ازمة لبنانالاحدث
لا قيامةَ للبنان على أَيدي مَن صَلَبُوه | بقلم هنري زغيب
ما إِنِ انتشر في الإِعلام خبرُ توقيف الحاكم السابق رياض سلامة حتى اندلع تهافُتُ السياسيين على التعليق، وانهال عليه الشامتون والشتَّامون، واجتاح الشاشاتِ نصفُ الشعب اللبناني الذي بات “مُـحلِّلًا” سياسيًّا و”خبيرًا” إِيديولوجيًّا و”مُنَظِّرًا” قانونيًّا.
لا أَدخل في هذا الموضوع ولا أُتابع تنظيرات السياسيين وأَفكارَهم وتصاريحَهم. اهتمامي هنا في موضوع آخر بلَغَني صباح أَمس على عرض الصفحة الأُولى من جريدة “التلغراف”، عدد الإِثنين 2 أَيلول 1968، بالعنوان الأَحمر الكبير: “بعد وضْع اليد على المصارف، قراصنةُ المال يَهربون، ووزراء ونواب يـَحمُون المغامرين”. وتحت العنوان الكبير عنوانٌ ثانويٌّ بالأَسود: “ملاحقةُ المسؤُولين عن تبديد أَموال اللبنانيين للزجِّ بهم في غياهب السجون”.
من ذينِكَ العنوانَين، رئيسِهما والثانويّ، تَهُمُّني العبارة الأَخيرة: “ملاحقة المسؤُولين عن تبديد أَموال اللبنانيين للزجِّ بهم في السجون”. ها نحن إِذًا، كما قبل 58 سنة كما اليوم: ما زال شعبُنا يطالب بملاحقة المسؤُولين عن تبديد ودائعه، وما زلنا نرى حتى اليوم قسمًا كبيرًا ذاتَه من أُولئك المسؤُولين، منذ عقودٍ في مقاعدهم رابخين، بخيرات شعبنا متنعِّمين، إِلى إِعادة انتخابهم مطمئنِّين، على غباء أَزلامهم ومحاسيبهم متَّكلين، وبقسمٍ كبيرٍ قطعانيٍّ من شعبنا متأَمِّلين، إِلى سواهم من الفاسدين مُشيرين، وأَنهم عن الفساد أَكثرُ من متعفِّفين، وما زالوا منذ دهورٍ بشعبنا منكِّلين.
هذا إِذًا ما يَهُمُّني من مانشيت الجريدة: أَنَّ الحياة السياسية في لبنان مسمومةٌ ومختنِقة بثاني أُوكسيد الكربون، لأَنها لا تتجدَّد من دورة إِلى دورة، ولا من عهد إِلى عهد، ولا من ولاية إِلى ولاية، ولا من حكومة إِلى حكومة، ولا من مجلس نيابي إِلّا إِلى نسخة عنه قلَّما تتجدَّد، وإِذا تغيَّرَت الأَسماءُ فحبوبٌ جديدةٌ في مِسبَحَةٍ ما زال حاملوها هُم هُم مُسْبَطرِّين لا يتغيَّرون، وإِذا غابوا فَنَسْلُهُم يُواصل القبْض على ناصية الـمِسبحة.
بلى: هذا ما لفتَني في مانشيت الجريدة سنة 1968. يومها، لم نقرأْ عن سياسيٍّ واحدٍ لُوحِقَ وأُوقف ودخَل السجن بتهمة حمايته قرصانًا ماليًّا، ولا يبدو اليوم أَيضًا أَننا سنقرأُ عن سياسي يَثْبُتُ فساده أَو تواطُؤُهُ أُوقِفَ ليُحاكَم لأَنه سيطلب تغيير القاضي إِذ يعتبر أَنه كامرأَة القيصر فوق الشبُهات، ولو انفجر النصفُ الآخرُ الباقي من بيروت.
أَستنتجُ من كل هذا الأَعلاه، أَنْ لن تكونَ قيامةٌ للُبنان على أَيدي من صلبوه. ولن تكون في لبنان مواسمُ خيرٍ ممَّن امتصُّوا خيراته. ولن يكون لأَبنائنا مستقبلٌ وفي الحكْم مَن ورثوا الحكْم وتوارثوه ويورِّثونه لنسلهم. ولن يكون فجرٌ للبنان وعلى باب الليل “دينوصوريون” موغِلُون بإِبقائه في العتمة.
قيامةُ لبنان تبدأُ أَن تنبلجَ حين يبدأُ شعبُنا بانتخاب وُجُوهٍ جديدة في دوراتٍ جديدة لا بإِعادة تدوير الطقم الحالي.
فليفْهمْ شعبُنا، فَلْيَفْهَمْ أَنَّ خلاصه بيده لا بأَيدي أَحدٍ في الخارج. والخلاصُ: بأَلَّا يبقى في صفوف شعبنا قُطعانيُّون أَغناميُّون تابعون مستسلمون مستزلِمون لجلَّاديهم، وأَن يتوقَّفوا عن شتْمِ جلَّاديهم بعد ظهر السبت، ثم يذهبُون ليُعيدوا انتخابَهم صباحَ الأَحد.