هل يمكن استعادة أموال المودعين؟ | بقلم بشارة مرهج
هذا العنوان يشكل تحدّياً كبيراً لكلّ الوطنيين والديمقراطيين والمخلصين في هذا البلد المنهوب من الجماعة نفسها التي يفترض بها أن تحميه وتدير شؤونه بإخلاص وفاقاً للدستور والقانون اللذين يضعان الملكية الفردية في أعلى المراتب.
لكن هذه الطغمة التي تمرّست في سلب المواطنين حقوقهم وسرقة أموال وممتلكات الدولة لا تزال حتى اليوم ترفض الاعتراف بحقوق المودعين بصورة رسمية وحاسمة، وتعمل بدلاً من ذلك على التنصّل من المسؤولية وإنكار الوقائع وإطلاق الوعود الكاذبة والتمادي في عملية النصب والاحتيال التي تخطّت الحدود اللبنانية ولوّثت سمعة لبنان المصرفية والمالية في مختلف بلدان العالم – التي هبّ بعضها وخاصة في أوروبا لفتح التحقيقات وإجراء الاستجوابات وتدوين الخلاصات وتسطير مذكرات الجلب وتعميم بطاقات الإنتربول الحمراء التي طاولت رؤوساً كبيرة وفي مقدمها الحاكم السابق للبنك المركزي، الذي لعب دوراً كبيراً مع سواه من أصحاب المصارف وأركان السلطة في إضعاف الاقتصاد الوطني وامتصاص خيراته قبل الانهيار وبعده.
وقد حدث ذلك من خلال عملية دمج المصارف ورفع سعر الفوائد، وبدعة الهندسات المالية، ومنح القروض المشبوهة، وتوزيع الهبات للمحاسيب والأنصار، فضلاً عن عملية الدعم التي تلت الانهيار والتي استفاد منها بالمليارات تجار كبار وأصحاب نفوذ أسماؤهم جميعاً مدوّنة في سجلات البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وذاكرة الرأي العام.
إلى ذلك لا يمكن أن نتغاضى عن منصة صيرفة التي استغلها أصحاب السلطة والنفوذ مع الحاكم السابق وبطانته حيث حققوا من خلالها أرباحاً غير مشروعة تتجاوز مئات ملايين الدولارات، وكلها من أموال المودعين التي صودرت خلافاً للقانون والأخلاق ومنطق الدولة. ويمكن تقسيم هؤلاء الى فئات ثلاث: أولاً، أصحاب المصارف والمساهمين الأساسيين والمدراء الكبار. ثانياً، البنك المركزي بشخص الحاكم ومجموعاته المنتشرة في لبنان وأوروبا وخلف الجدران. ثالثاً، الفئات السياسية الحاكمة التي لها حصتها في كل عرس أو بالأحرى في كلّ مأتم تكون الطبقات الشعبية فيه هي الضحية.
غير أنّ أفظع ما فعله هؤلاء إلى جانب نهب المال العام ونهب أموال المودعين هو تعطيل القضاء بالتدخل المباشر وغير المباشر في شؤونه لتعطيله ومنعه من القيام بواجباته في ملاحقتهم واسترجاع الأموال الطائلة التي استولوا عليها بحكم نفوذهم وجشعهم وموقعهم في أوكار السلطة الباغية.
إنّ استرداد أموال الدولة وأموال المودعين مثلما هي مهمة الحكومة المنحازة إلى أصحاب الرساميل، هي مهمة القضاء الأولى، هذا القضاء الذي لا يزال على مسافة كبيرة من أداء واجبه في هذا المجال لانشغاله بنفسه وعدم تطبيقه مبدأ استقلالية القضاء، علماً بأنّ هذا المبدأ يجب أن يكون رائدنا جميعاً والهدف الأول للجسم القضائي مهما كلّف الأمر من مواجهات مع السلطة الغاشمة التي تريد القضاء أداة طيعة بين يديها في حين وجد القضاء لإقرار العدالة – أسمى رسالة في المجتمع.
وكم يحزّ في النفس أن يدعو أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي كما في اللوكسمبورغ السلطات اللبنانية الى استخلاص واستعادة الأموال المحتجزة لديهم والتي سبق أن سلبها الحاكم السابق وجماعته وآخرون من الخزينة العامة كما من ودائع الناس.
وهنا نسأل لماذا هذا التقاعس من السلطة السياسية، كما من القضاء لاستعادة ما يوازي ملياراً ونصف المليار دولار كخطوة أولية في وقت يفتش فيه مجلس الوزراء عن بضعة ملايين من الدولارات لتأسيس صندوق للمودعين يكون خطوة أولى على طريق شاق وطويل؟
أما مشروع إعادة هيكلة المصارف الذي تتحدث عنه أوساط مالية ورسمية فهو لم يطرح إلا بعد مرور أربع سنوات على الانهيار، مما يدلّ على إهمال الحكومة وعدم اكتراثها بحقوق المودعين طيلة المدة الماضية. وقبل أن يطرح هذا المشروع بشكل نظامي على طاولة الحكومة بدأ التنصل منه والتشكيك في مراميه من قبل أطراف عديدة داخل السلطة وخارجها. وكأنّ المشروع، كغيره من المشاريع الإصلاحية المطلوبة، يطرح للجدل والمماطلة وليس للدرس والإقرار باتجاه إنصاف المودعين وإحياء القطاع المصرفي الذي يتمادى اليوم في إيذاء المواطنين ومصادرة أموالهم بأشكال مختلفة غير مكتفٍ بالأرباح الطائلة التي انتزعها سابقاً بالتزوير والخداع من جيوب المودعين.
باختصار لا نرى اهتماماً من أصحاب الشأن بإعادة الأموال الى المودعين إذ لا يُرجى خيراً ممن راعى المستغلين وأصحاب الملايين في الرسوم والضرائب مقابل فرضها بعنف وقسوة على الطبقات الشعبيّة والمحدودة الدخل.
ولا يُرجى خيراً ممن طبع الليرة اللبنانية بكميات وفيرة ومثيرة لمفاقمة التضخم وتذويب أموال المودعين وتصفير ديون الدولة.
أما قصة الـ 150 دولاراً التي يتباهون بها لذرّ الرماد في عيون المودعين فهي عار على البنك المركزي، كما الحكومة كما المصارف، والثلاثة شركاء في سلب أموال المواطن وقهره.
بعد كلّ التجارب والمعارك التي شهدتها البلاد يمكن القول بثقة: إن لا استعادة للودائع ولا استرجاع للأموال المنهوبة إلا بمضاعفة النضال في الشارع (مثلما فعل العسكريون المتقاعدون) كما في المنتديات المحلية والخارجية وأجهزة الإعلام لمحاصرة هذه السلطة الباغية وإلزامها الاعتراف بحقوق المودعين والإقرار بوجع الأطفال والمرضى والمسنين.