يكفي ارتكاب الخطايا بحق البلد وناسه… | بقلم أحمد بهجة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لم يعُد جائزًا على الإطلاق السكوت على الأخطاء والخطايا التي ارتكبها ويرتكبها أولئك الذين يُفترض أنهم مسؤولون عن إيجاد المعالجات اللازمة والمناسبة لما يعانيه لبنان واللبنانيون في هذه المرحلة الصعبة جدًا.
هؤلاء المسؤولون المعنيون لم يتخذوا أيّ قرار جدّي من أجل الناس منذ بدء الأزمة، وذلك لوقف الانهيار الحاصل على كلّ المستويات من دون استثناء، حيث فقدان أو غلاء الرغيف والغذاء والدواء والاستشفاء والكهرباء والمياه والمحروقات والاتصالات…
ثلاث سنوات بالتمام والكمال مرّت على بدء ظهور علامات الانهيار الكبير، حيث بدأت المصارف تتعثر منذ شهر آب 2019، وبعضها صار يعجز عن تلبية حاجات زبائنه الذين يطلبون سحب مبالغ نقدية بالدولار الأميركي من حساباتهم، أو مقابل شيكات حصلوا عليها من مودعين آخرين لدى تلك المصارف.
وحين أتى يوم 17 تشرين الأول 2019 استغلت المصارف الفرصة لكي تقفل أبوابها، طبعًا بمعرفة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يدير القطاع المصرفي كله بشقيه الرسمي والخاص، ولا يقطع أصحاب المصارف الخاصة خيط القطن إلا بعلمه وموافقته…
ومع ذلك الإقفال الذي استمرّ مدة أسبوعين حصل أمران اثنان… الأول انكشاف الأزمة المالية الكبيرة في البلد والتي لم يعُد ممكنًا إخفاؤها، بعدما كانت لعدة سنوات تتفاعل بعيدًا عن الأضواء، بسبب التعمية المقصودة وأحيانًا المدفوعة الأجر… والأمر الثاني هو حصول عمليات جرمية لا أخلاقية تمثلت بتهريب وتحويل مليارات الدولارات إلى الخارج من قبل أصحاب المصارف وأصحابهم من السياسيين ورجال الدين والإعلاميين والمحظيّين…
منذ ذلك الحين لم يرَ اللبنانيون أيّ قرار أو إنجاز صغير على طريق إيجاد الحلول للأزمة التي صارت كارثة وطالت الجميع ولم تستثنِ الميسورين الذين يعملون بأخلاقهم الحسنة ويخافون على سمعتهم ولا يخالفون القوانين كما فعلت وتفعل تلك القلة القليلة من أصحاب الأموال الذين شوّهوا ويشوّهون القطاع الخاص بسيّئاتهم وارتكاباتهم وأطماعهم…
وضع الرئيس البروفسور حسان دياب بعض الأسس للحلول الممكنة وعمِل مع عدد من الوزراء في حكومته على تحقيق بعض الإنجازات وإعطاء مؤشرات ودلائل على إمكانية تنفيذ سياسات علاجية، لا سيما من خلال خطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرّتها الحكومة في 30 نيسان 2020، أيّ بعد أقلّ من تسعين يومًا على نيلها ثقة المجلس النيابي في 11 شباط 2020.
يعلم الجميع حجم العراقيل التي وُضعت أمام خطة التعافي من قبل مجموعة من المتضرّرين الذين بينهم سياسيون من مختلف الاتجاهات وطبعًا معهم القطاع المصرفي برعاية “الحاكم” نفسه… لكن الرئيس دياب استمرّ على إصراره وسعيه لتحقيق ما يمكن تحقيقه من خطته التي يمكن تطويرها خلال التنفيذ، خاصة مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي أعلن المفاوضون باسمه موافقتهم على الخطة.
وكان واضحًا أنّ هناك قوى داخلية تتناغم مع الخارج الذي يفرض على لبنان حصارًا يريده أن يكون خانقًا لكي يأخذ ما يريده من تنازلات وموافقات على قضايا تمسّ في الصميم مصالح لبنان العليا وعلاقاته المميّزة في المحيط العربي وفي الإقليم الشرق أوسطي، وتحديدًا في ما يتعلق بموقع لبنان في الصراع مع العدو “الإسرائيلي”، ولذلك جرى حرف “ثورة” 17 تشرين الأول عن مسارها المفترض أن يكون ضدّ الفساد والفاسدين فإذا بتلك “الثورة” تتموضَع سياسيًا حتى لا نقول إنها وُجدت لتكون في خانة الذين يحاصرون لبنان واللبنانيين!
في هذه الأجواء حصلت كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وبعدها بأيام قليلة استقال الرئيس دياب ومعه حكومته التي بقيت تصرّف الأعمال لأكثر من سنة، إلى أن تشكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 10 أيلول 2021…
الواضح أنّ الرئيس ميقاتي ليس بعيدًا أبدًا عن الخارج الذي يُحاصر لبنان، والأدلة على ذلك كثيرة جدًا وآخرها عدم الموافقة الفعلية حتى الآن على الهبة الإيرانية المتعلقة بتزويد لبنان مجانًا بما يحتاجه من فيول لتشغيل معامل الكهرباء، وهي الهبة التي تلقفها وزير الطاقة الدكتور وليد فياض ووافق عليها رغم كلّ الضغوط وجهّز نفسه للسفر إلى طهران لإتمام التفاصيل التقنية اللازمة لكي يبدأ الفيول الإيراني بالتدفق إلى لبنان وما يعنيه ذلك من إراحة لعموم المواطنين التواقين لساعة إضافية من الكهرباء فكيف إذا كانت الهبة الإيرانية توفر لهم أكثر من 12 ساعة تغذية يوميًا…
كذلك لا يجوز إغفال ما قام به ميقاتي في الأيام الماضية لجهة عرقلة مهمة وزير شؤون المهجرين الدكتور عصام شرف الدين الذي زار سورية وحقق خطوات متقدّمة على صعيد التعاون بين الدولتين لبدء إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم… وفي هذا الأمر مخالفة كبيرة جدًا لما يريده الخارج يُنفذ ميقاتي تعليماته.
وها هو رئيس حكومة تصريف الأعمال يدخل إلى ميدان حاكم مصرف لبنان وينافسه في ابتداع أسعار صرف متعددة للدولار، إذ ابتكر قصة “الدولار الجمركي”، الذي يمكن تسميته “دولار ميقاتي”، ويريد أن يكون سعره عشرين ألف ليرة! هكذا بلا مقدمات ولا دراسات للأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي سيتركه قرار عشوائي كهذا على الناس جميعًا وعلى البلد بأسره…
الحجة هي ضرورة تعزيز واردات الخزينة العامة من أجل تمويل الزيادات المطلوبة لموظفي القطاع العام… هذا يجب أن يحصل بالطبع، ولكن ما لا يجب حصوله هو أن تعطي الحكومة الزيادة اليوم لتعود وتأخذها غدًا من جيوب المواطنين أنفسهم بشكل لا يلغي فقط مفاعيل الزيادة بل يزيد الأزمة ويراكم المشاكل ويعقّدها أكثر فأكثر…
أما عن زيادة مداخيل الخزينة العامة فهناك وسائل عديدة لذلك ليس أقلها تحصيل الرسوم المفروضة على الأملاك البحرية، واستعادة الأموال المنهوبة في قطاع الاتصالات والتي تصل إلى ستة مليارات دولار وفق تقرير ديوان المحاسبة، وغير ذلك من مصادر تشكل مزاريب ذهب للخزينة بعيدًا عن جيوب الفقراء الذين بالكاد يحصلون على خبزهم كفاف يومهم.
ولنا في ما ينجزه وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية خير دليل على أنّ الدولة قادرة ولديها أبواب كثيرة جدًا لتحصيل مداخيل إضافية للخزينة، ومثال على ذلك طريقة احتساب سعر صرف الدولار بالنسبة لشركات الطيران الأجنبية التي تستخدم مطار بيروت الدولي، حيث أنّ الشركات تتقاضى ثمن تذاكر السفر من ركاب طائراتها بالدولار، وعليها أن تدفع الرسوم المتوجبة بالدولار أيضًا، وليس على سعر 1500 ليرة لبنانيةّ!
هنا يمكن رفع سعر الصرف يا دولة الرئيس، حيث ازدادت مداخيل الخزينة العامة حوالى 700 ألف دولار يوميًا، فاتركوا الناس لهمومها ومشاكلها وبادروا إلى تشكيل حكومة جديدة يكون كلّ أعضائها على مثال الوزراء حمية وفياض وبيرم وشرف الدين والحاج حسن، وبذلك يطمئنّ الناس إلى أنّ الحلول الجدية والعملية آتية…