“لشو الحكومة”… “لشو رئيس الحكومة”؟ | بقلم أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نقل الإعلام عن أحد الوزراء في حكومة تصريف الأعمال أنه سأل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو نفسه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، عن احتمالات التشكيل فأجابه: “لشو الحكومة”…؟
ربما يكون الرئيس ميقاتي على حقّ في إجابته، لكن الأصحّ لو أضاف كلمة واحدة فتصبح الإجابة “لشو رئيس الحكومة”، لأنّ هذه تعبّر عن الواقع أكثر باعتبار أنّ رئيس الحكومة لا يفعل شيئًا على الإطلاق، بينما هناك وزراء يحققون الكثير من الإنجازات بالإمكانيات القليلة المتوفرة لهم، وأبرز مثال على ذلك وزير الأشغال العامة والنقل د. علي حمية ووزير الطاقة د. وليد فياض ووزير الشؤون الاجتماعية د. هكتور حجار ووزير العمل د. مصطفى بيرم…
هؤلاء الوزراء وبعض آخر من زملائهم تدلّ عليهم جهودهم وإنجازاتهم التي “سحبوها من فم السبع” كما يُقال، وبإمكانات قليلة ومحدودة جدًا ومعروفة للجميع، ولكن ليقل لنا أحد عن إنجاز واحد حققه رئيس الحكومة لمصلحة البلد والناس منذ تشكيل حكومته الحالية في شهر أيلول 2021، علمًا أنّ لبنان اليوم يمرّ بأصعب مرحلة في تاريخه، وهي ربما أكثر صعوبة من تلك المرحلة التي مرّت إبان الحرب العالمية الأولى حين مات ثلث سكان جبل لبنان من الجوع…!
على العكس… هناك مواضيع وملفات عرقل رئيس الحكومة تنفيذها ولا يزال يُعرقلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر العروض الصينية المتعلقة بإعادة تأهيل أو إنشاء سكك الحديد من الشمال إلى الجنوب ومن بيروت إلى البقاع ومعها نفق حمانا ـ شتورة، وشبكة أنفاق في العاصمة بيروت وغيرها من المدن الرئيسية، إضافة إلى مشاريع أخرى في الكهرباء والبيئة… كما أنّ ميقاتي عرقل بأسلوبه المعتاد العرض الروسي بإنشاء مصفاة لتكرير النفط، علمًا أنّ جانبًا كبيرًا من إنقاذ الاقتصاد اليوناني الذي تعثّر قبل سنوات أتى من مصافي النفط الخمس التي تقدّر عائداتها السنوية بنحو عشرة مليارات دولار…!
وآخر “إبداعات” ميقاتي في العرقلة يتمثل في إعلانه الموافقة على الهبة الإيرانية ولكن من دون التوقيع عليها أو تكليف وزير الطاقة بالذهاب إلى طهران على رأس وفد تقني للاتفاق على تفاصيل تنفيذ هذه الهبة التي تعطي لبنان مجانًا ولمدة عام كامل قابل للتمديد ما يحتاجه من فيول لتشغيل معامل الكهرباء بحيث يتمّ رفع ساعات التغذية إلى 12 ساعة يوميًا وربما أكثر من ذلك فيما المواطنون تواقون ليروا الكهرباء في منازلهم وأماكن عملهم ولو لنصف ساعة في اليوم، بخاصة مع عدم قدرة غالبية اللبنانيين على الاستمرار في دفع فواتير المولدات الخاصة التي باتت أرقامها في عالم الخيال…
في النتيجة يرى الجميع في الداخل والخارج أنّ ميقاتي نفسه يحول دون تحقيق أيّ أمر إيجابي للناس وللبلد، مع أنّ هناك الكثير مما يمكن فعله للتخفيف من مفاعيل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان واللبنانيون، والتي ازدادت حدة إلى درجة لا تُحتمل خاصة على صعيد الحياة اليومية للمواطنين الذين أصبحوا في غالبيتهم الكبرى غير قادرين على تأمين الأساسيات من غذاء ودواء واستشفاء وكهرباء، يُضاف إليها مواضيع السكن والتعليم وغيرها الكثير الكثير…
أما كارثة الكوارث التي ساهم الرئيس ميقاتي في حصولها ويساهم اليوم في عدم معالجتها فهي وضع القطاع المصرفي بشقيه الرسمي والخاص، حيث يعرف الجميع أنّ رئيس الحكومة هو من كبار المساهمين في أحد المصارف الكبيرة، وبالتالي هو صاحب مصلحة في عدم تحميل المصارف أيّ حصة من الخسائر الهائلة التي تعرّض لها كلّ البلد، والتي نتجت عن سياسات خاطئة استمرّت طوال عقود من الزمن، رغم أنّ الكثير من الخبراء والعارفين كانوا يُحذّرون من مغبة تلك السياسات واستمرارها، لكن طمع أصحابها الذين كانوا يمسكون بمفاصل السلطات السياسية والمالية والنقدية، جعلها تستمرّ ليحقق أولئك أرباحًا غير شرعية بمليارات الدولارات نتيجة رفع الفوائد إلى مستويات خيالية على الودائع عمومًا وعلى سندات الخزينة بنوع خاص، وصولًا إلى “الهندسات البهلوانية” التي ابتكرها “الحاكم المبدع” عام 2016 وما بعده، حيث انفجر البالون المنفوخ وتطاير هواؤه في كلّ الأرجاء وأصاب الناس جميعًا باستثناء المحظيين في القطاع المصرفي الرسمي والخاص ومعهم عدد غير قليل من السياسيين والإعلاميين ورجال الدين…
هؤلاء جميعًا يرفض الرئيس ميقاتي تحميلهم أيّ خسائر، رغم أنهم هم الذين تسبّبوا بها، ولذلك نرى أنّ الحكومة لم تتخذ أيّ إجراء علاجي في هذا الشأن، مع محاولات شكلية للإيحاء بأنّ الحكومة تفعل شيئًا في هذا الصدد، وهي مثلًا في آخر جلسة لها قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال أقرّت ما يُسمّى خطة التعافي الاقتصادي والمالي، علما أنّ ما أقرّته ليس سوى نسخة مشوّهة عن الخطة التي كانت قد وضعتها حكومة الرئيس البروفسور حسان دياب، والتي تحمّل فيها الدولة نفسها ومصرف لبنان والمصارف كلّ الخسائر، ولم تحمّل المودعين أيّ أعباء مادية، خاصة لمن لا تزيد ودائعهم عن نصف مليون دولار، أما مَن تفوق ودائعهم هذا الرقم فهم لن يخسروا أيضًا إنما فقط عليهم الانتظار لبعض الوقت ريثما تكون خطة التعافي قد بدأت تعطي نتائجها بعودة حركة الإنتاج إلى الدورة الاقتصادية، وبالتالي تزداد القدرة لدى الدولة لكي تساهم أكثر فأكثر في حلحلة كلّ الأزمات.
وعندما تمّت مواجهة الرئيس ميقاتي بهذه الحقائق والوقائع في لجنة المال والموازنة النيابية، قال للنواب إنه سيعيد النظر بالخطة مع تشكيل الحكومة الجديدة، والتي بات الآن لا يريد تشكيلها ويقول “لشو الحكومة”…! والأصحّ كما قلنا “لشو رئيس الحكومة”! طالما أنّ ما تقدّم يمثل دليلًا واضحًا وأكيدًا على عدم وجود نوايا إصلاحية حقيقية بل فقط مجرد تحايل وتهرّب وتقطيع الوقت بانتظار ما تأمر به “سعادة السفيرة” التي يهمّها جدًا بقاء الحال على حاله وانتخاب رئيس جديد للجمهورية من المجموعة نفسها لكي تكتمل الحلقة التي من خلالها تريد أن يشتدّ الخناق على لبنان لكي يستسلم وينصاع للرغبات والسياسات الأميركية و”الإسرائيلية”…
لكن ثبت أنّ في لبنان مَن هو قادر على جعل كلّ هذا مجرّد أوهام وأحلام، خاصة أننا نحتفل اليوم بالأربعينية وبذكرى النصر الكبير في 2006، وننتظر أن نشهد في الأيام القريبة المقبلة نصرًا جديدًا يثبّت حقوق لبنان في مياهه ويعطيه القدرة على استخراج نفطه وغازه واستنقاذ نفسه واقتصاده وشعبه…