في هذا الزمن لا احد يقوم بعمله، أو بإختصاصه أو بتجارته وكذلك العاملين في الوظيفة العامة، والامثلة على ذلك كثيرة وتنطبق على الجميع، ما عدا عدد قليل جداً ما زال يقوم بعمله ضمن الاطر النظامية المحددة.
هل يعقل ان يقوم طبيب بالتنظير في الصناعة والتجارة والدين ويترك فحص المريض وتوصيف مرضه واعطائه الدواء الناجح، وهل يعقل ان يقوم الجزار وبائع الخضار وغيرهم من اصحاب الاعمال الحرة بالتنظير في الاعمال الهندسية، وهل يعقل ان يُنَظّر القاضي والمحامي في صناعة الصواريخ، وهل يعقل ان يُنَظّر رجل الدين مهما بلغت ثقافته بالدستور والقانون أن يقدّم الفتاوى ويحكم بأن هذا الامر دستوري او قانوني او ليس كذلك، ويصدر الاحكام وهناك من هو مكلف دستوراً وقانوناً بأن يصدرها باسم الشعب اللبناني.
نقول لهؤلاء جميعاً رجاء “يَلّلي فِينَا بِكَفِّينَا” حيث وصلنا الى مرحلة الانهيار بسبب الطغمة الفاسدة، مما يوجب على المواطن مهما كان عمله عام او خاص ان يكون منضبطاً ضمن اصول العمل الذي يقوم به، دون ان يتخطى هذه الاصول كي لا يختلط “الحَابِل بالنَابِل” وتضيع الحقيقة، فيستفيد الفاسدون والمهربون والمجرمون من الفوضى العارمة، ويضاف اليها الاحكام والاجتهادات والفتاوى التي تصدر ممن ليس لهم صلاحية في اصدارها، مما يشكل مظلة عن حسن نية او سؤ نية لهؤلاء، وهنا الطامة الكبرى، وفي هذا الوقت بالذات حيث الشعب يفتش عن الذين اوصلوه الى ما وصل اليه، والى الذين سرقوه ونهبوه وعاثوا فساداً في الاموال العامة والخاصة.
نضيف بأن على المحامي ان يحمل رسالة المحاماة بكل الصدق والامانة ويتقيد بآداب المهنة وتراثها. وعلى القاضي واجب ضبط المجرمين واصدار الاحكام العادلة دون ان يتأثر بأي تدخلات داخلية او خارجية، وبدون خشية من احد مهما علا شأنه، ونقول ايضاً على رجال الدين وفي لبنان 18 طائفة واجب شرح العقيدة للعامة، والتأكيد على مبادئ الاخلاق، وحسن المعاملة، واحترام الدستور والقانون، وتوجيههم للحفاظ على السلم الاهلي، ودون ان يتدخل رجال الدين بمدى دستورية او قانونية او عدم دستورية او قانونية امر ما، حيث ان هذا واجب القضاة والقانونيون، خاصة ونحن في بلد عاصمته بيروت “ام الشرائع” كل يوم تنتهك الطغمة السياسية الدستور والقوانين وتتمنّع عن تنفيذ الاحكام، ولا نسمح من يشجب تصرفاتهم وهكذا على باقي المهن والاختصاصات من الواجب ان يعمل كلّ بإختصاصه.
ان الارباك الذي يحصل الآن في مجتمعنا يقتضي ان ننتصر عليه لانه يؤدي الى اعمال شريعة الغاب، واليوم كما تشاهدون “كلّ يُغني على ليلاه”، من هنا علينا ان نوجه الشعب كل الشعب نحو البوصلة الحقيقية وهي المحاسبة والمساءلة، وضبط المجرمين، وانزال اشد العقوبات بهم لاستعادة الاموال المنهوبة والمهربة، وحماية السلطة القضائية من اي تدخلات سياسية، ودعم اصدار قانون استقلال هذه السلطة، وعدم المساهمة في احباط عملها.
هذه هي معركتنا، فلا تحاولوا العمل لتغيير البوصلة وولوج طريق حماية الفاسدين والمجرمين.
ان حكمة وحنكة القوى الحية في مجتمعنا قادرة على توجيه البوصلة وجهتها الصحيحة، على الرغم من وجود سلاح الطائفية والمذهبية والمناطقية التي كانت وما زالت تحمله الطغمة الفاسدة وبعقلية تملك تجربة ميليشيوية.
الامر اليومي هو ان لا تترك السلطة القضائية لوحدها بدون غطاء، وان نشجعها دون جماهيرية على كشف المستور بما فعله أكلة الجبنة، وكي لا يفترسها الناهبون والفاسدون مستفيدون من كل ما اشرنا اليه.
اقرأ أيضًا: