إنقاذ الوطن بحاجةٍ لثورةٍ متماسكةٍ لا انتفاضاتٍ مُشتَّتة | بقلم العميد الدكتور عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
أيُّها اللبنانيون السَّاكتون على الضَّيمِ، لبناننا في خَطَر، نظامُهُ السِّياسي يترنَّحُ، واقتصادُهُ ينهار، وقطاعُهُ المالِيُّ يَحتضر، وعِملتُهُ الوطنيَّةُ تتآكل قيمتُها الشِّرائيَّة يوماً بعد يوم. إنه فعلاً لخَطرٍ كياني، يُهدِّدُ الوجودَ والمَصير.
لبناننا اليوم أسيرُ سياساتٍ مَصالِحيَّة فئويَّةٍ مُتعارِضةٌ، جَعلتهُ منقوصَ السِّيادَةِ، ومَسلوبَ الإرادة، وفي عُزلَةٍ دَولِيَّة، ومُهمَّشاً عَربيَّا. لبنان فعلاً بأمس الحاجَةِ لعِنايَةِ فائقَةٍ مُركَّزَة، تُنقِذذهُ من المَصيرِ الجَهنَّميِّ الذي أضحى ماثلاً أمام أعيننا.
لبنانُنا اليوم تتقاذفُهُ مُماحَكاتٍ سِياسِيَّة رَخيصَة، ومُناكَفاتِ صبيَانيّةٍ تُستساغُ فيها مُراهَنَاتٌ خاسرةٌ على حِساب الوطن، وتُستهوى لُعبَةَ عَضِّ الأصابَعِ، ولكن الذي يُعاني من شدَّةِ آلامها هو الشَّعب الذي يضغطون على أنامله، ويَستَحكموا بمَصيرِه، وها هو اليوم بين خيارين لا ثالثَ لهُما، إما الهِجرَةَ قسراً، وإمَّا الموتُ جوعا.
لبناننا اليوم مُشرَّعُ الأبواب أمام الفِتن، يَتخبَّطُ في أزماتٍ شائكة مُتشابكة، أودت به إلى مأزقٍ فعلي، يَستحيلُ الخُروجُ منه في ظِلِّ السلوكيّاتِ المُعتمدةِ في إدارةِ شؤون الدَّولة.
لبناننا اليوم يُبحرُ بأشرِعَةٍ مُمزَّقةٍ وَسطَ لجٍّ هائجٍ مائجٍ، تتقاذَفُهُ أمواجٌ عاتيَةٌ من نكباتٍ مُتلاحِقَةٍ، تدفَعُهُ بوتيرَةٍ مُتسارِعَةٍ إلى انهيارٍ كُلي.
أمَّا الشَّعبُ، كُلَّ الشَّعبِ الأبي من أصى الجنوبِ إلى أقصى الشَّمال، فهو ليس على ما يُرام، لكونه يَرزَحُ تحت وَطأةِ هواجِسَ كابوسٍ مُتنوِّعِ المَخاوفِ: سياسِيَّة اقتِصادِيَّةٍ مالِيَّةٍ اجتِماعِيَّةٍ ثقافِيَّةٍ تربويَّة …الخ
يا من شعارهم الأرزُ الصَّلد
إن ما أشرنا إليه يدعونا لوَقفَةِ تأمُّلٍ، لإجراءِ جَردةِ تقييمٍ ذاتيَّةِ إفراديَّاً وجماعيَّا، ولنسأل أنفسَنا قبل الغيرِ ماذا قدَّمنا لهذا الوطن؟ وماذا نريدهُ منه؟ وكيف نريدُهُ أن يكون؟
ما كان لهذا الانهيار المُتسارعِ الوتيرَةِ أن يَحصلً لولا جُملةٌ من التَّراكُماتِ السِّياسِيَّة على امتداد ثلاثة عقود من الزَّمن، والتي نكتفي بالإشارةِ إلى بَعضٍ منها على سبيلِ المثالِ لا الحَصر:
ـ الخروجُ عن روحيَّةِ اتِّفاقِ الطائفِ الذي أرسى مُرتكزاتِ السِّلمِ الأهلي، وتنفيذُهُ على نحوٍ استنسابيٍّ مُجتَزأ ومَغلوط.
ـ تقويضُ مُقوماتِ النِّظامِ البَرلماني، والمبادئ التي تحكُمُ أُصولَ العَملَ الدِّيمقراطي، وإغفالُ مَفاهيمِ المواطَنَةِ الحِقَّةِ وقِيَمِها، والتي تَكفَلُ المُشاركةَ السياسيَّةَ الحقيقيَّةَ وصَونَ الحُقوقِ والإلتِزامَ بالواجبات.
ـ ابتِداعُ مَفاهيمَ جَديدةٍ غير مَسبوقةٍ في المُمارسةِ الديمقراطيَّة على نحوٍ شوَّه مفاهيمها وقيمها، تمثَّلَ بمُمارساتٍ غير مألوفةٍ في النِّظامِ البَرلُماني لا تمتُّ إلى الديمقراطيَّة بشيئ، ألا وهي مفهوم الدِّيمقراطِيَّةِ التَّوافُقِيَّة والديمقراطيَّة الميثاقيَّة. مُعادلتان كانتا كفيلتين بتكريسِ منهجيَّةِ تَوزِيعِ المناصِبِ السِّياسِيَّةِ والوَظيفيَّة على النَّافذين كحُصَص، وتقاسُمِ المَغانِمِ المُتحَصَّلِ عليها بعد توزيعِ الوزاراتِ والهيئات والصَّناديق والمجالسِ على اختلافها وتَعدُّدها.
ـ تهميشُ الدُّستورِ والقَفزُ فوقَ القَوانين، وكَثرةِ الفَتاوى التَّشريعِيَّةِ المُعلَّبَة، والتَّفسيراتِ المُتَضارِبَةِ مع روحِيَّةِ النُّصوصِ الأصلِيَّة، والأحكامِ القَضائيَّةِ التي تصدُرُ غُبِّ الطَّلب.
ـ التَّعنُّت في الآراء، والتَّصلٌّبُ غيرُ المُبرَّرِ في المَواقِفِ والابتِزازُ لتَحقيقِ المكاسِب، وتفضيلُ المَحاسيب، واستِبعادُ الأكفاء، واستشارةِ السُّفهاء، وإهمالُ آراءِ الرَّاجِحين في العلم.
ـ تغييبُ مبدأ الثواب والعِقاب، وإغفالُ المُساءَلَةِ والمُحاسَبَة، ومُكافأةُ المُقصِّرين بدلاً من المُجلِّين وغير ذلك، خِدمَةً للمحظيين من ذَوي القُربى والمَحاسيبِ والمُتزلِّفينَ والمُتملِّقين.
ـ الإخلالُ بمبدأ توازنِ الموازنة، والإمعانُ في الاستِدانَة، وإغفالُ التَّنمِيَة المُستدامة، وتفضيلُ الصَّفقاتِ التي توفِّرُ أكبرَ غُنم على الضَّروراتِ المُلحَّة، والإكثارُ من المُستشارين، والمبالغةُ في منحِ العلاواتِ والتَّعويضاتِ والإكراميَّاتِ تحت مُسمياتٍ مُختلفِةٍ، كٌلُّ ذلك على حِسابِ خزينة الدَّولة.
ـ تبذيرُ المالِ العامِّ بالتَّوظيفاتِ العَشوائيَّة، وتُعيينُ المَحاسيبِ بعيدا عن مَعاييرِ الكفاءة، وإبرامُ الصَّفقاتِ المشبوهَةِ والتَّعهُّداتِ والتَّلزيماتِ والمُناقَصاتِ والأشغالِ التي ويا للأسف كانت تجرى من دون أمانة، وفق دفاترَ شُروط مفصَّلةً على قياس شركاتِ المسؤولين أو أزلامِهِم وأنسبائهِم.
ـ تهميشُ دورِ أجهِزَةِ الرَّقابَة، بدءاً بمجلس الخدمة المدنية مروراً بديوان المُحاسَبَةِ والتَّفتيشِ المَركزي وهيئة التأديب، انتهاءً بديوان المُحاسبة، وتَخطِّي كُلِّ الأُسُسِ والأغراضِ التي أنشئت على أساسها هذه الهيئات والمجالس، والإمعانُ في مُخالفةِ التَّعاميمِ الصَّادرَةِ عنها.
ـ المُبالغًةُ في استِحداثُ المناصِبِ إرضاء لهذا الفريق أو ذاك، وتَخصيصُ رواتبَ خياليَّة لمن يشغلُها، من دون أي موجب فعلي، وتفصيلُ مواصفاتِ شاغليها على قياسِ من أنشِئت من أجلهم من المَحظيين والأنسِباءِ والمُتزلِّفين.
يا أوَّلَ من ابتكرتُم الحرف
ما كان لهذه الزُّمرة الحاكِمَةِ المُتحكِّمَةِ أن تطغى وتغالي في جبروتها وتتمادى في تَعنُّتها وفسادها وتتلاعَبَ طوال هذا الوقت بالوطنِ ومَصيرِ ابنائه، لو أننا كشعبٌ تَحلَّينا بمسؤوليتنا الوطنيَّة، وولو لم نَسِر خلفهُم كالقُطعان، ولو لم نهملَ أصواتِنا قبلَ رَميها في صناديقِ الاقتِراع، ولو لم نُغفلَ المُساءلة القضائيَّة لجميعِ المُرتَكبينِ والمُخلِّينَ والمُقصِّرين بمسؤولياتِهِم الدُّستورِيَّة أو بواجباتِهِم الوَظيفِيَّة.
لكم تعامينا عن كُلِّ ارتكاباتهم، وصمَّينا آذانَنا عن كُلِّ التنبيهات التي كانت تُحذِّرُ من سوءِ خياراتِهِم، إلى أن فاحَتْ رائحةُ الفسادِ الذي تلازمَ مع معظمِ الصَّفقاتِ العُموميَّة واتلوثَ به العديدُ من السِّياسيين والموظَّفين والمُقاولين ومنفذي الأشغال العامَّة، وبدت مَعالِمُ الانهِيارِ الإقتِصادي والمالي، وظهرت بوادرُ الأزماتِ المعيشيةُ في الأفق، وتعالى تقاذف المسؤوليات بين حُلفاءِ الأمس، وتكشَّفت كُلُّ أضاليلهم، ووعودُهُم الوهميَّة، ومُحاولاتِهِم الواهِيَةِ لتَقطيعِ الوَقت، بانتِظارِ مُعجزَةٍ إلهِيَّةٍ تتمَثَّلُ بتَدخُّلٍ دولي خارِجي غير مَضمونِ النَّتائجِ والتَّوجُّهات.
يا من صدَّرَ الأبجديَّة
إن المؤمن لاَّ يُلدغُ من الجُحرِ مَرَّتين، لذا حريٌّ بنا أن نرفضَ علناً عودةَ أيٍّ من الذين توالوا علي السُّلطةِ خِلالَ العَقدين الأخيرين او ممن ساهَموا في تَعطيلِ إداراتِ الدَّولَةِ ومؤسَّساتِها العامَّة، أو ممن تمادوا في خَرقِ القوانينِ أو التَّعدي على الأملاكِ العامَّة، أو اختِلاسِ المال العام، أو أيٌّ من شركائهم المُقاولين، وبخاصَّةً من شارك في صفقاتِ الأشغال العامَّة أو المناقَصاتِ والمُزايداتِ العامَّةِ المَشبوهَة.
أليس من العيبِ بعد اليوم أن يُشاركَ في إدارةِ الدَّولةِ أيُّ من المُتآمرين على الوطن؟ سواء بإخلالِهِم بمَسؤوليَّاتِهِم السِّياسيَّة أو بواجباتهم الوظيفيَّة، أو ممن تخاذلوا أو تقاعسوا عن تأدية واجباتهم الدستوريَّة أو الوظيفيَّة، أو ممن أساؤوا استِغلال الصَّلاحياتِ المُخوَّلةِ لهم بحُكمِ مواقِعِهم، لأنَّهم وبصريحِ العِبارة غير مُهيَّئين أخلاقيَّاً وغير مؤتمنين وطنيَّاً لتولي أية مسؤوليَّاتٍ مُستقبلاً. وعلى الشَّعب أن ينبذَهُم، ويُقسيهِم عن الحياةِ السِّياسِيَّة، وأن يسعى إلى مُساءلةِ المُتورطينَ منهم سِياسِيَّاً وقضائيَّاً ومَسلكياً وشَعبيا.
وهل من المُستساغِ بعد اليوم أن يُولَّى سُلطَةً أو مَنصِباً سِياسِيَّاً، أيٌّ ممن تآمر على العِملةِ الوطنيَّة، وأقدمَ على تهريب ملايين الدولارات إلى الخارجِ وبخاصَّة بعد انكشافِ الأزمَةِ الماليَّة ـ المصرفيَّة بالتَّحديد؟
وهل من الجائزِ بعد اليوم أن يفلِتَ مُجرمٌ بفِعلتِه أو ينجو من العِقاب، لتَسلّحهِ بحَصانَة، سواء كانت سياسيَّةً أو برلمانيَّة أو قضائيَّة أو وظيفية أو مِهنيَّة؟
وهل من العقلِ في شيءٍ بعد اليوم أن يوكلَ أيُّ منصبٍ لأيٍّ ممن انخَرَطَوا في إطلاقِ الوعودِ الرنَّانَة، أو شارَكَوا في عمليَّةِ تَضليلِ الرَّأي العام، أو ساهموا عن قصد أم عن غير قصدٍ بإخفاءِ الحَقائقِ وتضليلِ الرَّأي العام؟
وهل من الحكمةِ بعد اليوم أن يؤتمن على المال العام وماليَّة الدَّولة وموجودات مصرف لبنان، والعملة الوطنيَّة أيٌّ ممن ساهَمَ في قراراتِهِ غير المَدروسةِ أو في مُجاراتِهِ للزُّمرَةِ الحاكِمَةِ في تبديدِ القِيمَةِ الشِّرائيَّةِ للعملةِ الوَطنِيَّة؟ وكيفَ غذا أضحة ملاحقاً بجرائمَ ذاتِ توصيفاتٍ مختلف؟
يامن أنشأ أول مدرسةٍ حقوقيَّة
علينا مواكبةُ كُلَّ المُستجدات، ومُلاحِقةَ جميعَ المُتورطين في انهيار البلاد. كما علينا السَّعيُ لاستِعادَةِ الأموالِ المُهرَّبةِ للخارج، والمطالبةُ بتَجميدِ الأصولِ الماليَّةِ العِقاريَّةِ والمَنقولةِ العائدةِ للسياسيين وكبارِ الموظَّفين الذين شغلوا مناصبَ هامَّة، سواء كانت هذه الأموال عقاريَّةٍ أم منقولة، مودعةٌ داخلَ لبنانَ أم خارجَه، وذلكَ في إلى أن يثبتوا مَشروعِيَّة مَصادِرها، وكذلك السَّعيُ إلى تَطبيقِ مَبدأ من أين لك هذا على جَميعِ من توالوا على السُّلطة، أو تولُّوا وظائفَ عامَّة، أو انخرطوا في صفقاتٌ عامّة. وأن نبذلَ كُلَّ جهدٍ لرَفعِ الحَصاناتِ كُلَّ الحَصانات، وحصرِ ما وجِبَ منها في إطارٍ ضَيق.
إنه لمِن الواجِبِ أن نعملَ لبناءِ بلدٍ عصريٍّ مزدهر، تماماً كما عَهِدناه سابقاً وكما ننشُدُهُ مُستقبلاً. ومن حقِّنا أن نؤسِّسَ دولةً حُرَّةٌ مُستقِلَّةٌ غير مَنقوصَةِ السِّيادَةِ. دولةٌ علمانيَّةٌ لا إلحادِيَّة، ذاتُ نِظامٍ ديمقراطي ليبرالي بَرلُماني، يقوم على مَبدأ الفَصلِ بين السُّلطات، والتَّعاون في ما بينها كُلٌّ وفقَ الصَّلاحِيَّاتِ المُناطَةِ بها دستوريَّاً. وطنٌ تُناطُ فيه العدالةُ بجهازٍ قَضائيٍّ مُستقلٍّ إداريِّاً ووَظيفيَّاً. وطنٌ يعيشُ فيه المواطنونَ على قَدرِ المُساواة في الحُقوق والواجباتِ بعيداً عن أيِّ تمييزٍ عِرقي أو مناطقيٍّ أو طائفي أو مذهبي.
يا من انتشارهُ أكثرُ عددا من مقيميه
ثمَّةَ بصيصُ أملٍ رَغمَ الأجواءِ السَّوداويَّة المُلبَّدةِ بالعديد من الانتِكاسات، يوحي لنا بأن الإنقاذ لَمُمكِنٌ، وإخراجُ الوطن من مأزقِهِ ليس بمُستَحيل، إنما ذلك يتوَّقفُ على وعيكم ومَشيئتكُم وصَلابَةِ إرادَتِكم. لأن الإنقاذُ يتطلَّبُ رُؤيةً واعِيَة، وإرادةً صَلبَةً وجُهوداً جبَّارَة، وتَضحياتٍ عَظيمَةً تُبذَلُ في سبيلِ الوطنِ، وتصُبُّ في صالحِ الأجيالِ القادِمَة.
إن النُّهوض بالوطنِ من كبوته لأمرٌ مُمكن، إنما يتطلَّبُ في المقام الأولِ تَخليصَ الدَّولَةِ من قبضةِ الزُّمرَةِ الحاكِمَةِ، ومن ثم بأتي السَّعي للنهوضِ بالوطنِ من جديد، بتبني منهجيَّةٍ مُبادرةٍ تَغييريَّة، وهذا يتطلَّب منا وعياً كافياً، وإرادةً صلبةً وإصراراً على الثَّوابتِ الوطنيَّةِ والقِيَمِ الانسانِيَّة.
إن التَّغييرَ الذي ينبغي أن ننشُدُهُ، هو ذاك التَّغييرُ القائمُ على مُبادراتِ استِثنائيَّة تُغلِّبُ مَصالحَ عامَّة الشَّعبِ، كما على قَراراتٍ جريئة لا شَعبويَّةٍ استرضائيَّةٍ تقودنا إلى الانهيار. إن التَّغيير الحقيقي ينبغي أن يُبنى على أُسُسٍ مُجرَّدَةٍ مَتينة، وأن ينفَّذَ وفقَ خُطَّةٍ استراتيجِيَّةٍ مُتكامِلَة، وبرنامِجَ عَمَلٍ موضوعيٍّ طَموح، يأخذُ بعين الاعتبارِ الأولويَّاتِ وبما يُراعي حاجاتِ واهتِماماتِ الناسِ الأساسِيَّة، وأن يُصارُ إلى تطبيقِه وتحقيقِ الأهدافِ بناءً على معطياتٍ صحيحةٍ والظُّروفِ السَّائدةِ والإمكانيَّاتِ المُتاحَة.
إن التَّغييرَ نحوَ الأفضلِ يتطلَّبُ تَضافُرَ الجُهودِ وترشيدَ استِغلالِ المَوارِدِ الطَّبيعِيَّة، وشحذِ الطَّاقاتِ البَشريَّةِ التي يذخُرُ بها لبنان.
إننا مطالون بإعدادِ سَلَّةٍ مُتكامِلَةً من الإصلاحاتِ الدُّستورِيَّةِ والقانونِيَّة، تكون بمثابةِ مواكَبَةٍ تَشريعِيَّةٍ للتَّحرُّكاتِ المَيدانيَّةِ الشَّعبيَّة، إصلاحاتٌ كفيلةٌ بإرساءِ نظامَ الحكمِ، تتوخى ضَمنُانَ مُقوِّماتِ المُمارَسَةِ الديمقراطيَّة الحِقَّة، وتؤسِّسُ لنِّظامٍ برلماني يكفلُ الفَصلَ بين السُّلطات الدستوريَّة، ويضمنُ التَّعاون في ما بينها. كما أعددنا مُسودَّاتُ مشاريعِ قوانين اساسيَّةٌ عدَّة، أهمُّها قانونٌ للإنتخابات التَّشريعية، وفانون للأحزاب، وقانون لمُكافَحة الفساد، وقانون اللامركزيَّة الإداريَّة وغيرِها من القوانين الكفيلةِ بنَقلِ الدَّولَةِ من دولَةِ المَزرعَةِ إلى دولةٍ عَصريَّة راقِيَة.
يا موئل الحضارات
لم يعُد سكوتنا جائزاً، علينا التَّفكيرُ مليَّاً في ما نحنُ مقبلون عليه، وما ينبغي القيامُ به لتوقي الانهيار، ولدرِءِ مَخاطرِ التَّخبُّطِ في الأداءِ السياسي، وتبني برماجِ تُحرُّكاتٍ شعبيَّةٍ عارمة، تحرُّكاتِ تَصاعُديَّةً إلى أن يستجابَ إلى مَطالِبِ الشَّعْب المُحقَّة، وتشكيلِ حكومةٍ حياديَّة، والتأكيدُ على إجراءِ الانتخاباتِ التَّشريعيَّةِ في موعدها، ووفقَ قانون انتخاباتٍ تشريعيَّى عصري، ولو تطلَّبَ الأمر إعلان العِصيانِ المَدني المَفتوح.
ولم يَعُد سُكوتُنا مُبرَّراً بعدَ أن جُرِّدَ الشَّعبُ اللبناني من كُلِّ ميزاتِ العَظَمَةِ التي أبهرونا بها، وأصبحَ أبناءُ الوطن متسكِّعين في مختلف أصقاعِ الأرضِ، والطَّاقاتُ البشريَّةُ اللبنانيَّةُ وشهاداتهم العلميَّة تُعرضُ في أسواقِ النِّخاسة.
إن السُّكوتَ عمَّا يجري، والوقوفِ موقِفِ المُتفرِّجِ، والتَّسليمَ للأمرِ الواقعِ ما هو إلاَّ انكِفاءٌ عن واجِبٍ وَطَني، تخاذلٌ واستِسلام.
وأخيراً يا أهيها المقامرون المتآمرون على الوطن، لا بدَّ من نداء نصوحٍ، ان ارتقوا ولو لمرَّةٍ واحدةٍ لمصافِ الزَّعامةِ الوطنيَّة. وللمعنيين بالشَّأن العام، وبخاصَّةٍ والمهتمين منهم بتَشكيلِ الحُكومَةِ نقولُ: إن لبنان لم يعُد يحتملُ مغامراتٍ غيرِ محسوبةِ النَّتائج، إيَّاكمُ وتشكيل حكومةٍِ من لونٍ واحد، إيَّاكم وتغافل المطالبِ الشَّعبيَّة، إياكم والقفزُ فوقَ آلامِ ومعاناة الشَّعبِ اللبناني، إيَّاكم محاولةَ تبييضِ الأسماءِ الملوَّثةِ بالفساد، إياكم إيلاءُ أيَّةِ مسؤوليَّةٍ لأيٍّ ممن ساهموا بهدر المال العام. عليكم اعتمادَ مَعاييرَ مُجرَّدةٍ في إعادةِ تكوينِ السُّلطةِ، وإيلاءَ زِمامِ الأُمورِ لأشخاصٍ حياديين كفوئين نزيهين جريئين، شيمتهم الولاءُ للوطن.
وأختم بالقول أن انقاذَ لبنان يتطلَّبُ ثورةً متماسكةً لا انتفاضاتٌ مُشتَّتة
اللهم اشهد أني بلَّغت