ازمة لبنانالاحدث
لماذا لا يطرح إسم امرأة لرئاسة مجلس الوزراء؟ | بقلم د. بولا الخوري
ابحث عن امرأة واحدة يطرح اسمها لهذا المنصب ولا أجدها في كل ما أقرأه على وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلات الصحف وأسرار السرايا والآلهة والأوساط المطلعة، وهذه كلها تعابير سياسية ذكورية، تشي باجتماع الرجال على اسرار البلاد، وامتلاكهم حظوة المعلومات التي يحصرون تداولها بينهم.
لا أقترح ذلك لأن أي امرأة هي أفضل من أي رجل آخر، فهذا ليس بيت القصيد. لكن عدم اقتراح إمرأة للمنصب يعبّر في حد ذاته عن جهل مقصود لقدرات النساء اللبنانيات على تولي الشأن العام. والحال أن نساء لبنان قمن بمهام جبارة وبجدارة منذ بدء الحرب الأهلية التي تشارف نصف القرن هذا العام. لقد قمن بإدارة شؤون بيوتهن واولادهن وأزواجهن في أصعب الظروف وأخطرها. وشاركن يومياً في حياة أحياءهن للتعامل مع قوى الأمر الواقع والمسلحين وفرضن في أغلب الأحيان شروطهن على هؤلاء.
تعلمن وهاجرن للعمل بمفردهن، مارسنا السياسة وتفوقن على الرجال في إدارة الشؤون البلدية، كن أنظف كفاً، غير خاضعات للألاعيب الحزبية، بل بعضهن تحايل عليها بطرح اصلاحات جدية تجعل من رجال الأحزاب عاجزين عن رفضها أمام الرأي العام. مارسن النيابة وكان صوتهن جهوراً وجريئاً بالإجمال.
في مقابلتي لكثير من اللبنانيات ومشاهدتي لهن في عائلتي وأينما تنقلت في لبنان، فهمت أمراً مهماً ومغيباً عن التداول هو أن المرأة في خضم الحرب بين الذكور تحولت من محمية الرجل الى حامية له، وهو إن لم يشارك في الحرب، وهذه حال أكثر من 90 بالمئة من الرجال، احتاج المرأة لتقوم بأكثر المهام التي تتطلب التنقل في المعابر غير الآمنة. وإن كان في رفقتها فهي التي تتكلم وتحاور المسلحين وتصرخ بهم لردعهم وينصاعون، كما شاهدنا وسمعنا كلنا عن حوادث من هذا النوع. أصبحت المرأة اللبنانية من أكثر المفاوضين حنكة، ومن أكثر القادرين على معالجة الصراعات سلمياً، كما ظهر ذلك في انتفاضة 2019.
لبنان السلام إذا ما أراده اللبنانيون فعلاً كما يعبرون عنه، وهو الآن يتطلب مفاوضات ومساومات واجتماع على خير الجميع بديلاً من تناحر الجميع، لا يمكن أن يصنع دون دور اساسي للنساء.
فلما لا رئاسة الوزراء؟ ولدينا نساء رائدات أعمال، لعبن أدوراً قيادياً في مؤسسات محلية دولية في أصعب الظروف، حائزات على شهادات عليا وفي اختصاصات علمية متنوعة. والأهم أنهن يعرفن السياسة اللبنانية بكل مساوئها وبالممارسة اليومية بدءاً من أسفل المجتمع الى أعلاه، ويتعاملن معها بجرأة دوماً، بالمفاوضة أحياناً، وبالتسوية حين يتوجب ذلك.
ان المرأة أقدر على لئم الجراح، والنظر بموضوعية الى الآم الآخرين من غير دينها ومشربها السياسي، لأنها أكثر حرية من السياسيين الرجال إزاء هذه الحساسيات.
لمن يقول أن المرأة لن تستطيع التعامل مع ألاعيب السياسيين، وتقليلهم من شأنها أو عدم احترامها، نجيبه أنظر حولك: زوجتك، أمك، بناتك، زميلاتك، صديقاتك ومعارفك، واجبنا بصدق وجرأة، هل ما تقوله صحيح؟