هل الخصخصة هي الحل الأمثل للنهوض بلبنان مجددًا؟ | كتب البروفسور بسام همدر
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مع بدء مشاورات الحكومة مع صندوق النقد الدولي لوضع خطط الاستفادة من تمويل الصندوق للنهوض بلبنان مجددا وانتشاله من الازمتين المالية والاقتصادية التي يرزح تحت أعبائها الثقيلة ، تبرز المتطلبات وأهمها خصخصة القطاعات ذات الطابع الإنتاجي مثل الكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت والطيران والريجي، فهل الخصخصة هي الحل الامثل؟
الخصخصة هي عملية نقل الملكية من القطاع العام إلى ملكية خاصة أو إلى القطاع الخاص، أو في بعض الأحيان نقل إدارة مرفأ عام من الدولة إلى القطاع الخاص. ان العملية المعاكسة للخصخصة هي التأميم أو سيطرة الدولة الكلية على القطاعات الاقتصادية والخدماتية للمجتمع. إن الخصخصة في هدفها العام هي تعزيز السوق الحرة وتبني سياسات المنافسة الرأسمالية التي ستنعكس ايجابا على المستهلك عن طريق خفض أسعار الخدمات وتعزيز الجودة والكفاءة والإنتاجية العالية التي ستؤدي إلى تنمية اقتصادية تعزز الوضع الاقتصادي العام في المجتمع”.
أما الانظمة الاشتراكية فإنها تنظر إلى الخصخصة نظرة سلبية على أساس إن القطاع الخاص يسعى دوماً إلى تعزيز الربح وتخفيض الكلفة العامة للإنتاج مما سيؤدي في النهاية إلى حرمان المستهلك من خدمات حيوية ويفقد الدولة السيطرة على قطاعات أساسية لحياة المواطن وخاصة الطبقة الفقيرة التي تتمتع بدخل متدن وبسيط. إن الخصخصة غدت منحى إقتصادياً مسيطراً في الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة وقسما كبيرا من الدول النامية مثل البحرين، الأردن، العراق، مصر، الكويت، الارجنتين، تشيلي، غانا، بوليفيا وغيرها. إن هذا المنحى الاقتصادي أصبح جزءًا من موجات العولمة والسياسات الليبرالية للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي. إلى أن بعد الاقتصاديين ينسب بزوغ نجم الخصخصة إلى سياسات رونالد ريغان “الرئيس الاميركي الأسبق” ومارغريت تاتشر “رئيسة الوزراء السابقة للمملكة المتحدة بريطانيا” التي نتج عنها العقد العالمي الجديد وسياسات الانفتاح الاقتصادي والسياسي والعولمة الفاحشة الغير منضبطة والتي أدت إلى كوارث في بعد دول العالم النامي.
أنواع الخصصة:
هناك ثلاثة أنواع رئيسة للخصخصة:
1-خصخصة عن طريق إصدار أسهم في سوق البورصة أو ما يعرف ب (SIP):
Share Issue Privatization. إن هذا النوع من الخصخصة يتم عبر إدراج أصول الدولة في سوق الأوراق المالية (البورصة) المحلية عبر بيع أسهم هذه الأصول للمواطنين.
2-الخصخصة بواسطة البيع الكلي لقطاعات الدولة أو بيع مؤسسة عامة أو شركة عامة للمستثمرين في المزاد العلني وهذا ما يعرف ب:” Asset Sale Privatization (ASP)”. إن هذا النوع من الخصخصة يُفقِد الدولة والمواطنين ملكية مرفأ عام وهو غير محبب، وقد يكون له تداعيات سياسية واجتماعية لا تُحمد عقباها.
3-الخصخصة عن طريق توزيع أسهم لعامة الشعب وإما بأسعار زهيدة جداً أو مجاناً وهذا ما يعرف ب:” Voucher Privatization” (VP). إن هذا النوع من الخصخصة هو الأفضل من ناحية العدالة الاجتماعية ولكنه قد لا يخلق مردودا ماليا كافٍيا للدولة الذي من أجله تتم عملية الخصخصة. مثال على ذلك تخصيص شركة الكهرباء يتم هنا بإصدار أسهم لكل الشعب اللبناني إما مجاناً أو بأسعار زهيدة جداً وهذا ما يؤدي إلى قبول الشعب بعمليات خصخصة قطاع عام حيوي لحياة المواطنين. إن هذا نوع من الخصخصة قد طبق في دول أوروبا الشرقية سبقا وروسيا وكل الانظمة الاقتصادية التحولية لجمهوريات الاتحاد السوفياتي الأسبق.
أما الخصخصة عن طريق إصدار الأسهم(SIP) فهي الأكثر انتشارا وتطبيقاً لما لها من تأثير مباشر على الأسواق المالية والتنمية الاقتصادية المتكاملة للمجتمع. وهذا النوع من الخصخصة يتطلب أسواقا مالية متطورة وقوانين اقتصادية ومالية عصرية وحديثة واستقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد وهذا ما تفتقده معظم دول العالم النامي وخاصة لبنان، لذا تلجأ هذه الدول إلى الخصخصة عن طريق البيع الكلي لممتلكات الدولة أي (ASP) “.
الايجابيات والسلبيات
إن مؤيدي الخصخصة يستندون إلى عدم كفاءة الدولة في إدارة المرافئ العامة وإلى عدم إنتاجية القطاع العام برمته بشكل عام وإلى النقاط التالية بشكل خاص:
1-الاداء: تشير التجربة إلى أن الدولة لا تهتم بأداء أي مؤسسة عامة إلا عندما تصبح مشكلة الأداء مشكلة سياسية وحساسة.
2-التطوير: في معظم الاحيان تضع الدولة مشاريع تطوير مؤسسة عامة جانباً إن لم يكن هناك أي إجماع سياسي أو أي إتفاق سياسي حتى لو كانت عملية التطوير أساسية في رفع مستوى الخدمات التي تقدمها المؤسسة العامة.
3-الهدر والفساد: إن معظم طواقم المؤسسات العامة تختار من قبل فعاليات سياسية غير آبهة بالكفاءة والإخلاص مما قد يؤدي إلى الفساد والهدر والانتاجية المتدنية.
4-الأهداف: إن الدولة قد تدير مؤسسة عامة لأهداف إجتماعية وليست لأهداف الربح مما يضعف فعاليات إدارة هذه المؤسسة.
5-رأس المال: إن قدرة القطاع الخاص في الحصول على قروض وأموال في الاسواق المالية الحرة أكبر بكثير من قدرة القطاع العام لتطوير وتحديث وزيادة إنتاجية المؤسسة أو الشركة.
6-الشركات الفاشلة تستمر وتحيا رغم الخسارة الكبرى التي يتحملها المواطن عن طريق الضرائب في بعض الاحيان وذلك لأسباب سياسية أو إجتماعية عامة.
7-إن المؤسسات العامة في العالم النامي عرض لنفوذ الساسة مما ينعكس سلباً في معظم الأحيان على كفاءة وإنتاجية وفعالية هذه المؤسسات.
8-إن المؤسسة الخاصة التي تبغي الربح تفعل ذلك عن طريق إقناع مستهلكي سلعها شراء هذه السلع وتقديم خدمات حتى لفئات الأقليات التي ليس لها صوتاً فعالاً في الانظمة الديمقراطية طالما تستطيع أن تدفع لهذه الخدمات”.
مشكلة الاداء والاهداف المؤيدون والمعارضون
يشار عادة في تحليل أهمية الخصخصة والحاجة إلى خصخصة القطاع العام إلى مشكلة الأداء والأهداف وإلى مشكلة المؤسسات الخاسرة إقتصادياً ومالياً على أنها من أهم أسباب خصخصة القطاع العام الذي يبدد أموال المواطنين النادرة والشحيحة في دول العالم النامي، مما يؤدي ذلك إلى بطالة وركود إقتصادي ويخلق هزات سياسية وإجتماعية.
إن مؤيدي خصخصة القطاع العام يعتبرون تحرير أموال الأمة ورفع الكاهل الضريبي عن المواطن لا يتم إلا بإستلام شركة خاصة للقطاع العام حيث أن الدعم المالي من الدولة لهذه المؤسسات الخاسرة سيتحول إلى دعم برامج وسياسات إجتماعية تنهض بالمواطن وترفع مستوى المعيشة.
أما معارضو الخصخصة فيرفضون مزاعم أنصار الخصخصة ويؤكدون أن فشل إدارة القطاع العام سيؤدي في النهاية إلى خسارة الدولة للسلطة وهزيمتها في الانتخابات العامة. لذا يؤكد معارضو الخصخصة أن الدولة حريصة لإنجاح وتعزيز فعالية وإنتاجية المرافئ العامة مما سينهض بالمواطن ومستوى عيشه الكريم.
ويسجل معارضو الخصخصة النقاط التالية التي تجعل من عملية خصخصة القطاع العام عملية مرفوضة وغير مقبولة من عامة الشعب:
1-الربحية: إن الشركات الخاصة ليس لديها أي هدف سوى تعزيز فرص الربح عن طريق خفض كلفة الإنتاج وإن أدى ذلك إلى الإضرار بالعمل والمواطن عن طريق صرف بعض العمال أو وقف بعض الخدمات للمواطن. في الأنظمة الديمقراطية لكل إنسان صوت، ولكن في نظام سوق الناس تصوت بأموالها. إذا من لديه مالاً أكثر يحصل على أكثر الأصوات. وإن معارضي الخصخصة يؤكدوا أن معظم خدمات الشركات الخاصة هي لأولئك الذين لديهم قدرات مالية مما يجعل هذه الشركات في خدمة أقلية ذات قدرات مالية هائلة بينما السواد الأعظم من الناس يستطيع أن يحصل على خدمات هذه الشركات الخاصة.
2-الفساد: إن الشركات الخاصة لكي تحصل على مرفق عام تستعمل وسائل غير أخلاقية كالرشوة وغيرها وهذا ما حصل في روسيا على نطاق واسع حتى حصلت الشركات من قبل المواطنين.
3-عدم قدرة الشعب على محاسبة الشركات الخاصة:
للشركات الخاصة نظامها الخاص وقوانينها الخاصة. لذا ليس هنالك أي تأثير على هذه الشركات من قبل المواطنين.
4-غياب الكفاءة: إن النظرية الاقتصادية العامة للكفاءة تشير إلى قدرة المؤسسات المركزية على خفض الكلفة العامة للإنتاج مقارنة مع الشركات الخاصة التي قد تجزىء مرفقاً عاماً إلى عدة مرافق صغيرة مما يؤثر سلباً على الكفاءة والكلفة العامة لهذا المرفق.
5-خفض خدمات أساسية: إذا كانت الدولة تدير مرفقاً حيوياً كمؤسسة الماء مثلاً لتخدم كل المواطنين فإن الشركات الخاصة قد تقطع الماء أو توقف خدماتها لأولئك الفقراء من المواطنين الذين لا يستطيعون دفع رسوم واشتراكات المياه.
6-إنّ الخصخصة قد تؤدي إلى خلق شركة احتكارية أو ما يعرف ب”Natural Monopolies” وهذا ينفي نظرية أنصار الخصخصة الذين يشيرون إلى أن الخصخصة تؤدي إلى المنافسة وتنعكس إيجاباً على المواطنين.
7-إن الثروة المجمعة من ربح الشركات الخاصة التي تدير أو تمتلك المرافق العامة تنتهي في جيوب قلة من المواطنين أو المستثمرين وهذا ما يؤدي إلى توزيع غير عادل لثروات الأمة.
8-ليس كل شيء مبني على الربح: إن القطاع العام قد يقدم خدمات في بعض الأحيان لا لأي ربح أو عائد مالي انما بهدف خدمة الصالح العام، كبرامج ثقافية وتعليمية وبرامج توعية وتدريب مما يجعل المواطن إنسان صالح وهدف مخلص لوطنه ومواطنيه. بينما هذه الأهداف ليست من صلب عمل وثقافة الشركات الخاصة.
9 -إن معارضي عملية الخصخصة يشككون في قدرة الشركات الخاصة على إعطاء قيمة أو تقييم صحيح للقطاع العام، قطاع الشعب وحياة الناس. من له الحق بتقييم القطاع العام وكيف؟ هل للأجانب الحق بشراء المرافئ العامة؟ أي قطاعات يجب أن تخصخص وأي قطاعات لا يجب أن تخصخص؟ ما علاقة الخصخصة بالبطالة؟ هذه الأسئلة يطرحها معارضوا الخصخصة لتسليط الضوء على سلبيات الخصخصة وعدم قدرتها على رفع مستوى عيش المواطنين كما يدعي أنصار خصخصة القطاع العام.
تجربة بعض الدول بشأن خصخصة القطاع العام
إن الخصخصة تسبب في بعض الأحيان ثورة إجتماعية ويئس وركود إقتصادي كما حصل في بوليفيا سنة وفي البيرو في حزيران سنة 2002 وفي غانا والأورجواي في سنة 2004 وأدت الخصخصة إلى صرف عدد كبير من الموظفين في كل من الأرجنتين وغانا حيث بلغت نسبة المصروفين من العمل أكثر من 15% من مجمل القوى العاملة في كل من البلدين. وهذا بدوره أدى إلى افقار ملايين من المواطنين وإثراء عدد قليل من الناس في المقابل.
كما إن الخصخصة في غياب قوانين عصرية وشفافية عالية تحمي حقوق الناس ستؤدي إلى نقل ثروات القطاع العام إلى قلة قليلة من المواطنين وإلى مجموعة من الأجانب الذين لا يبتغون إلا الربح بعيداً عن مصلحة الناس العامة. وهذا ما حصل بالفعل في دول مثل روسيا والبرازيل والمكسيك. وحتى في دول رأسمالية مثل بريطانيا العظمى حيث أدت عمليات خصخصة سكك الحديد إلى ولادة شركة احتكارية أضرت بمصالح الناس وأدت إلى الآف الشكاوى والاعتراضات اليومية من قبل البريطانيين، عندها تدخلت الدولة واعادت ملكية هذه الشركة إلى الدولة بعدما فشلت في تقديم خدمات قيمة للمواطنين. وفي حزيران 2003 اوقفت بريطانيا شركة كونكس(CONNEX) الخاصة بعدما فشلت في تقديم خدمات جيدة للمواطنين وذلك بسبب مشاكلها المالية حسب تقدير مؤسسة النقل البريطانية الملكية (Royal Rail Authority).
أما عملية الخصخصة في دول مثل الارجنتين حيث باعت الدولة مرافئ عامة قيّمة كشركات الطاقة، فقد أدى هذا إلى افقار الملايين من الارجنتينيين وأدى إلى خفض مستوى التقديمات الاجتماعية من قبل الدولة التي اضاعت موارد مالية مهمة في عملية الإنفاق الإجتماعي. وفي بوليفيا أدت عملية الخصخصة في منتصف التسعينات إلى مشاكل اقتصادية مدمرة التي جعلت بوليفيا تحتاج إلى عدة سنوات للخروج من المفاعيل السلبية لعملية الخصخصة”.
“يقول جوزيف ستيغليتز”Jospeh Stiglitz” الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد:
في سنة 1998 ذهبت إلى قرى محرومة في دولة المغرب لكي أرى تأثير مشاريع البنك الدولي ومنظمات غير حكومية على حياة الأهالي، فرأيت، مثلاً، خططاً للري وضعتها الهيئات المحلية وزادت الإنتاجية الزراعية بقدر كبير. لكن واحداً من هذه المشاريع قد أخفق. كانت منظمة حكومية قد عملت كثيراً لأجل تعليم القرويات كيفية تربية الطيور الداجنة، بحيث كان بإمكانهن القيام بذلك إلى جانب الاستمرار في القيام بأعمالهن التقليدية. وكانت تلك النساء يتلقين الفراخ التي عمرها سبعة أيام من مؤسسة تخص الدولة. ولكن حين قمت بزيارتي كان هذا النشاط قد توقف تماما. فتحدثت مع القرويين ومع السلطات لمعرفة أسباب ذلك، وجاء الجواب بسيطاً. فقد أبلغ صندوق النقد الدولي الحكومة بأن ليس على الدولة أن توزع فراخاً. فتوقفت هذه عن بيع الفراخ. وكان الصندوق قد طرح أن القطاع الخاص سيقوم بهذا العمل فورا. وبالفعل، عرضت مؤسسة خاصة على القرويات أن تزودهن بفراخ وليدة. ولكن، بما أن نسبة موت الفراخ في الأسبوعين الأولين كانت عالية، لم تشأ تلك المؤسسة أن تعطي أي ضمانة ولم يكن بإمكان القرويات أن يشترين فراخا سيموت الكثير منها، فقد توقف هذا النشاط الجديد الذي كان يراد له إن يحصن معيشة أولئك الفلاحين الفقراء.
إن هذا السرد يؤكد حقيقة وهي أن إلغاء المؤسسة الحكومية قد يخلق فراغا عظيما حتى ولو دخل القطاع الخاص الحلبة في آخر الأمر، فستكون قد ترتب على هذا القرار، في هذه الأثناء، آلام رهيبة. وهذا ما قد حدث في شاطئ العاج قبل وضع تنظيم مناسب وإطار قانوني يؤمن المنافسة، قامت شركة فرنسية بإقناع حكومة البلد بأن تعطيها ليس فقط احتكار الشبكة الموجودة بل احتكار قطاع الهاتف الخلوي الجديد. وقامت هذه الشركة الخاصة بزيادة التعريفات إلى حد جعل طلبة التعليم العالي مثلا، غير قادرين على الاتصال بالإنترنت، الذي هو أمر ضروري إذا شئنا للحيلولة دون ازدياد عمق الهوة في الوصول إلى العالم الرقمي بين الأغنياء والفقراء.
حتى البنك الدولي الداعم لعمليات اللامركزية والخصخصة بدأ يتحفظ على بعض عمليات الخصخصة في الدول النامية خاصة تلك التي تؤدي إلى افقار الناس وإلى نتائج اقتصادية سلبية مما يضعف النمو الاقتصادي.
هذا العرض من الخصخصة يبين أهمية أن تقوم الخصخصة في بيئة شفافة وفي ظل قوانين حديثة وعصرية ونظام السوق الحر المتطور كما في أوروبا حيث أن تخصيص قطاع الاتصالات أدى إلى منافسة اقتصادية وخدمات أفضل للناس ونجاح هذا القطاع بشكل ممتاز. لذا ليس هنالك من جواب واحد أو رأي واحد لعملية الخصخصة. ولكن هناك إجماع عام عند معظم اقتصاديي وساسة العالم النامي على أن عملية الخصخصة يجب ألا تشمل قطاعات أساسية وحيوية لحياة الناس، مثل الماء والكهرباء والصحة والتعليم لأن هذه القطاعات هي من الأهمية بمكان ألا تترك في أيدي قلة من المستثمرين.
الخصخصة لوحدها لم تعد كافية لخلق فوائد اقتصادية في الدول النامية. إن شروط نجاح الخصخصة يعتمد على وجود بنية تحتية قانونية لجذب المستثمرين ولا تضر بالمواطنين. فعلى سبيل المثال، إن خصخصة أي قطاع حيوي يتصل بحياة الناس اليومية يحبب أن يرفد بباقة من القوانين التي تحمي المواطن وتحدد سقفا معقولا من الربح للمستثمرين بل ويجب أيضا أن يشترط على المستثمرين توفير الخدمة في المناطق النائية التي قد لا تكون مغرية للاستثمار بشكلٍ عام”.
وتبلغ الخصخصة في العالم اليوم أكثر من 2 ترليون دولار أميركي، إنّ القسم الأكبر من الخصخصة البالغ أكثر من 50% هو في أوروبا، وحوالي 25% في أسيا، أمّا في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا أي منطقة (ال MENA) فهو الأقل حيث بلغت النسبة حوالي 12% من النسبة العامة للخصخصة في العالم.
في الختام لا بد من تقديم بديل عن عملية الخصخصة لنضع المسؤولين وأصحاب القرار بين خيار أخر ربما يناسب الدول النامية أكثر دون ضياع ملكية المرافق العامة وهذا الخيار يعرف بال “Corporatization” وهو شكل من أشكال التصحيح الاقتصادي ويتمثل بإزاحة السيطرة المباشرة للدولة ويعطي السيطرة لشركات حكومية مساهمة. إن تحويل إدارة الدولة إلى شركات، أي إضفاء الطابع المؤسسي على إدارة الدولة وهو ما يُعرف بخصخصة الإدارة أي Corporatization ، غالباً ما يكون في قطاع المياه، الكهرباء، وفي بعض الدول في قطاع الاستشفاء. وهذا ما يجعل من مؤسسات الدولة كيانات تشبه القطاع الخاص من حيث الكفاءة والإنتاجية. إنّ معظم الدول التي اعتمدت ال corporatization كحل لإدارة الدولة حققت نتائج أفضل من خصخصة قطاعات الدولة ونقل ملكيتها إلى القطاع الخاص. ونذكر من هذه الدول أميركا، أوروبا، الصين، الهند، وبعض الدول النامية كبنغلادش، بوتسوانا، ماليزيا، وجنوب أفريقيا.