الإرهاب يطرق باب أوروبا، إلا إذا | كتب د. محمود الحمصي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
عندما رأيت هذا الكم الهائل من الزخم الاعلامي والسياسي والضغط الاقتصادي والعسكري اتجاه الدولة الروسية المتقدمة نحو كييف تذكرت ما حدث في المراحل الاولى من الحرب السورية، وقد ناشدت اوكرانيا ومعها باقي دول الاتحاد الأوروبي العالم لتسليح القوات الأوكرانية ودعت المقاتلين من جميع انحاء العالم للقتال في كييف للتصدي لروسيا. وكأن الأوروبيين يرتكبون نفس الاخطاء ولكن هذه المرة في شرق اوروبا. ان الدعم العسكري لأوكرانيا في العديد والعتاد قد يؤدي الى مزيد من الفوضى والقتال الدامي لسنين وقد يجذب المتطرفين من جميع انحاء العالم الى شرق اوروبا التي قد تكون على موعد مع صراع مزمن مع الإرهاب الذي قد ينهي الديموقراطية الاوروبية ويعيد اوروبا الى القرون الوسطى.
حصار روسيا قد تدفع ثمنه أوروبا
منذ بدء الحملة العسكرية الروسية على اوكرانيا، بدأ الغرب متسلحا بسلاح العقوبات يضرب موسكو، لم تسعَ هذه الدول الى الحوار مع موسكو بل كانت تسعى لمحاربتها بداية من تعليق المانيا المصادقة على مشروع خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي كان من المفترض ان يوصل الغاز الروسي الى برلين ومن ثم الى اوروبا عبر البحر مرورآ بتجميد الارصدة الروسية ووصولا الى عزل موسكو عن نظام سويفت. لم تكتفي هذه الدول بهذا الحصار الذي يستهدف الشعب الروسي بل امتد أيضاً ليشمل الحصار السياسي في مجلس الامن والجمعية العمومية في الامم المتحدة واستنجاد الدول النامية للتنديد بالهجوم الروسي. ان هذا الحصار السياسي والاقتصادي قد يزيد من الوضع تأزمآ وقد يجعل موسكو تستنفذ ما تملكه وتقطع امدادات الطاقة والغاز عن اوروبا مما قد يزيد سعر النفط والغاز اضعافآ عن سعره الحالي وقد لا تكتفي موسكو عن هذا الحد بل قد تلجأ الى قطع الملاحة البحرية بشكل كامل او بمعنى اخر لن يكون لاحد الحق بتصدير انتاجه طالما هناك حصار على روسيا. اضافه الى ما سلف، ان لروسيا شركاء وحلفاء استراتيجيين قد يأخذوا المسار نفسه ويفرضوا عقوبات على الغرب ويكون العالم منقسم بكافة اشكاله الاقتصادية والسياسية بين المحورين الغربي والشرقي.
الدعم الفوضوي لأوكرانيا قد يفجّر أوروبا
بعد الدخول السريع للقوات الروسية في اوكرانيا وفرض سيطرتها على كامل الجو في اوكرانيا، وحصارها لكييف العاصمة من كافة الاتجاهات، دعت اوكرانيا الغرب لتسليحها وامدادها بالمقاتلين سعيا منها للتصدي لموسكو. لبى الغرب سريعا وبدأ بشكل علني بتزويد اوكرانيا بالاسلحة الدفاعية الفعالة والتي تراها مناسبة لقلب الموازين. في هذا السياق، دعت اوكرانيا ايضا ومعها بعض الدول الأوربية المقاتلين من جميع انحاء العالم الى الانضمام للقتال في صفوف القوات الأوكرانية، وقد اشارت بعض المصادر الإعلامية ان هناك تهافت كبير للتوجه للقتال في اوكرانيا من غالبية الدول حتى العربية منها. وكأن الأوروبيون يرتكبون نفس الاخطاء التي ارتكبوها قديما في أفغانستان ومؤخرا في سوريا والتي ادت الى حرق الاخضر واليابس وكلفة باهظة من الدماء والدمار.
التطرّف يطرق باب أوروبا
بعد سعي الدول الأوربية إلى تحفيز المقاتلين من جميع انحاء العالم لتسليحهم بأسلحة نوعية ودقيقة بهدف استنزاف القوات الروسية وابقاء روسيا بعيدة عن المواجهة المباشرة مع حلف شمال الأطلسي ها هي تقدم اكبر خدمة للتنظيمات الارهابية التي كانت دائما تنظر في أوروبا كوجهة رئيسية لتنفيذ عملياتها الإرهابية وقد تقوم هذا التنظيمات بأخذ السلاح من الأوروبيين وقتالهم فيه. بالرغم من ان الغرب جرب اسلوب تسليح الجهاديين سابقا، وانقلاب هؤلاء الجاهدين لقتالهم، الا ان الغرب ما زال يرتكب نفس الافعال التي قد تكون أسباباً لنفس النتائج. ان على الغرب ان لا ينسى هجمات ايلول في اميركا وهجمات شارل ابدو وسان دوني في فرنسا او هجمات برشلونة في اسبانيا وغيرها من الهجمات الارهابية التي كانت بسبب اخطاء اوروبا في دعم اعداء اخصامهم من دون النظر الى عودة هؤلاء لقتالهم.
الحل السياسي قد يجنّب أوروبا والعالم الخطر
بالرغم من عدم اندفاع الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية في اجراء حوار بناء عن طريق مفاوضات مع موسكو للوصول الى حل سياسي للقضية الأوكرانية، الا ان هذه المفاوضات قد تكون الوحيدة القادرة على إنقاذ هذا العالم من حرب عالمية ثالثة لا تحمد عقباها، وقد اعرب الرئيس الأميركي جو بايدن بكل صراحه الى ان ما تبقى من ضغط على موسكو هو حرب عالمية ثالثة. اضافه الى ذلك، امر الرئيس فلاديمير بوتين باعلان حالة الطوارئ القصوى للقوات الروسية نظرآ للتهديدات الغربية. ان الحل السياسي الذي قد ترعاه بعض الدول الإقليمية المؤثرة والمحايدة نوعا ما عن الصراع قد يأتي بثماره للوصول الى حل سياسي لانهاء هذه الجولة الحادة من الحرب، والا فان الدول الأوربية والعالم ككل على موعد مع الدخول في نفق مظلم مجهول النهاية.