التعبئة…الإستفتاء… ثم العودة للوطن الأُم : موسكو تتهيأ إلى حسم المعركة | بقلم د. عوض سليمية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
مع دخول العملية العسكرية الروسية شهرها السابع، وبعد إطمئنانه على صحة دوران عجلة الاقتصاد الروسي وقدرته على الصمود بالرغم من الاف العقوبات المفروضة من الغرب، ونجاحه في تصليب جبهته الداخلية الروسية، الى جانب حشد الحلفاء وتمتين العلاقات مع الدول الصديقة، بالمقابل، ظهور تصدع علني في النواة الداخلية لحلف الناتو مع انطلاق المظاهرات الاحتجاجية في عواصم الغرب وانقسامات ظاهرة للعلن في المواقف تجاه استمرار تغذية الحرب في اوكرانيا، واستجابة لمناشدات كثيرة سبق وأن أطلقها قادة الجيش الروسي، وفي مقدمتهم الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف للاسراع في حسم المعركة وعدم انتظار قدوم فصل الشتاء، اعلن سيد الكرملين فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط للجيش الروسي، نحو 300.000 عسكري سوف يلتحقون قريباً لجبهة القتال على طول قوس المواجهة العسكرية والبالغ طوله 1000 كم، بين احفاد الجيش الاحمر والنازيين الجدد المدعومين بالسلاح الغربي.
قرار بوتين اعلان التعبئة يذكرنا بقرار سلفه جوزيف ستالين قائد الامبراطورية السوفييتية عندما أعلن التعبئة العامة في الحرب العالمية الثانية ضد المانيا النازية ودول المحور، وحشد ما يقرب من ستة ملايين مقاتل من الجيش الاحمر الذين سحقوا جيوش النازية في ستالين جراد، وأعلنوا هزيمتها من برلين. من جديد يواصل بوتين جهوده لاعادة بعث امجاد روسيا، ويعيد التأكيد على عقيدته المتمثلة في وحدة اراضي روسيا الام، وهي الضرورة الاستراتيجية الرابعة التي اضافها بعد انتخابه رئيساً عام 2000، جوهرها “استعادة الاصول الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية التي خسرتها الدولة السوفييتية في عام 1991”. بعبارة اخرى، فإن مواطني الجمهوريات المستقلة في اوكرانيا الشرقية في حال نجاح استفتائهم للانضمام الى روسيا، تصبح اراضيهم جزءاً اصيلاً من الارض الروسية، وبالتالي تشملهم استراتيجية الحماية تحت المظلة النووية الروسية. بمعنى، لا مفاوضات بعد تمرير الاستفتاء، وأن أي اعتداء على هذه الجمهوريات يعتبر اعتداء على موسكو، الامر الذي يستدعي الدفاع عنها بكل ما هو متاح بما فيها اسلحة الدمار الشامل بنوعيها “التكتيكي والعابر للقارات”. مذكراً الغرب بأن الرياح النووية ستنعكس نحوهم.
بعد يوم واحد فقط من إجتماع ممثلي برلمانات الاقاليم والمقاطعات المحررة في اوكرانيا الشرقية والتي تشمل جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا، وإعلان رغبتهم إعادة الوحدة مع روسيا الاتحادية. استجاب الرئيس بوتين لرغباتهم، وهو ما اعلنه فعلاً على طريقته المعهودة “من أجل الوطن الذي ليس لدينا غيره، سنقاتل”، بهذه الكلمات يدشن قيصر الكرملين مرحلة متقدمة من مراحل طي العهد الامريكي. ومطلقاً تحذيره الاخير لقادة الناتو، مفاده بأن استقلال، سلامة، ووحدة الاراضي الروسية هو جوهر العقيدة العسكرية الروسية، وأن الجيش الروسي سيضرب بكل ما لديه من سلاح، بما فيها السلاح النووي إذا فكر الغرب بملامسة الخطوط الحمراء الجديدة للامبراطورية الروسية التي سيرسمها الاستفتاء القادم، وأن هذه التهديدات ليست خدعة، وفقاً لبوتين، ليس فقط في حالة استمرار سلاح الغرب في قصف محطة زاباروجيا للطاقة النووية وما يشكله ذلك من تهديد نووي قاتل، وانما استمرار تصريحات بعض قادة الناتو عن امكانية استخدام اسلحة الدمار الشامل ضد روسيا.
تهديدات الكرملين الجادة وجدت طريقها الى البيت الابيض، الذي تتنفس إدارته بصعوبة هذه الايام، وأنهم يأخذون هذه التهديدات على محمل الجد، في السياق، رد الرئيس الامريكي بايدن من على منصة الامم المتحدة، بانه لن يسمح بإندلاع حرب نووية لان الجميع سيكون فيها خاسر، وانه يرغب في انهاء الحرب الاوكرانية بشروط عادلة، دون ان يفصح عن ماهية هذه الشروط. وعلى الطرف الاخر التابع لواشنطن، تباينت تصريحات قادة دول المحور الغربي، فسارع رئيس الوزراء البلجيكي الكسندر دي كرو الى تقديم نصيحة لنظرائه بضرورة وقف الاستفزازات الموجهة نحو موسكو، ولا داعي لاشعال النار. لكن بريطانيا – صاحبة اكبر جريمة بحق فلسطين عبر التاريخ، لا تستمع للنصائح، وكان لها رأي آخر، هو استمرار القتال حتى آخر اوكراني، وهو ذات الموقف الذي عبر عنه جوزيف بوريل منسق عمليات الناتو، بأن دول المحور لن تنخرط في الصراع بشكل مباشر، لكنهم مستمرون في تحويل الجيش الاوكراني الى علف للصواريخ الروسية.
يبدو ان قناعات بوتين باتت تتعزز، بان المحور الغربي لديه إصرار كبير على تدمير روسيا كما فعلوا بجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، من خلال مواصلتهم الدعم العسكري للجيش الاوكراني، الى جانب الإفشال المتعمد للمفاوضات بين الطرفين، وفقدان زيلينسكي القدرة على اتخاذ القرارات بفعل التحكم الامريكي، ولذلك جاء قراره باعلان التعبئة العسكرية للاسراع في حسم المعركة، واستجابة لرغبات المواطنين وممثليهم في الاراضي المحررة للعودة الى الوطن الام، نحو رسم خارطة سياسية جديدة لروسيا الاتحادية حدودها من الشرق نهر دنيبر، ليتغير بذلك شكل الخارطة السياسية الحالية لاوكرانيا تمهيداً لتصفيتها في بازار المتسابقين الغربيين، خاصة بولندا الطامعة في استعادة الجزء الغربي من اوكرانيا المُقتطع من اراضيها بعد الحرب العالمية الثانية من وجهة نظرهم، لذلك ارى ان بوتين جاد في تنفيذ تهديداته النووية بما فيها التكتيكية، كما كان جاداً في إطلاق عمليته العسكرية لوقف توسع حلف الناتو نحو الاراضي الروسية، فكلا الموقفين، توسع الناتو وحماية وحدة وسلامة التراب الروسي، تستدعيان من بوتين استخدام كافة ما لديه من امكانيات عسكرية بما فيها النووية للحفاظ على الامن القومي الروسي، مستحضراً بذلك عبارته الشهيره، ما فائدة العالم بدون روسيا.