كيف تبدأ مسيرة الخروج من دائرة الأزمة إلى آفاق الحلول؟ | بقلم أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لا يمكن الحديث عما يحصل في لبنان هذه الأيام من دون الإشارة إلى أنّ الدولة لم تتخذ أيّ إجراء ولم تجد أيّ حلّ أو على الأقلّ بداية حلّ لأيّ مشكلة أو أزمة يعاني منها البلد وهي مشاكل وأزمات لا تعدّ ولا تُحصى.
أن يقتحم مواطن أو مواطنة فرعاً لمصرف معيّن في أيّ منطقة لبنانية، ويشهر السلاح على الموجودين في هذا الفرع من موظفين وزبائن، ويتخذ منهم أو من بعضهم رهائن، ويصبّ مادة البنزين ويهدّد بحرق نفسه والآخرين، إذا لم تنفذ مطالبه بأن يسحب وديعته… علماً أنّ التفاوض مع المقتحمين غالباً ما يؤدّي إلى عدم حصولهم على حقوقهم كاملة بل على أجزاء منها.
أن يفعل أيّ مواطن ذلك فهو يخالف القوانين المرعية، حتى لو أنه صاحب حقّ، فتحصيل حقوقه لا يمكن أن يكون من خلال تهديد سلامة الآخرين، ثم انّ عدد الحسابات في مصارف لبنان يفوق المليون ونصف المليون حساب، فماذا يحصل في البلد إذا أراد كلّ صاحب حساب أن يستردّ وديعته بالطريقة نفسها؟ علماً أنّ ودائع الناس لم تعد موجودة في البنوك بين أيدي الموظفين، بل انتقلت إلى خزائن أصحاب المصارف وحساباتهم في الخارج ومعهم كبيرهم “الحاكم” وأصحابهم من السياسيين وعدد من أركان القطاع الخاص والإعلاميين ورجال الدين…!
الأكيد والمُسلّم به أنّ الناس يجب أن تحصل على حقوقها وودائعها كاملة، هذا لا خلاف عليه إطلاقاً، إنما يجب أن تتمّ الأمور وفق القوانين، وبالتساوي بين المودعين جميعاً، وإذا افترضنا أنّ مسار استرداد هذه الحقوق يتطلّب وقتاً فإنّ العدالة تقضي بأن يكون الجميع سواسية وأن يستعيدوا أموالهم تدريجياً وبالنّسَب نفسها. ولا يجوز أن تُترك الأمور كما هي اليوم حيث يحصل عدد محدود جداً من المودعين على بعض حقوقهم فيما يُحرَم كلّ الآخرين من كامل حقوقهم…!
ما هو الحلّ إذن؟ لا حلّ إلا من خلال الدولة ومؤسّساتها وقوانينها، لكن الأهمّ أن تتحرك هذه الدولة بمؤسّساتها وقوانينها لكي تضع الحلول وتبدأ بالتنفيذ، ورغم أنّ هذا الأمر تأخر لسنوات لكن لا بدّ أن تبادر السلطات المعنية إلى القيام بالخطوات العلاجية حتى لا تتطوّر الأمور سلباً على الأرض أكثر بكثير مما نراه اليوم من سلبيات…!
طبعاً المطلوب تحرُّك الدولة بكلّ أجهزتها ومؤسّساتها وقدراتها ليس فقط من أجل إيجاد الحلول اللازمة لموضوع الودائع في المصارف وإعطاء الناس حقوقها، وهذا موضوع أساسي ويجب إنجازه، وإنما أيضاً يجب أن يكون التحرّك من أجل الوضع الاقتصادي بأسره، ذلك أنّ نسبة كبيرة من اللبنانيين لا تملك ودائع في المصارف، وهناك أيضاً نسبة لا بأس بها من المقترضين وعليهم مستحقات يقصّرون في سدادها للمصارف بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وتدنّي مستوى مداخيلهم التي لم تعد تكفي لتأمين أبسط مقوّمات الحياة لهم ولعائلاتهم.
إذن المسألة أشمل وأوسع وتطال مجموع المواطنين الذين ينتظرون الحلول بفارغ الصبر، خاصة أنّ هذه الحلول موجودة ومتوافرة وتحتاج فقط إلى مسؤولين يمتلكون الإرادة والشجاعة لاتخاذ القرارات الجريئة والجذرية للسّير بهذه الحلول.
ولعلّ أبرز دليل على ما تستطيع الدولة فعله وإنجازه حين تتحذ القرارات الصائبة، يتمثل بالزيارة التي يقوم بها حالياً إلى إيران وفد من وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان بتكليف من الوزير الدكتور وليد فياض، للاطلاع على تفاصيل العرض الإيراني بتزويد لبنان مجاناً بكلّ ما يحتاجه من فيول لتشغيل معامل الكهرباء بقدراتها الحالية التي تستطيع تغذية كلّ المناطق اللبنانية بالتيار الكهربائي بما بين 12 و 14 ساعة يومياً.
ولا شكّ أنّ نتائج هذه الزيارة ستكون إيجابية وستنعكس على جميع اللبنانيين دون استثناء في وقت قريب جداً، وهذا من شأنه أن يسمح لمئات آلاف العائلات في كلّ المناطق أن تستغني عن الاشتراكات في المولدات الخاصة التي لا تزوّد مشتركيها بأكثر من عشر ساعات يومياً وتتقاضى منهم الفواتير الشهرية بأرقامها التي تصل إلى الفلك، بينما فواتير مؤسّسة كهرباء لبنان لا تتجاوز حالياً الـ 5 في المئة من تلك المبالغ، ومع وضع التعرفة الجديدة المقترحة موضع التنفيذ فإنّ فواتير المؤسّسة لن تصل إلى ربع فواتير المولدات. وهذا الأمر يسمح بتصحيح الخلل القديم القائم والمتراكم في مؤسسة الكهرباء منذ العام 1994 حين تمّ تثبيت التعرفة، وهو خلل أدّى إلى عجز المؤسسة ووصولها إلى واقعها الحالي.
الصورة ليست سوداوية بالكامل إذا عرفنا كيف نواجه الاستحقاقات الآتية، وإذا أخذنا النموذج من زيارة وفد وزارة الطاقة إلى إيران، وطبّقناه على قطاعات أخرى سواء مع إيران نفسها أو مع غيرها من الدول الصديقة مثل روسيا والصين، فإننا نكون قد بدأنا المسيرة الجدية التي تخرج بلدنا وشعبنا واقتصادنا من دائرة الأزمة إلى آفاق الحلول…