مرحبا بأصحاب السعادة العائدون: لا تختصروا لبنان بحكامه | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مَرحبًا بعودَةِ السُّفراء الخليجيين العَربِ إلى رُبوعِ بلدِهِم الثاني “لبنان”، هذا البلدِ المِسكين المَسلوبِ القرار. يا مَرحبًا بكم بين أهليكُم، والشَّعبِ المقهور أكثر المهللين لعَودتِكُم، أهلًا بكم بعد غِيابٍ مُربك، جاء تعبيرًا عن مَوقِفٍ واضِحٍ رافِضٍ لكُلِّ أدبيَّاتِ التَّطاولِ والتَّخوين والتَّهجُّمِ والتَّجريحِ ونُكرانِ الجَميل.
أصحابُ السَّعادَةِ لم يُغادروا لبنان إلاَّ بعد أن تَبدَّىَّ لهُم أن لبنان الذي عَرفوه قد تبدَّلت أوضاعُه، وأضحى سَليبَ الإرادَة، فاقِدًا للسِّيادة، قرارُهُ مَمسوكٌ من جهةٍ مُتفرِّدةٍ مُستفرِدَة، غادَروا بعد أن تَحقَّقوا أن السُّلُطاتِ الرَّسمِيَّةِ اللبنانِيَّةِ مُغيَّبَةٌ عن مَسؤوليَّاتِها، ومُغيِّبَةً ذاتها عمَّا يحصلُ في بلدِها، وغيرِ مُدرِكَةٍ لكُلِّ ما يُقرَّرُ باسمِها أو عنها.
غادر السُّفراءُ لبنان رَفضًا لكُلِّ أدبيَّاتِ السِّياسَةِ الخارِجِيَّةِ اللبنانِيَّةِ الهابِطَةِ والخارِجَةِ عن اللَّياقاتِ الدُّبلوماسِيَّةِ المَعمولِ بها، غادَروا وتَغيَّبوا إلى أن تَنبَّهَ المسؤولون اللبنانيون، وتَكشَّفَت لهُم انعكاساتُ الإمعانِ في التّدخُّلُ في شُؤونِ الدُّوَلِ الشَّقيقَةِ سَواءَ لِصالِحِ أنظِمَةٍ، أم إنقلابيين، والتَّعرُّضِ بغيرِ حَقٍّ لمَقاماتٍ عَرَبِيَّةٍ، لطالَما عُرِفَت بمواقِفها الدَّاعِمَةِ للُبنانَ في المِحَنِ والمَلَمَّات.
ها هم عادوا بعد غِيابٍ قَسري إرادي. قَسري لعَدَمِ جَوازِ السُّكوتِ عن التّطاولِ، وإرادِيٍّ لإيصالِ رِسالَةٍ تَنبيهِيَّةٍ واضِحَةٍ المَقصَدِ لمَن يَعنيَهُم الأَمر. عادوا ليؤكِّدوا أن علاقَةَ دُوَلِهم بلبنانَ راسِخَةٌ أزليَّةٌ ما بقي لبنان عَربيُّ التَّوجُّهِ والهَويَّة، وأن حِرصَهُم على شَعبِه المِسكين يَفوقُ كُلَّ الاعتِباراتِ الشَّخصِيَّة، وأنهم باقون على العهدِ، مُلتزمونَ بضمانِ وحدةِ لبنان وأمنِهِ واستِقرارِهِ ورَفاهِيَةِ شَعبِه.
عادوا ليفوتوا على المُتربِّصين بلبنان، والضَّامرينَ به شَرًَّا، والجاهِدين لتَخريبِ علاقتِهِ بأشقائه، والسَّاعين إلى سَلخِهِ عن مُحيطِهِ العَربي، خِدمَةً لأجُنداتٍ خارِجِيَّةٍ مَشبوهَةٍ لا تَخدُمُ سِوى مَشاريَعَ أعجَمِيَّةٍ تَفتيتِيَّةٍ فِئويَّة.
عادوا كعادتِهم ناشِطين مُنَشَّطينَ، مُسلَّطةٌ عليهم الأضواءُ لتَحرُّكاتِهم المِحوريَّة، مؤكِّدين على المؤكَّدِ، ومرسِّخين المُسلَّمات، واضِعين النُّقاطَ على الحُروف.
منوهينَ برُسوخِ علاقةِ دُوَلِهِم بلُبنانَ رُسوخَ الجِبالِ، وأن لبنانَ الصَّغيرَ بمَساحَتِهِ الجغرافيَّة فسيحٌ بانتشارِ أبنائهِ في بُلدانِ الاغتِراب، لبنانُ القليلُ من حيثُ عددِ السُّكانِ، عظيمٌ بتَنوُّعِهِ الثَّقافي، والفقيرُ بثرواتِه الطَّبيعيَّة غنيٌّ بطاقاتِه البَّشريَّة، وأنه رَغمَ كُلِّ المآخِذِ على المَسؤولين عن إدارَتِهِ سِياسِيًَّا لم يزل أنموذجا يُحتذى به في العَيشِ المُشتركِ وصورةً ناصِعَةً للتَّآلُفِ بين الأديانِ والمَذاهِبِ المُتنوِّعَة، وسَيبقى حاجَةً عَربيَّةً مَنشودَةً ومَرجُوَّة.
عادَ أصحابُ السَّعادَةِ فيا مَرحَبًا بِهِم، بصِفاتِهِم الشَّخصيَّةِ، كما بمَن يُمثِّلونَ من ملوكٍ وأُمَراءَ، ودُولٍ وشُعوب. الشَّعبُ اللبناني يُرحِّبُ بهم، فهم من دون أدنى شكٍّ بين أهلِهِم وأحبَّائهِم، وباسمِ الشَّعبِ اللبناني نقولُ يا مَرحَبًا بكُلِّ عَربيٍّ خليجيٍّ أبيٍّ، حَريص على لبنانَ ومُحِبٍّ لشَعبِهِ الطَّيبِ الوَفي، سَواءَ كانَ مجيؤه إلى لبنان بقَصدِ الإقامَةِ أو السِّياحَةِ أو طَلبًا للعِلمِ أو الاستِشفاءِ أو النَّقاهَة.
أصحابُ السَّعادةِ، اللبنانيونَ الأقحاحَ أصيلون لا يتنكرون لانتِمائهِم العربي، حَريصونَ على أشقائهم، وأوفياءَ لإخوانِهِم وأصدقائِهِم، ويَحفظونَ الجَميلَ لكُلِّ من وَقفَ مَعَهُم وإلى جانبِهِم، ولكلِّ من أعانَهُم على مِحَنِهِم. اللبنانيون مُتلهفونَ لعودةِ لبنان للحضنِ العربي بين سائرِ أشقائهم، وينتظرون بفارِغِ الصَّبرِ إعادةِ المياهِ إلى مَجاريها، وعودَةِ الزَّائرينَ العَربِ والخليجيين منهم إلى رُبوعِ لُبنان، والإقامَةِ فيه.
أصحابُ السَّعادَةِ إن الشَّعبَ اللبنانيَّ يرى في عَودتِكُم المَيمونَةِ مَغزى سِياسِيٍّ، يَحمِلُ رَسائلَ تَفاؤلِيَّة توحي بعَدَمِ تَفريطِ الأشقَّاءِ العَرَبِ بوِحدَةِ لبنانَ وأمنِهِ واستِقرارِه، وعَدَمِ المُوافَقَةِ على سَلخِهِ من نَسيجِهِ العَرَبي. كما يرونَ بهذه العَودَةِ بارِقَةَ أمَل، ويَشتمُّونَ فَرَجًا قَريبا لأزَماتِهِم السِّياسِيَّةِ والاقتِصادِيَّةِ والماليَّةِ والمَعيشِيَّة. لأنَّه يرى بعَودَتِكُم انتِصارًا للاعتِدالِ على التَّزمُّت، والانفِتاحِ على التَّعَنصُر، كما للحَقِّ على الباطِل، ولِكَلِمَةِ عَدلٍ على كُلِّ لُغاتِ التَّهديدِ والوَعيدِ والتَّخوين والشَّتائم.
أصحابُ السَّعادَةِ، قد يرى الحُكَّامُ بعَودَتِكُم فَرَجًا لهم وتَبييضًا لصحائفهم، وتَكريسًا لمواقِعِهم، أمَّا الشَّعبُ فجُلَّ مُرادُهُ مِنكُم أن تَستمِعوا إلى مُعاناتِه، وتفهُّمِ هواجِسِه، والإطلاعِ على مراميهِ وتَطلُّعاتِه، وألاَّ تختصروا لبنانَ بحُكَّامِه.