ازمة لبنانالاحدث

“تسونامي” نُخبَوي يَضرِبُ لبنان | كتب البروفسور بيار الخوري

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

يحقّ لنا أن نَفرَحَ بـ النقابةِ المُنتَفَضة-المُنتَصِرة في انتخابات نقابة المهندسين رُغمَ انهيارِ كلِّ ما حولنا، بل بسببِ انهيارِ كلّ ما حولنا.

يحق لنا ايضاً أن نرتاح لتفكّك أوصال التحالف النقابي لأطراف السلطة، وهو إن دلّ على شيء فهو الإحراج الشديد تجاه الموجة العارمة. أربعٌ من أصلِ ست قوى أساسية عزفت وانسَحبَت، وهذا بذاته إنتصارٌ كبير للموجة المُتكسّرة أحياناً والصاعدة حيناً للدينامية التي أطلقتها قيامة ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩.

ثلاثةُ تراكمات يجب البناء عليها منذ ذلك التاريخ: نقابة المُحامين، النوادي العلمانية في الجامعات الكبرى، وبالأمس نقابة المهندسين. والدرسُ واحد: هناك مسارٌ صاعدٌ لانفضاضِ النُخَب من حول الطبقة السياسية.

تحصل الآن تحوّلات كبيرة في مزاجِ النُخَب اللبنانية لأن الأمكنة الثلاثة هي أمكنة تجمّع الطبقتين الوُسطى وتلك المُرفَّهة، وهما في الواقع اللبناني عِمادَي التغيير القائم إمّا على الخوف من الانحدار الاجتماعي، أو على الرسالة الوطنية. وفي كلتا الحالتين يُعبّران عن سخطٍ اجتماعي نُخبَوي كبير من التهافت السياسي والأخلاقي على ممارسة السلطة في لبنان.

في كانون الأول (يناير) ٢٠٢٠، كَتَبتُ في “أسواق العرب”: “إن الحَراك/الإنتفاضة/الثورة لا زال في مرحلةٍ طفولية أوّلية اعتراضية (والتعبير سياسي وليس تهكّمياً) يحتاج إلى فرز قواه مع تطور الأزمة الإقتصادية والسياسية بما يسمح بغَلَبة وعيٍ على وعيٍ آخر. وبقدر ما يُمكن أن تُشكّل عناصر الوعي فرصةً لقوى تغييرٍ حقيقية تُقنِعُ اللبنانيين بصحّة خطابها وبرنامجها بقدر ما ستتقدّم قوى مُحَدَّدة لتصدّر المشهد القيادي بالقوة عينها”. (لبنان يفتتح مسيرة الألم والأمل والطويلة).

تذهب الأمور إلى حيث توقّعنا مع بداية الأزمة، حيث أن عمقَ الأزمة السياسية وعجزَ القوى السائدة عن تظهير قدرتها على الإمساك بالوعي قد سمح بتقدّم النُخَب الأكثر جرأةً والأكثر ديناميةً نحو انتزاعِ انتصاراتٍ معنوية، والتي رُغم رمزيتها في البناء السياسي إلّا أنها ذات مغزى كبير في الإقتصاد السياسي وفي الركائز الإجتماعية لاستقرار السلطة في لبنان.

لقد هزأت الطبقة السياسية بالنُخَب طويلاً وافترضت أنها تستطيع الحكم بازدرائهم عبر شراء بعضهم وهجرة (في الواقع تهجير) بعض آخر واحتقار الجزء الأكبر منهم.

هناك “تسونامي” نخبوي يضرب لبنان الآن، وهو يتسابق مع التخطيط للفوضى واحتمال الحرب أو التسوية لإنقاذ السلطة، فأيّهما يسبق الآخر؟

مهما كان، فإن انفصال النُخَب عن السلطة السياسية قد بات يمتلك ديناميته الخاصة، وهو الآن ضرورة أخلاقية تاريخية تُلقى على عاتق الطلاب والشباب والنُخب المهنية وسائر المثقفين وصنّاع الرأي المُستقل عن المصالح الداخلية والخارجية مهما كان مصدرها.

لقد بدأ الوعي القديم يتفكّك، وكي لا يتمدّد هذا التفكك لتفكيك البلد، على هذه الدينامية الجديدة أن تتصاعد وتتكثّف.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى