ماذا حقق شي جين بينغ من جولته الأوروبية؟ | بقلم د. علوان أمين الدين
زار الرئيس الصيني شي جين بينغ فرنسا وصربيا والمجر، حيث التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وتضمنت الجولة أيضاً اجتماعات على المستوى الوزاري وفعاليات ميدانية.
وكانت الزيارات إلى بلغراد وبودابست ناجحة، فقد أصدرت صربيا والصين بياناً مشتركاً بشأن بناء مجتمع المصير المشترك واتفقتا على تشكيل منطقة تجارة حرة، كما تمت ترقية وضع العلاقات مع المجر إلى شراكة استراتيجية شاملة “في كافة الأحوال ” (على سبيل المثال، لدى باكستان وبيلاروسيا وأوزبكستان وفنزويلا شراكة مماثلة بالفعل)، ووقع الطرفان 18 اتفاقية تعاون في مجموعة واسعة من الصناعات، وفي المقابل، لم تسفر القمة الفخمة التي انعقدت في فرنسا بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عن اختراقات سواء على المستوى الثنائي أو بين الاتحاد الأوروبي والصين، واقتصر الطرفان على بيان مشترك بشأن الشرق الأوسط، وتبين أن العثور على صياغة تناسب كلاً من باريس وبكين بشأن هذه القضية كان أسهل من تحقيق تغيير في موقف الصين بشأن أوكرانيا أو تخفيف سياسة “الحد من المخاطر” التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي.
كما تشير نتائج جولة شي جين بينغ إلى تعميق الخطوط الفاصلة الثلاثة في الحوار الأوروبي الصيني التي تشكلت طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: بين الغرب وغير الغرب، وبين مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، وبين الدول من أوروبا الغربية والوسطى.
ويعتبر السطر الأول مشتقاً من التغييرات في النظام العالمي. وبعد أن دخل الصراع بين روسيا والغرب مرحلة حادة في عام 2022، وجد الاتحاد الأوروبي والصين نفسيهما على طرفي نقيض من المتاريس، فبعد فشله (وعدم رغبته) في تحقيق “الاستقلال الاستراتيجي” عن الولايات المتحدة، يؤيد الاتحاد الأوروبي الحفاظ على نظام “قائم على القواعد”، في حين تؤيد جمهورية الصين الشعبية تشكيل نظام عالمي أكثر إنصافاً، ولا يوجد حل وسط في الأفق، ولا يشكل الاحتمال الوهمي المتمثل في تخلي الاتحاد الأوروبي عن سياسة “الحد من المخاطر” حجة كافية لتغيير الموقف السياسي في الصين، أيضاً فشلت محاولات القادة الغربيين لإقناع الصين بالتخلي عن شراكتها مع روسيا هذه المرة أيضاً، وبعد أن أيد فكرة عقد مؤتمر للسلام بشأن أوكرانيا، قال شي جين بينغ إن روسيا يجب أن تكون أيضاً مشاركاً في العملية.
ويستند الخط الثاني إلى تشريعات أوروبية جديدة تهدف إلى الحد من وصول المستثمرين الصينيين إلى الأسواق الأوروبية، واستناداً إلى تصريحات أورسولا فون دير لاين في أعقاب المفاوضات في باريس، فمن غير المتوقع مراجعة سياسات الحماية، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قدم الاتحاد الأوروبي أداة لمكافحة الدعم الحكومي، وأداة لمكافحة الإكراه من قبل دول أخرى، وأداة لفحص الاستثمار الأجنبي وآلية لمكافحة الإغراق، مما يجعل من الصعب على الشركات الصينية أن تعمل.
وكان سبب الضغط على الصناعة هو التحقيق الذي أجرته المفوضية الأوروبية بشأن السيارات الكهربائية الصينية، والذي بدأ في خريف عام 2023. كان هناك عقبة أمام تطوير الممر الجنوبي للطريق بين الصين وأوروبا، وهو إجراء مماثل تم إطلاقه في فبراير 2024 فيما يتعلق بالاستثمارات في السكك الحديدية البلغارية.
وفي ظل هذه الظروف، تعتمد جمهورية الصين الشعبية على تطوير الحوار مع الدول الأوروبية المهتمة، وليس مع الاتحاد الأوروبي، وترحب بزيارات الساسة الأوروبيين إلى بكين، وتسعى إلى استخدامها للتخفيف من الميول المناهضة للصين في الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، يتخذ المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي زار الصين مؤخراً، موقفاً منضبطاً فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية.
وبناءً على ذلك، يمتد الخط الثالث بين مجموعات الدول الأعضاء، وتظل بلدان أوروبا الوسطى وغرب البلقان أكثر تقبلاً للتعاون مع جمهورية الصين الشعبية، في حين تنأى أوروبا الغربية بنفسها على نحو متزايد عن جمهورية الصين الشعبية، وليس من المستغرب أن تستضيف المجر وصربيا الزعيم الصيني كجزء من هذه الجولة، إنهم يكملون بنجاح بناء خط السكة الحديد بين بودابست وبلغراد، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق، وقد تم تشكيل قائمة جديدة، ثالثة بالفعل، من المشاريع ضمن المبادرة مع المجر.
وتأمل بكين أيضاً أن تساهم رئاسة بودابست لمجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2024 في تجميد المبادرات المناهضة للصين، كما حدث من قبل، حيث أن صربيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولكنها مركز رئيسي على الطرق بين الصين وأوروبا وتظل شريكاً رئيسياً في منطقة البلقان، وسيسمح إنشاء منطقة التجارة الحرة بملء القطارات بمزيد من السلع عند عودتها إلى الصين، وسيحفز التطوير الإضافي للبنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية في المنطقة.
ومع ذلك، مقارنة برحلة شي جين بينغ السابقة إلى أوروبا في عام 2019، عندما انضمت إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق وتم توقيع عقود بقيمة مئات الملايين من اليورو مع فرنسا، فإن نتائج الجولة الحالية متواضعة للغاية، إن تعميق الخطوط الفاصلة لا يسمح للصين بتحقيق تغييرات بنيوية في طبيعة التفاعل مع أوروبا.