لا إنقاذ لبلدنا وشعبنا واقتصادنا إلا بتطبيق القوانين… | بقلم أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لكي ننقذ بلدنا من كلّ ما يتخبّط فيه من أزمات، ولكي ننهض مما نحن فيه ونخطو خطواتنا الأولى في رحلة الألف ميل حتى نصل إلى مرحلة التعافي… علينا في البداية أن نجبر أنفسنا كلبنانيين على التقيّد بالقوانين المعمول بها حتى لو كانت أحيانًا لا تعجبنا في هذا التفصيل أو ذاك…
من دون تطبيق القوانين، في الكبيرة والصغيرة، وفرضها على الجميع دون استثناء ولا استنسابية، لن يكون هناك إنقاذ ولا نهضة ولا مَن ينهضون، بل سنبقى في هذا القعر العميق وربما ننحدِر إلى قعر أعمق إذا كان هناك أعمق.
قبل أقلّ من شهر، وأثناء عودة راعي الأبرشية المارونية في حيفا والأراضي المقدسة المطران موسى الحاج من الكيان المعادي، قام عناصر الأمن العام عند معبر الناقورة الحدودي مع فلسطين المحتلة بمصادرة أموال (نحو نصف مليون دولار) وأدوية ومواد غذائية (صناعة إسرائيلية) كان يضعها المطران الحاج في حوالي عشرين حقيبة سفر.
لم يتعرّض عناصر الأمن العام لشخص المطران على الإطلاق، وبشهادته هو نفسه، إنما نفذوا المهام الموكلة إليهم والتي يفرضها عليهم القانون حيال الأموال والمواد المنقولة من دولة العدو وبموجب مذكرة قضائية لا أكثر ولا أقلّ…
لن نناقش كثيرًا في هذه المسألة لأنّ الموضوع تمّ حرفه عن حقيقته ليأخذ منحى طائفيًا ومذهبيًا يسهُل في إطاره التحريض والتعمية على الواقع والوقائع، ونكتفي في هذا السياق بما نُقل عن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وهو رجل الدولة بامتياز بإجماع اللبنانيين، والذي أكد الالتزام بما يقوله القضاء وتطبيق القانون ولا شيء غير القانون.
ومنذ أيام تمّ توقيف رئيس مجلس إدارة أحد المصارف على خلفية دعوى أقامتها محامية من أصحاب الأسهم في المصرف، وذلك بموجب بلاغ بحث وتحرّ صدر بحقه بعد رفضه مرتين المثول أمام القضاء للاستماع إليه.
إذا أخذنا هذا الأمر بشكل مجرّد عن أيّ عوامل أخرى فهو أمر عادي حصل ويحصل مثله في لبنان وفي معظم دول العالم إنْ لم يكن كلها، لكن بما أنّ القطاع المصرفي في لبنان يمرّ بظروف معروفة منذ ثلاث سنوات يصبح لمسألة توقيف رئيس مجلس إدارة أحد المصارف دلالة خاصة على أكثر من صعيد.
وكما في قضية المطران، كذلك في قضية المصرفي، إذ تعاملت المصارف مع هذه المسألة من خارج القانون، ويصحّ تسمية إضرابها الذي بدأته الاثنين بأنه أقرب إلى البلطجة والابتزاز، لأنّ الإضراب العام يضرّ بمجموع المواطنين وبالاقتصاد الوطني بشكل عام، بينما المسألة محصورة بأفراد يتقاضون في ما بينهم، والتوقيف تمّ بشكل قانوني ولا بدّ أن تأتي الردود من ضمن القانون نفسه، وليس مسموحًا لأحد مهما علا شأنه أن يتصرف كأنه فوق القوانين المرعية، وأن يأخذ المواطنين كرهائن في مقابل تحقيق مطالبه وشروطه!
تعالوا نعكس الأمور، ونفترض أنّ مواطنًا أخذ قرضًا من المصرف لكي يشتري شقة سكنية أو سيارة… وشاءت الظروف أن يتخلف هذا المواطن عن سداد ما عليه من سندات في أوقات استحقاقها، ماذا يفعل المصرف إزاء هذه المسألة؟ ألا يوجه إلى زبونه المتخلف عن الدفع إنذارًا واثنين وثلاثة… ثمّ يدّعي عليه أمام القضاء لكي يضع حجزًا على الشقة أو السيارة المرهونة أصلًا لمصلحة البنك؟
الأمر نفسه بالتمام والكمال ينطبق على المودع الذي يتخلف المصرف عن تسليمه وديعته حين يطلبها، وبموجب القوانين نفسها التي يلجأ إليها المصرف لتحصيل حقوقه من زبائنه المتخلفين عن الدفع، يمكن للمودع أن يلجأ إلى القضاء لتحصيل حقوقه التي يتخلف المصرف (أيّ مصرف) عن تسديدها له حين يطلبها…
طبعًا هذا لا يعفي الدولة من المسؤولية، وبشكل خاص مصرفها المركزي الذي يفرض عليه القانون أن يسهر على القطاع المصرفي وأن يحافظ على سلامة النقد الوطني، وهو لم يقم لا بهذه ولا بتلك، لأنّ السياسة التي اعتمدها حاكمه رياض سلامة (الملاحَق قانونيًا في لبنان وفي الخارج) كان هدفها مساعدة المصارف بأكثر من وسيلة على سرقة الناس، بدءًا من رفع الفوائد بشكل كبير جدًا ليس له وجود في كلّ اقتصادات العالم وصولًا إلى “البهلوانيات الهندسية المالية” التي كلفت الخزينة العامة أكثر من 10 مليارات دولار، في حين كان “الحاكم” يطمئن الناس بأنّ “الليرة بخير” ثم عاد بعد الانهيار الكبير ليقول “بكرا بيتعوّدوا”!
مسألتا المطران الذي لم يتمّ توقيفه والمصرفي الذي تمّ توقيفه، ليستا المسألتين الوحيدتين اللتين تعطيان فكرة واضحة عن طريقة تعاطي اللبنانيين مع القوانين، بدءًا من قانون السير الذي إذا خالفه الواحد منا وتعرّض لعقوبة معينة فإنه لا يُبقي واسطة إلا ويحاول من خلالها إعفاء نفسه من هذه العقوبة، وصولًا إلى أكبر القضايا ومنها ما يطال البلد كله باقتصاده وناسه وأجياله…
العِبرة في ما تقدّم هي أنّ تطبيق القوانين وتفعيل عمل القضاء هو الأساس المتين الذي تُبنى عليه مسيرة الإنقاذ، وبغير ذلك سنبقى نتحبّط بأزماتنا إلى ما شاء الله، والأهمّ أن يتمّ تطبيق القوانين بدون أيّ استثناء من هنا أو من هناك، لأنّ الاستثناءات هي “خوازيق في القانون” كما قال الفنان الكبير دريد لحام في أحد أعماله الفنية الهادفة…