لبنان : الإنزياح الذي لم يكتمل ؟؟ | كتب د. ناجي صفا
سؤال مهم ومصيري يطرح نفسه على ضوء التطورات المفجعة التي شهدها لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الى متى يبقى لبنان عربة خردة تجرها بعض الأيادي الى اقرب ” بورة ” خردة او الى اقرب مكب نفايات.
المخاض الذي يعيشه لبنان الآن والذي بدأت بوادره مع صدور القران الدولي بانتهاء الحقبة السورية في لبنان واستشهاد رفيق الحريري لا زالت تداعياته مستمرة، عاش لبنان حقبة من الإستقرار النسبي كانت وليدة توافقات دولية واقليمية جرى بموجبها التوافق على تلزيم السوري ادارة البلد، لكن مع اختلال هذا التوافق نتيجة متغيرات قررتها الإدارة الاميركية في تعاطيها الأحادي في قيادة العالم فقد تم نزع التوافق على هذه الوصاية واسقاطها.
نوع جديد من الصراع نشأ في لبنان، عنوانه لمن ستكون الغلبة بعد الإنسحاب السوري، هل للأميركي، ام لإمتدادات السوري – الإيراني في لبنان.
هكذا شكلت حرب تموز عام ٢٠٠٦ الفيصل في هذا، لم تأت حسابات الحقل الاميركي – الصهيوني وفق نتائج البيدر، هزمت اسرائيل، وبدا المشهد يتجه نحو انزياح في موازين القوى لصالح المحور السوري الإيراني، لكن ما حصل هو ان حزب الله بدا عاجز عن ترجمة هذا المشهد وتقريشه في رسم المعادلات السياسية الداخلية لأسباب لا نعرفها حتى الآن.
الواقع ان حزب الله انتصر في لبنان، لكن الهيمنة الأميركية على قرار ومفاصل الدولة بقيت . رأى البعض في انتصار حزب الله حسما للصراع، وانزياحا باتجاه ايران وسوريا، لكن حزب الله عجز عن تكريس ذلك واستثمار نتائجه.
مرة اخرى اكد حزب الله المعادلة لصالحه، عندما انتصر في ٧ أيار ٢٠٠٨، لكنه ومرة اخرى ايضا عجز عن تقريش هذا الإنتصار في اتفاقية الدوحة لصلحه، وانتج في الدوحة التسوية التي اعادت نوع من التوازن الى بنية البلد، ودون ان يشكل فيها حزب الله الغلبة.
لم يستكن الاميركي، فقد فتح معركة في كل من سوريا والعراق، ومرة اخرى يدخل حزب الله على الخط، في خطة استباقية في سوريا، واستدراكية في العراق، ورغم انه يمكن القول ان حزب الله قد حقق انتصارات نسبية، الا انه عجز وللمرة الثالثة على التوالي عن تقريش هذه الانتصارات التي حققها سواء في سوريا او في العراق، او في جرود السلسلة الشرقية للبنان، وعجز مرة جديدة عن تقريش هذه الإنتصارات في صياغة توازنات جديدة، تعبر عن هذه الإنتصارات وتستند اليها.
الآن اميركا تحاصر لبنان لمحاصرة حزب الله، ماليا واقتصاديا وسياسيا ومعيشيا، يعاونها في هذا الحصار دول خليجية عربية، لا تبدو آفاق انتهاء هذا الحصار واضحة المعالم، الاخطر من ذلك كله، ان الامل الذي اشيع في فترة سابقة بأن لبنان سيتحول الى دولة نفطية وسيدخل النادي الدولي للنفط والغاز قد تبخر.
لم يجرؤ المسؤولين اللبنانيين على مصارحة شعبهم بالقرار الاميركي، لا غاز ولا نفط للبنان، ما لم ينضم الى الكونسرتيوم الإسرائيلي، وما لم يكن التنقيب والإستخراج بقيادة الإسرائيلي وتحت اشرافها، وان تكون هي المسوقة لهذه المادة.
ورغم الحاجة العالمية الآن للنفط والغاز، ولا سيما أوروبا، كبديل للغاز الروسي، الا انه يمنع على لبنان التنقيب والإستخراج الا بقيادة اسرائيلية، وما يجري البحث حوله من ترسيم للحدود، وما الى هنالك من مباحثات، ليس سوى ذر للرماد في العيون وتغطية للعجز اللبناني، وعدم القدرة على تكريس الحقوق في الغاز والنفط، الا وفقا للرؤية الاميركية – الإسرائيلية المشتركة.
التحدي الكبير الذي يواجهه حزب الله الآن هو هنا، قد يكون هذا التحدي اكبر من تحدي التحرير عام ٢٠٠٠، وتحدي العام ٢٠٠٦ و٢٠٠٨، وهو تحدي تمكين لبنان من استخراج غازه ونفطه، لان ذلك سيشكل معيارا لنجاح، ومغفرفة عن عجز ما لم يتم تحقيقه في المرات السابقة رغم الإنتصارات الميدانية.