لبنان : تأكيد المؤكد… لا حل إلا شرقًا | كتب أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يعرف الجميع دون استثناء، وخاصة أولئك الذين يُنَظّرون أمام الشاشات وخلفها صباحًا ومساء، بأنّ الحلّ للأزمة الاقتصادية في لبنان يمرّ عبر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يعرفون أنّ الصندوق لن يعطي لبنان في أحسن الأحوال إلا قروضًا تتراوح بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار ولفترات تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
هذا طبعًا إذا استطاع لبنان الالتزام بشروط الصندوق القاسية جدًا خاصة على صعيد انعكاساتها الاجتماعية الكبيرة لجهة تخفيض حجم القطاع العام والتخفيف من دور الدولة في الرعاية الاجتماعية.
وإضافة إلى ذلك هناك مسألة المهل والاستحقاقات الداهمة التي تثير شكوكًا كبيرة بأن يتوصّل لبنان إلى اتفاق مع الصندوق قبل مطلع العام المقبل، حيث أنه من الصعب التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات النيابية المقرّرة في منتصف شهر أيار المقبل، وبعد الانتخابات تصبح الحكومة الحالية في مرحلة تصريف أعمال ريثما يتمّ تشكيل حكومة جديدة، وهذه الحكومة تحتاج إلى وقت حتى تنجز بيانها الوزاري وتنال ثقة المجلس النيابي الجديد، وعندها نكون قد دخلنا في مدار الانتخابات الرئاسية المرتقبة قبل نهاية شهر تشرين الأول المقبل، ومع تسلّم الرئيس الجديد للجمهورية أيضًا تدخل الحكومة القائمة مرحلة تصريف أعمال، ومرة جديدة نصبح بحاجة إلى شهرين أو ثلاثة أشهر إذا لم يكن أكثر لتشكيل حكومة جديدة ثم لإعداد البيان الوزاري ونيل الثقة النيابية مجدّدًا…
هذه المهل والاستحقاقات لن تنتهي إلا مع مطلع العام 2023، هذا إذا سار كلّ شيء بشكل طبيعي ولم يواجه تشكيل الحكومة العراقيل والعقبات كما هي العادة في لبنان…
السؤال: هل يحتمل وضع البلد المزيد من الانتظار حتى تنطلق عجلة الحلول؟ وأيّ حلول يمكن أن تكون مفيدة بعد انهيار كلّ شيء؟ بالتأكيد الوضع لا يحتمل ويجب أن تبدأ المعالجات اليوم قبل الغد…
والسؤال أيضًا: هل هناك بدائل قد نلجأ إليها من اليوم تغنينا عن انتظار نحو سنة أخرى ليرضى علينا صندوق النقد؟ طبعًا الجواب هو نعم… والحلّ هو في التوجّه شرقًا بدءًا من الانفتاح على سورية والعراق والأردن، حيث لا مجال لتنمية قطاعاتنا الإنتاجية ـ الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات ـ إلا من خلال هذا الانفتاح الذي يؤمّن لنا الأسواق المطلوبة لتصريف إنتاجنا.
بالتوازي يجب الالتفات إلى العروض المغرية المقدّمة من إيران وروسيا والصين لمساعدتنا في الكثير من المجالات الحيوية التي تمثل حاجة أساسية للبنان خاصة في هذه الأيام التي تشتدّ فيها الأزمات ويضيق الخناق على معظم الفئات الشعبية بفعل الحصار المفروض علينا بوضوح لا لبس فيه.
وهنا لا بدّ أن تتحمّل الحكومة مسؤولياتها وتضع هذه العروض على الطاولة لمناقشتها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، إذ كيف يمكن في ظلّ ما نعانيه اليوم من شحّ في المحروقات، أن لا تتخذ الحكومة قرارًا واضحًا بقبول العرض الإيراني الذي لا يزال قائمًا باستيراد المحروقات وتسديد ثمنها بالليرة اللبنانية. خاصة أنّ الحجج السابقة التي كانت توضع لعرقلة اتخاذ مثل هذا القرار تسقط تباعًا، فها هي مفاوضات فيينا تقترب من خواتيمها السعيدة بين إيران ودول 5 + 1 بشأن الاتفاق النووي، وها هي الاجتماعات الإيرانية ـ السعودية تتواصل في بغداد مع تأكيد أرفع المسؤولين في البلدين بأنّ الأجواء إيجابية وأنّ العلاقات بينهما ستعود إلى طبيعتها.
ويعرف الجميع أنّ استيراد المحروقات بالليرة يوفر على الخزينة العامة بين 3 و4 مليارات دولار سنويًا، واليوم قد يرتفع هذا الرقم مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا… خاصة أنّ زعبرات حاكم مصرف لبنان اقتربت من النهاية، بعدما اختفت مليارات الدولارات من صناديق المصرف المركزي والمصارف الخاصة والخزينة العامة بوسائل وألاعيب مختلفة.
ويمثل استيراد المحروقات من إيران بالليرة الحلّ الوحيد لتوفير كلّ المشتقات النفطية خلال أيام معدودة سواء لمعامل الكهرباء أو للمواطنين بأسعار مقبولة، طالما هي بعيدة عن الدولار، وعن أسعار النفط الملتهبة عالميًا… خاصة أنّ الغلاء لم يعد من الممكن احتماله لا في أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي ولا في فواتير المولدات الخاصة.
ويشمل العرض الإيراني أيضًا بناء معملين في بيروت والجنوب لإنتاج الكهرباء بقوة ألف ميغاوات لكلّ منهما، وهذا ما يتقاطع مع العروض الصينية في الكهرباء وفي السكك الحديد والأنفاق والنقل العام…
وهناك أيضًا العرض الروسي المهمّ جدًا لبناء مصفاة نفط لتكرير الخام الروسي، تبدأ بالإنتاج خلال ستة أشهر على أن تكتمل قدرتها الإنتاجية خلال 18 شهرًا، وتصبح قادرة على تغطية حاجات لبنان وإعادة تصدير كميات كبيرة إلى أوروبا العطشى لكلّ أنواع المشتقات المفطية، وهذا ما أكدته الأحداث الحالية في أوكرانيا.
على أنّ النقطة الأهمّ في كلّ ما تقدّم هو أنّ العروض الإيرانية والروسية والصينية لا تكلف الخزينة العامة أي شيء، لا بالليرة ولا بالدولار، إذ انها كلها على طريقة الـ bot، أيّ أنّ الشركات التي تتولى تمويل وإنشاء هذه المشاريع تتولى إدارتها والاستفادة من عائداتها بنسب معينة ولآجال محددة يتمّ الاتفاق عليها مع الدولة اللبنانية.
هذا مع العلم أنّ كلفة إنشاء المشاريع المُشار إليها تقدّر بحوالى أربعين مليار دولار، وليس علينا إلا أن نتخيّل ما يمكن أن يفعله ضخّ مثل هذه المبالغ الضخمة خلال سنتين أو ثلاث في شرايين الاقتصاد اللبناني… في حين يتسمّر البعض في أماكنهم بانتظار أن يرضى عنهم صندوق النقد ومَن يقف خلف صندوق النقد.