لبنان لا يُخبىء قرشه الأبيض إلى يومه الأسود | كتب د. مازن مجوّز
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يعيش اللبنانيون ضغوطًا مادية ونفسية متأتية من الخوف من إنقطاع الموارد الأساسية، الضرورية لإبقاء أمنه الغذائي في دائرة الأمان، لكن هذا الأمن في الواقع “خرج و كتر” على الطريقة اللبنانية، ولعل أحد أبرز الأسباب الحقيقية هي ليس تعرضه للإهتزاز بسبب الأزمات المتلاحقة، وآخرها التي تسببت بها الأزمة الأوكرانية الروسية، بل بفعل إفتقاره لمنشآت ضخمة لحفظ المواد الإستراتيجية لمعيشته، وإستمرار حياته بشكلها الطبيعي، والتي أبرزها تلك التي بدأت تكوي جيبه بأسعارها الملتهبة وعلى رأسها القمح والسكر والذرة والزيت والأرز ناهيك عن الموارد الطاقيّة، على الرغم من تمتعه بثروات من الطاقة المتجددة، ثروات ضائعة وغير مستثمرة خصوصًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائيّة.
بالأمس حذَر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الأونكتاد) من الضرر الإقتصادي الهائل الذي يسببه النزاع الاوكراني– الروسي في العديد من البلدان النامية التي أضعفتها جائحة كورونا أصلًا، وخفضت توقعاتها للنمو العالمي إلى 2,6 % خلال العام 2022 من 3,6% سابقًا.
ويُعد لبنان أحد أبرز الدول النامية التي تضررت إقتصاداتها، ويعلق بيار الخوري اكاديمي وباحث، خبير في الإقتصاد والإقتصاد السياسي :” لبنان مضطرٌ اليوم لاعتماد إجراءات لوجيستية وسياسات استراتيجية لبناء المخزونات، كونه معرض للإهتزاز السياسي العميق في حال تزايدت الضغوط المادية والنفسية على كاهل المواطن، الذي يتخبط بقلق وخوف مستجد من إنقطاع الموارد الأساسية “.
ومن المعروف أن لبنان يعاني من إعتماده إلى حد قياسي على واردات السلع الغذائية الاستراتيجية( الآنفة الذكر ) فضلًا عن إستيراده لموارد الطاقة، في المقابل هو لا يمتلك مخازن إستراتيجية لتخزين هذه السلع لمواجهة الأزمات الكبرى، وأتى إنفجار مرفأ بيروت في 4آب 2020، ليوجه الضربة القاضية لإهراءات القمح، سبب يضاف إلى مجموعةٍ من العوامل التي أدت إلى توسيع المخاطر المرتبطة بالأمن الغذائي للمواطن يوردها الخوري ” مخاطر التقلبات السعرية العنيفة في وقت الأزمات، سوء شروط التخزين، الإعتماد على مبادرات القطاع الخاص، وسياسة المخزون لدى كل مستورد وعدم وجود سياسات إستراتيجية.
ومع إستمرار الأزمة الاوكرانية وعدم وجود حلول حقيقية لها في المدى القريب، يبقى اللبناني ضحية السياسات العقيمة التي إعتمدتها الحكومات المتعاقبة، حيال المواد الأولية الأساسية لأمنه الغذائي، وبالطبع ليست عودة الطوابير أمام الأفران، ووصول سعر كيلو السكر إلى 30 ألفا، وتحليق أسعار الزيت إلى مستويات قياسية سوى بداية الأزمة، وكأن اللبناني كان ينقصه مصائب فوق التي حلت به منذ إندلاع ثورة 17 تشرين وحتى اليوم.
وبصورة أشمل يشرح الخوري بأن تعرض لبنان تعرض لصدمات متعددة في أسعار الغذاء والطاقة بدءًا من الفترة 2007–2008 وإنتهاءً بالأزمة الأوكرانية المستجدة. ومن غير المتوقع أن تشهد أسعار هذه السلع في المستقبل المنظور خاصة مع تعقيد الأزمة الجيوسياسية والجيو اقتصادية ودبلوماسية العقوبات والعملات المرتبطة بها.
وبرأيه يعد لبنان بصفة خاصة، هزيلًا امام الإختناقات المتزايدة في أسواق الغذاء والطاقة العالمية ، حيث يعتمد بشكل شبه كامل على الإستيراد بدون وجود استراتيجية للأمنين الغذائي والطاقي.
بحسب البنك الدولي يوجد نمطان نظريًا من أنماط تخزين القمح: نمط تشغيلي ونمط واستراتيجي. الأول ينظم تدفق المواد الوارد والصادر ضمن سلسلة الامدادات من أجل بناء لوجستيات ميسرة، فيما يهدف الثاني إلى التخفيف من حدة مخاطر كل من إمدادات وأسعار الواردات. ويمكن أن توفر الاحتياطيات الاستراتيجية جهوزية العرض للاستهلاك الفوري في حالات الطوارئ، بما يمنح الحكومة مهلة لتوفير إمدادات بديلة أو إضافية.
أمّا في ما يتعلق بالحلول، فيرى الخوري أن هناك مسارات مختلفة يستطيع لبنان أن يسلكها لتحقيق الأمن الغذائي. ويعطي مثالًا في ما يتعلق بالقمح، يستطيع البلد العمل على تحقيق الأمن الغذائي من خلال زيادة معدلات الإكتفاء الذاتي وتحسين القدرة على الإعتماد على الذات في المجال الزراعي وإستخدام التكنولوجيات الحديثة لتعظيم مردود الأرض، حيث يتمتع لبنان بثلثي أراضٍ بصفتها صالحة للزراعة؛ مضيفًا “لكنه في المقابل يواجه اليوم منافسة على المستوى الدولي حيث الأسعار تأخذ إتجاهًا تصاعديًا طويل الأجل نتيجة سعي الدول الغنية الى تطبيق استراتيجيات تعظيم المخزونات وإعادة توجيه سلاسل التوريد العالمية بما يخدم هذه الاستراتيجية. بما يمكن أن يؤدي إختلال إلامدادات إلى تهديد الأمن الوطني بمعناه الواسع“، لافتًا إلى أن أزمات الإرتفاع الشديد لأسعار المواد الاستراتيجية قد إتُبعت بالتوترات الجماهيرية في المحيط الجيوسياسي للبنان، ولبنان اليوم في وضع أسوأ اجتماعيًا مما كانت عليه الدول العربية عشية الربيع العربي عام ٢٠١٠.