الاتحاد الأوروبي… الى أين؟ | بقلم د. عبد السلام النابلسي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في ظل تطورات الأزمة الاوكرانية وانعكاسات ظلالها على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى الاقتصاد الأوروبي بشكل خاص، وبعد تسارع وتيرة العقوبات المتبادلة بين تحالف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة وبريطانيا من جهة وبين الاتحاد الروسي الذي لم ينتظر طويلًا في الرد على تلك العقوبات من جهة اخرى، فقد استطاع تطويع شركات النفط في دول الاتحاد الأوروبي والرضوخ لشروطه المالية واجبارهم على تسديد ثمن النفط بالعملة الروسية، ليواصل عقوباته على الاتحاد الأوروبي بتقنين تدفقات الغاز بنسبة تتجاوز ٥٠%، الأمر الذي خلق حالة ذعر غير مسبوقة تهدد أمن واستقرار الدول الغربية المستهلكة للغاز الروسي.
ولنأخذ مثالًا حيث يشكل الغاز الروسي ٦٠% من إجمالي استهلاك الاقتصاد الألماني الاكبر في أوروبا من الغاز، ونسب متفاوتة بين ٣٠% و ٥٥ % في الدول الأوروبية المستهلكة للغاز الروسي، وفي خضم تراجع تدفقات الغاز ستشهد اورويا ترشيدًا في الاستهلاك وستشهد العديد من الصناعات تراجعًا حادًا في حجم الإنتاج وتوقف كامل لبعض الصناعات من أجل المحافظة على تغطية متطلبات الغاز المنزلي والصناعات ذات الأولوية.
هذا المشهد يحدث في ظل تضخم تاريخي وما زالت حدته متسارعة تسابق الزمن وأثاره على المجتمع أصبحت لا تطاق، وهذه الاغلاقات لبعض الصناعات أو تراجع الإنتاج الصناعي ستقضي على العديد من الوظائف، والاهم انه سيؤثر بشكل مباشر على الشركات متعددة الجنسيات وسلاسل التوريد الصناعي حول العالم وستشهد القارة العجوز ارتفاعًا في مستويات البطالة بسبب الاغلاقات المباشرة لبعض الصناعات او تراجع حجمها او بسبب ارتباطها المباشر بصناعات اخرى وبالتالي سنشهد تراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي وتراجعًا حتميًا في النمو الاقتصادي وستكون مؤشرات البطالة والتضخم والركود عصيبة على اقتصادات هذه الدول .
لكل بدائل مصادر الطاقة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والطاقة الناتجة من الماء (طاقة الهيدروجين) والفحم الحجري ومصادر الغاز من القارة الأفريقية، لكلها ايجابيات وسلبيات وذات كلفة عالية على كلف الانتاج بشكل عام ولن تكون اوروبا قادرة على الاستغناء عن الاتحاد الروسي كمصدر رئيسي للغاز والنفط والمنتجات البترولية والفحم والاسمدة واليورانيوم منخفض التخصيب الذي يستخدم في المحطات النووية الروسي على المدى القريب ولا حتى على المدى المتوسط .
لم تعد بريطانيا والولايات المتحدة تكترث لما قد يحدث في الاتحاد الاوروبي، بل على العكس فلطالما كانت الولايات المتحدة تستخدم أوروبا لخدمة مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية، والمرحلة القادمة ستكون عصيبة ايضًا على الاقتصاد الأميركي والبريطاني وعلى اقتصادات أغلب دول العالم مما سيدفع بالولايات المتحدة لاتخاذ قرارات هامة في ظل التحديات الداخلية بسبب التضخم المفرط وتراجع احتياطي النفط وأزمة الامن الغذائي العالمي وسيبقى الاتحاد الاوروبي وحيدًا في مواجهة التحديات التي لن تنتهي دون الجلوس الى طاولة المفاوضات وانهاء النزاع القائم في شرق القارة الاوروبية .