ازمة لبنانالاحدث

لبنان: هَيبَةٌ على عاتقِ الرئيس وإصلاحٌ على عاتقِ الحكومة | بقلم د. بيار الخوري

انتخابُ العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية يُمثّلُ مرحلةً جديدة تَتّسِمُ بالتحدّيات والآمال. بعد سنواتٍ من الشلل السياسي والانهيار الاقتصادي، ينظرُ اللبنانيون إلى الرئيس الجديد كشخصيةٍ قادرة على استعادةِ هيبةِ الدولة وضمانِ احترام القانون، مُستَندًا إلى سجلِّ قيادته الناجحة للمؤسّسة العسكرية بعيدًا من الفساد والمحاصصة والمحسوبية. لكن في ظل النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف، لم يَعُد دورُ رئيس الجمهورية كما كان عليه في الماضي، إذ انتقلت السلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء، مما يُحتِّمُ على الرئيس الجديد أن يلعبَ دورَ الضامن للقانون والدولة، بينما تكون الإصلاحات الحقيقية على عاتق الحكومة.

لبنان اليوم يواجه أزمات مُركّبة، بدءًا من الانهيار المالي الذي أدى إلى فقدان المودعين لودائعهم، مرورًا بانهيار القطاع العام، ووصولًا إلى تفشّي الفساد الذي نَخَرَ عظامَ مؤسّسات الدولة. في ظلِّ هذا الواقع، يصبح دور الرئيس مركزيًا في حماية سلطة القانون ومنع التنازُلات السياسية التي تُكرّسُ الانقسامَ أو تُغذّي المحاصصة الطائفية. الرئيس الجديد بحاجة إلى فرضِ القانون كمرجعٍ أعلى لا يمكن تجاوزه، مع ضمان استقلالية القضاء وحمايته من التدخّلات السياسية التي أضعفت قدرته على تحقيق العدالة.

في المقابل، تقعُ على الحكومة مسؤولية مباشرة في مواجهة الأزمات وإطلاق خطط إصلاحية شاملة. هذه الخطط يجب أن تبدأ بمعالجة جذور الأزمة الاقتصادية، من خلال إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وحلّ مشكلة الودائع المصرفية، وضمان استقرار النظام المالي. كما إنَّ إنتاجَ استراتيجيةٍ اقتصادية وطنية هو ضرورة قصوى، بحيث تشملُ دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، وتحفيز الاستثمار، وإعادة بناء البنية التحتية بما يساهم في خلق فُرَصِ عمل وتحقيق نموٍّ مُستدام.

إضافةً إلى ذلك، لا يُمكنُ تجاهل أهمية محاربة الفساد واستعادة دور القطاع العام كمؤسسة فاعلة تخدم المواطنين بعيدًا من منطق المحاصصة وانعدام الإنتاجية. هذه الإصلاحات لن تتحقَّقَ إلّا من خلال حكومٍة تمتلك رؤيةً واضحة وإرادةً سياسية حقيقية لتنفيذها، بدعمٍ من رئيس الجمهورية الذي يضمن إطارًا قانونيًا يحمي مسار الإصلاح ويمنعُ أيَّ محاولاتٍ لإضعافه.

العلاقة بين الرئيس والحكومة ستكون حجر الزاوية في هذه المرحلة. الرئيس، بوصفه رمزًا للدولة، يجب أن يكون حارسًا للقانون وحاميًا للمصلحة الوطنية، بينما تُركّزُ الحكومة على إصلاحٍ جذري يُعالج الأزمات المتراكمة ويُعيدُ بناءَ الثقة بين الدولة والمواطنين. هذه المعادلة الدقيقة تتطلّبُ تعاونًا فعّالًا وإرادةً جماعية تتجاوزُ المصالح الفئوية والطائفية، لإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي كدولةٍ تحترمُ القانون وتعملُ لصالح جميع أبنائها.

الآمال معقودة على العماد جوزيف عون ليكون رئيسًا يُجسّدُ هيبةَ القانون ويُحافظُ على وحدة الدولة، وعلى الحكومة لتكونَ أداةَ تنفيذِ الإصلاحات المطلوبة. معًا، يمكن لهما أن يضعا لبنان على طريق التعافي، لكن ذلك يعتمد على إرادةٍ حقيقية للتغيير وشجاعةٍ في مواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. نجاح هذه المرحلة يتطلب تعاونًا صادقًا وإصرارًا على بناء مستقبلٍ يليق بالشعب اللبناني وطموحاته.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى