مُنتحِر المجتمع: قراءة دلال قنديل لكتاب انطونان أرتو عن فان غوغ
علاقة فان غوغ بطبيبه وبشقيقه كمحفز على الإنتحار صورة تظلل كتاباً يتركنا بعد عاصفته مأخوذين لسحر الإبداع لقوة اللون وقتامة الحياة التي تقذف بنا الى إنهيارات مدوية.
لغة مطواعة بالتوتر المعرفي منحازة لروح النص والتعبير عن “عاصفة تتحفز في صفحات كتاب” كما يُعَرفها المترجم الشاعر عيسى مخلوف لكتاب فان غوغ منتحر المجتمع لأنطونان أرتو الصادر عن دار الرافدين.
في مقدمته المختصرة يقودنا الى فصام المبدع ومجتمعه عبر الربط لحوافز الكاتب المجرب لمعاناة وعذابات الصدمات الكهربائية والأدوية والمخدرات في المصحات النفسية وكتابته عن فان غوغ “. بدا وهو يكتب عن فان غوغ أنه ينظر الى وجهه في المرآة ويكتب عن نفسه. بالسكين كتب وبالصراخ الذي نسمعه في كل كلمة وكذلك في غضبه وإدانته الذين يتهمون المبدعين ويحاكمونهم معتبرين أنهم مرضى المجتمع فيما المجتمع هو المريض.
كبهلوان يسير فوق حبل وتحته هاوية بلا قعر أمضى أرتو حياته ،كان يقيم عند الحدود التي تلتقي فيها الدقة العالية والهذيان يصوغها بلغة تتوهج أمامنا وتجعلنا نرى بسرعة البرق كيف تبطل المسافة بين النبوغ والجنون .”
غوص في توالد الإبداع وتناغم المبدعين على صفيح المعاناة تأخذنا اللغة الى الصورة والسيرة واللون بإنحياز للمغزى المتخطي للكلمات والباحث عن قوة تعادل وقعها في نقل إحترافي دقيق مشوب بتوثيق للوحات وتوزعها في المتاحف العالمية مرفقاً بالهوامش التي تصحح مسار المعلومة حيناً أو إضافة اليها حيناً آخر.
علاقة فان غوغ بطبيبه وبشقيقه كمحفز على الإنتحار صورة تظلل كتاباً يتركنا بعد عاصفته مأخوذين لسحر الإبداع لقوة اللون وقتامة الحياة التي تقذف بنا الى إنهيارات مدوية.
إشكالية فان غوغ بين النبوغ والجنون قوة الدافع لتحدي البقاء بعزم الريشة على منازعة المرارة بصرير اللون الصارخ يحز المساحة البيضاء ويصرعها قبل أن يصبح سكيناً يقطع أذناً. ويصوب مسدساً الى رأس بعد رسم حدوده وملامحه “بنظرة معلقة مشدودة مزججة خلف جفنيه النادرين والحاجبين الرفيعين من دون أثر لثنيه”كما يصفها الكاتب.
ويبقى رجع الصدى للدم النافر من الإذن والرأس المتفجر برصاصة الإنتحار. “لكن فان غوغ التقط اللحظة التي يكون فيها بؤبؤ العين على وشك أن يذرف في الفراغ حيث هذه النظرة المنطلقة ضدنا مثل قنبلة نيزك تتخذ لون الفراغ الواهن والجمود الذي يملأه”. كتاب مرجعي لسيرة مشوبة بالأسئلة عن الكينونة والجدوى من إحتفاء العالم بفنان أزهق القلق الإبداعي حياته القصيرة ..عن الألم طريق المبدعين وجلجلتهم وطوق الكتم لأنفاسهم الملتقطة لكل نسمة حرية..كيف ينام العقل عن بوح الحرية ليلاقي السعادة الأبدية؟ .