِ لأقلامهم وأفواهِهِم التي َغطَّت مُعظَمَ صَفحاتِ الجرائدِ والمَجلَّاتِ الوَرَقيَّةِ والإلكترونِيَّةِ وضاقت بها مُعظَمُ مواقِعِ وسائطِ التَّواصُلِ الاجتماعي وصفحاتِها إلى حَدٍّ يُخَيَّلُ للمتابعِ أن الإسرائيلين يستحقونَ الشَّفقةَ كونهم أوكلوا الأمرَ لمَسؤوليهِم.
كُلُّ تلك الاستِعداداتِ التي أشرنا إليها تقتصرُ على الأمورِ السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ واللوجِستيَّةِ والماليَّةِ والإعلاميَّة، أما الإستعداداتُ العسكريَّةُ اللبنانيَّةُ فحدِّث ولا حرج، ها نحن نُشاغِلُ جيشنا في الفصلِ ما بين التبانة وبعل محسن، وما بين الشِّيَّاح وعين الرمانة، وما بين عشيرة أل الضِّيافَة والكرم وعشيرة آل الرُّجولَةِ والهِمَم، أما التدريباتُ فتجرى ما بين الأحياءِ والأزقَّةِ والعَشوائيٍّاتِ السَّكنيَّة، أما التَّمارينُ فتُجرى إفرادِيَّاً وتستهدفُ تنميةَ قدراتِ العسكريينَ على الصَّبرِ وتَحمُّلِ المَشقَّاتِ، خلالَ تنقُّلاتِهِم على الطُّرُقاتِ العامَّةِ ما بين مَراكِزِهِم ومَنازِلِهِم، مُنتَظِرينَ سيَّارَةَ فانٍ أو مُرورَ زَميلٍ سابِقٍ بِسيَّارَتِهِ ليَقِلَّهُم بعض الكيلومِتراتِ بانتِظارٍ مُتحَنِّنٍ آخَر. أمَّا الذَّخائِرُ والأمورُ اللُّوجِستِيَّةُ فهي مُتنوِّعَةٌ مُزركَشَةٌ مُلوَّنَةٌ بألوانِ الدُّولِ الواهِبَة. والغريبُ في الأمر أن البعضَ يأخُذُ على هذا الجيشِ عَدَمُ جُهوزيَّتِهِ للتَّصدي للانتِهاكاتِ الإسرائيلِيَّةِ البَرِّيَّةِ والبَحرِيَّةِ والجَوِّيَّة.
أقولُ هذا ليس من قبيلِ النُّكاتِ والفُكاهاتِ أو التَّسليَة، بل بكُلِّ مَرارَةٍ وألَم، ولكَونني ذو تنشئةٍ عسكؤيَّة، ومُفعماً بالرُّوحِ الوَطَنِيَّة، ولم أزَلْ مُتشَبِّثاً بانتِمائي الوَطَني، ومخلِصاً في ولائي للوطن، وعلى أتمِّ الاستِعدادِ للتَّضحِيَةِ من أجلِهِ رَغمَ كُلِّ الأزَماتِ والمُعاناةِ النَّفسِيَّةِ والمادِّيَّةِ التي أوقَعَنا بها المَسؤولونَ الذين توالوا على الحُكْمِ في مُختَلِفِ مؤسَّساتِنا الدُّستورِيَّة.
ولاااااااااااكن رغم كُلِّ المَرارَةِ التي أشعُرُ بها، واقتِناعي بأن المَسؤولين الذين توالوا على إدارَةِ شُؤونِ الدَّولَةِ منذُ ثلاثَةِ عُقودٍ لا يؤتمنون على النُّهوضِ بها، ولا حتى على إدارَةِ الأزَماتِ التي نحنُ بصدَدِها. ورَغمَ عَتبي وانتِقادي لمَسؤولي المُقاوَمَةِ الذينَ أضاعوا بوصِلتَها، وتاهوا في أتون صِراعاتٍ إقليميَّةٍ لا شأنَ لنا كلُبنانيينَ بها، ولم يُحسِنوا الفَصلَ ما بينَ أعمالِ المُقاوَمَةِ والإدارَةِ السِّياسِيَّةِ الدَّاخِلِيَّة، وأخفَقوا في المُوازَنَةِ ما بين مُقتَضَياتِ مُقاوَمَةِ العَدُوِّ والنُّهوضِ بالبَلدِ، أقولُ مُخلِصاً وبعيداً عن أيَّةِ توجُّهاتٍ سِياسِيَّةٍ أنه علينا كلُبنانيينَ في هذه المَرحَلَةِ الحَرِجَةِ دَولِيَّاً وإقليميَّاً والفائقَةِ الدِّقَّةِ وَطنيَّا، أن نتَحلى بأكبَرِ قَدرٍ من المَسؤولِيَّةِ في مَعرضِ التَّعامُلِ مع إدارةِ الصِّراعِ مع العدوِ الإسرائيلي، وبالذاتِ في مُقارَبتِنا لمَوضوعِ التَّنقيبِ عن الغازِ في حَقلِ كاريش، وعلينا تَحكيمِ العَقلِ والاحتِكامِ إلى ضَمائرِنا في المَواقِفِ التي نُطلِقُها، والقَراراتِ التي نتَّخِذُها.
إننا في هذا الوقتِ بالذَّاتِ مَدعوونَ للابتِعادِ عن إلقاءِ اللَّومِ وإلقاءِ التِّعةِ على بَعضِنا البَعضِ وتقاذُفِ المسؤوليَّات، ولتَكُن خَياراتُنا مَدروسَة، وقراراتُنا محكمة، ولنستنفِذَ كُلَّ الوَسائلِ والأطُرِ المُتاحَةِ، وتَغليبِ الوَسائلِ السِّلميَّةِ على ما عداها، ولنَبتَعِد عن التَّسرُّعِ أو التَّهوُّر، ولنمتَنِع كُلِّيَّاً عن استِفزازِ الجَيشِ أو المُقاوَمَةِ لدَفعِهِم إلى خَياراتٍ غَيرِ مَحسومَةِ النَّتائج، لأننا جميعاً سندفَعُ ثمَنَ أيِّ تَهوُّرِ أو تبني خَياراتِ خاطِئة. وفي الوقتِ عينهُ نحن مطالبونَ ينبذِ خِلافاتِنا جانِباً، وتبني موقِفٍ صَارِمٍ مُوحَّدِ نترجِمُهُ بوقوفِنا مُتَّحِدينَ، تجاهَ هذه المَسألةِ الوَطنيَّةِ بالذاتِ، خَلفَ السُّلطةِ السِّياسِيَّةِ والجَيشِ والمُقاوَمَةِ، وبخاصَّةٍ إن وَقَعَت الواقِعَةُ وفُرِضَت علينا الحَربُ دِفاعاً عن أرضِنا وكرامَتِنا وحِفاظَاً على مَصالِحنا الوَطَنِيَّةِ وثروَتَنا النَّفطِيَّةِ سَواءَ كانت في عُمقِ اليابِسَةِ أم في قَعرِ مياهنا الإقليمِيَّة.