ازمة لبنانالاحدث
لبنان النور من منصة عالَمية | بقلم هنري زغيب

مرَّةً جديدةً تُخصص مجلةٌ فرنسية واسعةُ الانتشار ملفًّا خاصًّا عن لبنان.
إِنها مجلة L’Histoire. صدر عددها الجديد رقم 530 لشهر نيسان الحالي، في 100 صفحة، رُبْعُها (من ص30 إلى 57) ملف خاص عن لبنان بعنوان عام “لبنان… البلد الـمُمزَّق”. غلاف العدد كاملًا عن لبنان، عليه صورة طفل يحمل علَم لبنان، وثلاثة عناوين ثانوية هي: “مجازر 1860″، “أَبرز دولة عصرية في العالم العربي”، و”الطوائف في لبنان: أَشباحُ الحرب الأَهلية”.
افتتاحيةُ العدد عنوانُها سؤَال: “هل لبنانُ بلدٌ خَسِع؟”، جاء فيها: “لبنان بلد صغير، إِنما كان بين الدوَل الخمسين التي أَسسَت منظمة الأُمم المتحدة”…. “طوال خمسمئة سنة، كانت الأَقليات متعايشةً في جبل لبنان.
وبتكليفٍ من “هيئة الأُمم” (الـمُنْشَأَة سنة 1919 والمحلولة سنة 1946)، وبعد انهيار السَلطنة العثمانية، بسطَت فرنسا حضورَها سنة 1920 بإِعلان دولة لبنان الكبير، وبفصله عن سوريا وتوسعته شاطئًا وبقاعًا.
وتدريجًا، بفضل نخبة من المثقَّفين والمطَّلعين عالَميًّا، اشتهر لبنان دوليًّا بأَنه أَكثر بلدٍ حداثةً وعصرنةً وازدهارًا بين جميع الدول العربية. لكنه، منذ نصف قرن، وتحديدًا منذ 1975، بات مسرحًا لجميع الصراعات الإِقليمية حوله”.
بعد الافتتاحية أَربعة مواضيع: الأَول حوار مع البروفسور الفرنسي هنري لورنس (مؤَرخ متخصص بالعالم العربي والإسلامي، وحاليًّا أُستاذ التاريخ ورئيس برنامج “تاريخ العالم العربي المعاصر”). في الحوار معه، يقول إِنَّ “لبنان كان يسمَّى”سويسرا الشرق الأَوسط” في ستينات القرن الماضي، وكان طويلًا قبلذاك أَغنى الدول العربية وأَكثرَها حداثةً. وتامًّا كان الانسجام بين عائلاته الروحية. لكنّ المشادّات الإِقليمية والدولية حوَّلت ذاك البلد الصغير إِلى أَن يكون مسرحَ حروب الآخرين على أَرضه”.
الموضوع الثاني في هذا الملف عن لبنان، كتبه المؤَرخ الفرنسي برنار هيبيرجيه، المتخصِّص بتاريخ المسيحية في الشرق الأوسط من القرن السادس عشر حتى اليوم، وفيه يقول إِنَّ الموارنة كانوا أَول تجمُّعٍ شكَّل نواةَ الأُمة اللبنانية المستقلة، سيدةَ قرارها، بدعم من روما وفرنسا والإِرساليات الأُوروبية.
الموضوع الثالث كتبَتْه سيلين رينيار أُستاذة التاريخ في جامعة مرسيليا، والمتخصصة في تاريخ الهجرات بين الأَبيض المتوسط والمحيط الأَطلسي. وعرضَت في مقالها هِجرة اللبنانيين في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، وهروبَهم من جَور السلطنة العثمانية، ميمِّمين نحو القارة الأَميركية، شمالًا إِلى نيويورك، وجنوبًا إِلى ساو باولو.
الموضوع الرابع والأَخير كتبه السفير والمؤَرخ الفرنسي إِيف سان جِيُور، وهو حاليًا رئيس مجلس إِدارة “مؤَسسة باستور” الشهيرة. ركَّز فيه على العلاقة الخاصة بين فرنسا ولبنان، وكيف لبنان، منذ نهايةِ الحرب العالمية الثانية ونيلِه استقلالَه، كان نقطةَ الارتكاز الوحيدةَ لفرنسا في الشرق الأَوسط، وكيف انضمَّ لبنان إِلى “المنظمة الدولية للفرنكوفونيا” منذ تأْسيسها سنة 1970، وترأَّسها ذات فترةٍ رئيس جمهورية لبنان شارل حلو. وأَشار إِلى كوكبة لبنانيين يجمعون لبنان بفرنسا من خلال اللغة الفرنسية والثقافة، وسَّمى بينهم جورج شحادة وأَندريه شديد وصلاح ستيتيه وأَمين معلوف وسواهم.
تلك أَبرز النقاط من ملف هذا العدد عن لبنان، في مجلة L’Histoire، الواسعة الانتشار في فرنسا والعالَم الفرنكوفوني.
وهذا، أَيضًا وأَيضًا، هو لبنان الفكر والتاريخ والحضارة، على منصة عالَمية كبرى تُبرزُ وطنَنا الخالد في صورته الأَبهى، أَي الجديرةِ بلبنان الذي، كلَّما شوَّهَه الغربان إِلى قعر التجاذُبات السياسية، تعود حقيقتُه التاريخية فترفعُه إِلى قمم النور، مشعًّا كمنارة ضئيلة المساحة، لكنها بعيدةُ النور حين يدور رأْسها وينشر النور ساطعًا إِلى المدى البعيد.