الاحدثالملف العربي الصيني

خمسون لبنان والصين (الجزء الثامن والعشرون) : ماذا نريد من الصين؟ | بقلم د. بيار الخوري

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

من إيران إلى الدولة العبرية وغيرهما أُممٌ ودولٌ تنشط في حجز موقعها على طريق الحرير، لماذا لبنان استثناء؟

هل لبنان أكثر ارتباطاً بالمصالح الغربية من الصهاينة أو دول الخليج العربي او المملكة المغربية أو الجمهورية المصرية أو تركيا الأردوغانية؟

لماذا تكون دول جنوب اوروبا شريكة اساسية للصين ولماذا يخاف لبنان تعميق العلاقة معها؟

قدمت الصين الكثير من مبادرات حسن النيّة للحكومات اللبنانية المُتعاقبة، وليست هناك منّية في ذلك. فلبنان الذي يقع على مُفترَق طرق إستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط ​​بين آسيا وأوروبا مهمٌّ في خارطة إحياء الطرق والسكك الحديدية بين بيروت وطرابلس على ساحل البحر المتوسط ومدينتي حمص ودمشق السوريتين، وهو مدخلٌ للعراق وسوريا، وهما من أكبر المناطق التي ستشهد مشاريع إعادة الإعمار في العالم.

قبلت الصين بالضمانة السيادية للحكومة اللبنانية رُغم توقّف لبنان عن سداد ديونه الدولية، إذ تطرح الشركات الصينية مُعادلات شراكة اساسها ال “بناء – تشغيل – نقل” (BOT) في مجال البنية التحتية وهي حصلت على موافقة “ساينو هيدرو” (SINOHYDRO)، الهيئة الرسمية التي تمنح الموافقات للشركات الصينية للعمل في الخارج، بإعلان استعدادها للاستثمار في البنى التحتية في لبنان بقيمة 12 مليار دولار في الموانئ والسكك الحديدية والكهرباء وإدارة النفايات.

وبعد ان اندرج لبنان رسمياً ضمن الدول المُوقِّعة على مبادرة الحزام والطريق لاستعادة طريق التجارة التاريخي المعروف بطريق الحرير، إنضم لبنان في 26 حزيران (يونيو) 2018 إلى البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية ( AIIB) بعد موافقة مجلس محافظي البنك على الطلب الذي كان مُقدّماً له. وهذا البنك انشأ كإستجابة لفجوة التمويل الكبيرة في البنى التحتية في آسيا.

وقد تم اختيار بيروت مقرّاً لممثلية المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية أو ما يعرف بـ(China Council for the Promotion of International Trade (CCPIT))، التي ستغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وجاء اختيار لبنان بسبب اقتصاده الحر، ومناخه الإستثماري المنفتح (اين نحن من ذلك بعد عامين على الانهيار) وموقعه الاستراتيجي كمركزٍ تجاري مُهم في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة الى التسهيلات اللوجستية التي قُدِّمت للمجلس من قبل مجموعة مصرفية محلية لتسهيل مهمته في لبنان.

وقد سبق توقيع لبنان على اتفاقية الاطار للانضمام الى مبادرة الحزام والطريق توقيع اتفاقات تعاون في مختلف المجالات تقريباً من التجارة الى الثقافة والتعليم والسياحة والنقل بكافة أشكاله وحماية الاستثمارات، ولكن كل ذلك يعمل من جانب واحد حين تبادر الصين بوضع موازنةٍ لمشروعٍ مُحدّد أو مساعدة طارئة او تدخّلٍ إنساني.

حين نقول أن لبنان يفتقد استراتيجية للتنمية (وهو في الواقع يفتقد كدولةٍ البُعدَ الاستراتيجي في التعامل مع التنمية وغيرها)، فان أحد الامكنة المهمة التي يمكننا ان نرى معها خطورة فقدان الاستراتيجية هي تعامل لبنان مع مبادرة الحزام والطريق. فلا يعقل ان تكون كل دول المنطقة قد وجدت لاستراتيجيات دولها مكاناً في استراتيجية الصين لاستعادة طريق الحرير ولبنان عجز عن ذلك. في الواقع هذا البلد عاجز عن انتاج الاستراتيجيات.

حين نصبح قادرين على ذلك نستطيع ان نرى أين مصلحتنا في الشراكة مع الصين ضمن الاستراتيجية الوطنية للدولة، وقد نصل الى الاستنتاج الذي وصلته كل الدول المُوقّعة على الاتفاقية الى أن الاندراج الفاعل في المبادرة لا يتعارض حتى مع الاندراج في الفلك الغربي. يتوقّف ذلك على تحديد ماهية ما نريده كدولة من الغرب…ومن الصبن.

نحن نطوي اليوم خمسين عاماً من العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والصين، وأربع سنوات على اتفاقية الإطار للحزام والطريق، وعلينا ان نتطلع إلى خمسين عاماً مقبلة أساسها معرفة لبنان ماذا يريد من الآخرين لا ماذا يريد الآخرون منه.

لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى