ازمة لبنانالاحدث
ما هي عواقب الإستسلام للعدو الصهيونيّ والإستجابة لجميع شروطه في لبنان؟ | بقلم د. رنا منصور
عندما يستسلم الخصم أمام عدوّه في القتال، مصيره يمكن أن يتحدّد بناءً على عوامل عديدة، بما في ذلك القوانين والأعراف العسكريّة، والسياسات المتّبعة من قِبل القوة المنتصرة، والسياق التاريخيّ والثقافيّ. أعرض في هذا السياق بعض السيناريوهات المحتملة:
1. الأسر: غالبًا ما يتمّ أسر الجنود الذين يستسلمون. ويتمّ معاملتهم كأسرى حرب وفقاً للقوانين الدوليّة مثل اتفاقيات جنيف، التي توفّر لهم حقوقاً محدّدة تتعلّق بالمعاملة الإنسانيّة، والرعاية الطبيّة، والحماية من التعذيب.
2. القتل: في بعض الحالات، خاصة إذا لم تُحترم القوانين الدوليّة أو في حالات الحروب الأهليّة والنزاعات التي تفتقر إلى الضوابط، قد يُقتل الجنود المستسلمون. وهذا العمل يُعتبر جريمة حرب.
3. الإفراج: في بعض الأوضاع، يمكن أن يتم الإفراج عن المستسلمين، خاصة إذا كانت هناك مفاوضات سلام جارية أو إذا تمّ الإتفاق على هدنة.
4. التجنيد أو العمل القسريّ: في بعض الحروب التاريخيّة، تم إجبار الأسرى على الإنضمام إلى جيوش العدو أو الإلتحاق بمعسكرات العمل.
5. المعاملة السيئة: رغم أنّ القوانين الدوليّة تحظّر المعاملة السيئة لأسرى الحرب، إلّا أنّ هناك حالات عديدة في التاريخ تمّ فيها انتهاك هذه القوانين، ممّا أدى إلى تعرّض الأسرى للتعذيب أو المعاملة القاسية.
كل هذه السيناريوهات تعتمد على الوضع المحدّد والسياسات المتّبعة من قِبل الأطراف المتحاربة.
بالطبع، هنالك العديد من الأمثلة التاريخيّة التي توضح مختلف المصائر التي قد يواجهها الجنود الذين يستسلمون، أذكر منها:
1. الأسر ومعاملة أسرى الحرب
– الحرب العالميّة الثانية: هنالك العديد من الجنود الأسرى، وخاصة من الحلفاء والمحور، تم أسرهم ومعاملتهم كأسرى حرب. مثلاً، تم احتجاز الجنود الأمريكيّين والبريطانيّين في معسكرات أسرى الحرب الألمانيّة، بينما تم احتجاز الجنود الألمان واليابانيّين في معسكرات الحلفاء. واتفاقيات جنيف كانت المرجع القانوني لمعظم هذه الحالات.
– الحرب الكوريّة: كان هنالك وقتها أسرى الحرب من كلا الجانبَيْن (الأمم المتّحدة بقيادة الولايات المتّحدة وكوريا الشماليّة والصين) واجهوا ظروفاً صعبة، لكن تم تبادل الأسرى بعد انتهاء الحرب عام 1953 وفقاً لاتفاقيّة الهدنة.
2. القتل
– مذبحة بادربورن: في الأيام الأخيرة من الحرب العالميّة الثانية، قُتل الجنود الأمريكيّون الذين استسلموا للقوات الألمانيّة في أوروبا.
– الحرب الأهلية في رواندا (1994): شهدت جرائم قتل جماعيّ ضد الجنود والمقاتلين الذين استسلموا من كلا الجانبَيْن.
3. التبادل:
الحرب الفيتناميّة: تمّ الإفراج عن بعض الجنود الأمريكيّين الذين تمّ أسرهم من قِبل القوات الفيتناميّة الشماليّة بعد مفاوضات السلام بين الولايات المتّحدة وفيتنام الشماليّة.
4. المعاملة السيئة
حرب البلقان (1992-1995): شهدت معسكرات الإعتقال في البوسنة معاملة سيئة للأسرى، حيث تعرّضوا للتعذيب والمعاملة القاسية.
إنّ هذه الأمثلة تُظهر التنوّع في مصائر الجنود الذين يستسلمون في مختلف النزاعات التاريخيّة.
أمّا عن الأراضي التي يستسلم أصحابها خلال النزاعات المسلّحة فيعتمد مصيرها على عوامل عديدة منها القوانين الدوليّة، والإتفاقيّات بين الأطراف المتحاربة، والوضع السياسيّ بعد النزاع. ومن هذا المنطلق، أورِد إليكم بعض السيناريوهات التاريخيّة لمصير أراضي المستسلمين:
1. الضم والإحتلال:
– الحرب العالمية الثانية: بعد استسلام فرنسا في العام 1940، تمّ تقسيم أراضيها بين الإحتلال الألمانيّ والإدارة الفرنسيّة التابعة لألمانيا (حكومة فيشي). فالأراضي التي تمّ احتلالها من قبل ألمانيا ضُمت تحت السيطرة النازيّة حتى تحريرها من قبل قوات الحلفاء.
– ضم التبت من قبل الصين (1951): بعد استسلام القوات التبتيّة، تم ضمّ التبت إلى جمهورية الصين الشعبيّة، وأصبحت منطقة ذات حكم ذاتيّ تحت السيطرة الصينيّة.
2. الإدارة العسكرية
– الحرب العالميّة الثانية: بعد استسلام اليابان في العام 1945، وُضعت الأراضي اليابانيّة تحت إدارة عسكريّة من قِبل الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة، حتى تم إبرام معاهدة السلام في العام 1951، والتي أعادت سيادة اليابان.
– إحتلال العراق (2003): بعد استسلام النظام العراقيّ بقيادة صدام حسين، وُضعت الأراضي العراقيّة تحت إدارة مؤقتة من قِبل التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة، إلى أن تمّ تأسيس حكومة عراقيّة جديدة.
3. إعادة التوزيع أو التبادل:
– الحرب الكوريّة (1950-1953): بعد انتهاء الحرب الكوريّة، تمّ إعادة توزيع الأراضي وفقاً لخط الهدنة الذي حدّد الحدود بين كوريا الشماليّة وكوريا الجنوبيّة، إنّما لم يتم ضم أو إحتلال دائم، بل تمّ إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين الدولتَيْن.
– حرب الإستقلال الهندية (1947): بعد استسلام القوات البريطانيّة ورحيلها، تمّ تقسيم أراضي الهند البريطانيّة إلى دولتَيْن مستقلّتَيْن: الهند وباكستان، بناءً على أسس دينيّة وإثنيّة.
توضح هذه الأمثلة كيف يمكن أن تتغيّر مصائر الأراضي بعد استسلام أصحابها بناءً على السياقَيْن السياسيّ والعسكريّ والقوانين الدوليّة.
وعليه، فكلّ من يطالب بنزع سلاح المقاومة الإسلاميّة في لبنان، خصوصاً في هذه الأيام، لا يعي أنّه يودي بحياة أكثر من مليون لبنانيّ ويرمي مجاهديهم للتهلكةَ، وأراضيهم للإحتلال والتهويد، ولا يكترث طبعاً لأنّه لا يقطن في مواقع حدوديّة مع إسرائيل، ولا تُلاحقه لا المسيّرات ولا المقاتلات الحربيّة لاغتياله هو وأفراد عائلته، فيكثر التنظير، والبيع والشراء بدماء الغير، وحدّث ولا حرج.
وأخيراً، كل الأمل أن يوعي هذا المقال الضمائر الميّتة لدى الأخوان في الوطن، فيشعروا بآلام الغير ويخشون على مصائره كما لو كانوا أشقاء من ذات الأرحام.