تحذير نعوم تشومسكي منذ 2015 بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو
نشر هذا المقال قبل شهرين في Ideapod
غزت روسيا أوكرانيا قبل أسبوعين، وذلك بعد سنوات من التوتر. يأتي ذلك بعد الحرب الأهلية منذ عام 2014 في شرق البلاد بين الانفصاليين المدعومين من الكرملين والقوات الأوكرانية الموالية للغرب.
تتطاير الاتهامات والمؤامرات وتقارير مختلفة حول العالم مع احتدام الحرب ويعاني المدنيون ويلات الحرب وتتمزق العائلات.
يقول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إن هذا خطأ روسيا بالكامل، لكن الفيلسوف والكاتب السياسي البارز نعوم تشومسكي يقول إنه كان من الممكن تجنب كل هذا.
في مقابلة عام 2014 مع إيمي غودمان من منظمة الديمقراطية الآن، أصدر تشومسكي تحذيراً واضحاً بشأن أوكرانيا.
تحدث تشومسكي بعد وقت قصير من مقتل السياسي الروسي المعارض لسياسة بوتين بوريس نيمتسوف، وقال إن إدارة أوباما في ذلك الوقت لم تكن تفكر في خلفية الصراع في أوكرانيا وكانت تتصرف بقصر النظر.
وفقاً لتشومسكي، فإن الضغط الغربي لحمل أوكرانيا على الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان خطأ كبيراً قد يؤدي إلى حرب مع روسيا.
“ماذا يحدث لحلف الناتو؟”
أوضح تشومسكي في مقابلة عام 2015: “الخلفية تبدأ بسقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1989”.
في عام 1990 كانت هناك مفاوضات بين الرئيس بوش وجيمس بيكر من جهة وميخائيل جورباتشوف من جهة ثانية حول كيفية التعامل مع القضايا التي نشأت في ذلك الوقت. السؤال الحاسم هو ماذا سيحدث لحلف الناتو؟
كما يشرح تشومسكي، كان السبب الكامل لإنشاء التحالف الغربي لحلف شمال الأطلسي هو منع روسيا من السيطرة على أوروبا الغربية بعد هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية. عندما قال جورباتشوف نعم للسماح لألمانيا بإعادة التوحيد، كان ذلك بمثابة تنازل للغرب عن فكرة حلف وارسو.
أعطى حلف وارسو السوفييت أحكاماً للدفاع الجماعي ومعاهدة مع الغرب لحماية مصالحهم في بحر البلطيق وأوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية.
يشير تشومسكي إلى أن إذن جورباتشوف كان اتفاقاً شفهياً أو “مقايضة” انتهكته الإدارات الأمريكية والدول الأوروبية بشكل صارخ، مما أدى إلى الحصول على أسلحة على الحدود الروسية بالقرب من كالينينجراد ودول البلطيق.
تداخلت ثورة ميدان 2014 الملونة التي أطاحت بالزعيم الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في عام 2014 مع الحرب الأهلية في شرق أوكرانيا، والتي قال تشومسكي إنها زادت من حدة التوتر.
القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لموسكو جاءت عندما اتخذت أوكرانيا بعد ذلك خطوات حقيقية للحديث عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
“أعني أنه يمكننا أن نتخيل على سبيل المثال كيف كانت سترد الولايات المتحدة، خلال الحرب الباردة، إذا امتد حلف وارسو إلى أمريكا اللاتينية، وكانت المكسيك وكندا تخططان الآن للانضمام إلى حلف وارسو”.
أزمة الصواريخ الكوبية 2022
دعونا نكون واضحين: آخر مرة كان فيها العالم قريباً من الحرب النووية في خريف عام 1962 أثناء أزمة الصواريخ الكوبية. حدث هذا عندما حاول الاتحاد السوفيتي وضع أسلحة نووية بالقرب من الولايات المتحدة في الجزيرة الاشتراكية كوبا.
كادت الأزمة المتوترة التي استمرت أسبوعين أن تُنهي الإنسانية التي نعرفها، بسبب مواجهة بين الرئيس الأمريكي جون كندي والزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف. لم يتم تجنب الحرب النووية إلا بصعوبة بعد أن وافقت الولايات المتحدة على عدم غزو كوبا الموالية للاتحاد السوفيتي وإزالة أنظمة الأسلحة القوية من تركيا.
يقودنا هذا إلى اليوم بحيث أصبح لدينا وضع قريب مما يمكن تسميته النسخة 2022 من أزمة الصواريخ الكوبية، باستثناء هذه المرة أزمة الصواريخ الأوكرانية.
يقول تشومسكي إن الأزمة التي اشتدت في أوكرانيا في عام 2014 جاءت نتيجة للعقلية الغربية التي تؤمن أساساً بأننا نمتلك العالم ويمكننا إخبار الدول الأخرى بما يجب القيام به.
حيث قال: “هذا جزء من مفهوم أننا نمتلك العالم أساساً ولدينا الحق في فعل أي شيء بالطريقة التي نحبها ولايحق لأحد الوقوف في وجهنا”، مضيفاً:
“في حالة أوكرانيا – مرة أخرى، بغض النظر عما تعتقده بشأن بوتين أو تعتقد أنه أسوأ وحش منذ هتلر- لا يزال لديهم في روسيا قضية وهي حالة لا يريد أي من القادة الروس التساهل بها وهي عدم قبول التحرك الأوكراني للانضمام إلى الناتو ولا إلى الاتحاد الأوروبي ربما”.
تشومسكي: كان بإمكاننا منع الحرب
وفقاً لكلمات تشومسكي في عام 2015، كان حل الأزمة الأوكرانية في ذلك الوقت بسيطاً: الوعد بأنهم لن يكونوا مطلقاً دولة عضواً في حلف الناتو في المستقبل ولاجزءاً من كتلة القوى الغربية.
ببساطة شديدة، كل ما تريده روسيا هو إبعاد الأسلحة الأمريكية والمساعدات العسكرية إلى خارج أوروبا الوسطى والشرقية وتريد ذلك بعيداً لدرجة ما يكفي لشن غزو وحشي وقصف المدن الأوكرانية.
ليس هناك شك في أن فلاديمير بوتين استبدادي فاسد أمر بقتل خصومه السياسيين ونهب أمته لمصلحته الخاصة وانخرط في خطاب عدائي. كما لا يوجد أي عذر لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين والاعتداء على أوكرانيا.
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد تفسير أو أن كل ما نراه يحصل قد جاء من العدم. إن عدم أخذ موقف روسيا بعين الاعتبار، مهما كان بوتين سيئاً، يمكن أن ينهي حياتنا كلها في المستقبل القريب.
“بلاشك نحن نتجه نحو وضع خطير للغاية. يستخدم علماء الذرة الأمريكيون مصطلح ساعة يوم القيامة Doomsday Clock، أنا أظن أنها قد أصبحت قبل منتصف الليل بدقيتين أو ثلاث دقائق. يعني أنها قريبة جداً”.
قال تشومسكي إن الخطاب المناهض لروسيا ذكّره بفترة الالتحاق بالجامعة في الخمسينيات من القرن الماضي أثناء ذروة الذعر الأحمر عندما اتُهم العديد من المثقفين والشخصيات العامة الأمريكية بأنهم ينامون في الفراش مع الاتحاد السوفيتي.
وهذا يتم في أيامنا وعصرنا لإسكات المعارضة مرة أخرى ودفعها إلى مواجهة غير ضرورية مع موسكو.
هل كان تشومسكي على حق؟
بالنظر إلى مسار الأحداث، كان تشومسكي على الأقل محقاً في الغالب بشأن تنبؤاته المستقبلية. اتضح أن منطق بوتين للهجوم على أوكرانيا كان مدفوعاً بشكل كبير بالتوسع الغربي وأحداث ميدان التي جرت عام 2014.
في إشارة إلى أسباب غزو أوكرانيا في أواخر فبراير من عام 2022، أدرج الزعيم الروسي فلاديمير بوتين هذا كأحد أسبابه الرئيسية، موضحاً أن الوعود الغربية بعدم توسيع الناتو شرق ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كانت كذبة صريحة.
وطالب بوتين أيضاً بأن الإثنتي عشر دولة أخرى في وسط وشرق أوروبا التي انضمت إلى الناتو بعد مايو 1997 مثل بولندا ودول البلطيق أن لا تكون أرضية لإطلاق أي أسلحة غربية أو إطلاق صواريخ أولنصب أنظمة دفاع.
تجدر الإشارة إلى أن بوتين كرر هذا المطلب للقادة الغربيين وإدارة بايدن مؤخراً في ديسمبر من عام 2021.
كما كرر بوتين مراراً وتكراراً بأن أوكرانيا ليست دولة حقيقية، بل هي من صنع البلاشفة الذين استخدموها لإضعاف وتفتيت القوة الوطنية الروسية.
وهذا يشبه إلى حد كبير أيضاً الحجة التي استخدمها بوتين في عام 2014 أثناء ضم شبه جزيرة القرم. مما سبب وقتها ذكريات مزعجة عن الإمبريالية الروسية وسياسات التجويع التي استخدمها جوزيف ستالين لقتل ملايين الأوكرانيين خلال المجاعة الكبرى.
كما استخدم بوتين مناطق دونباس الانفصالية في دونيتسك ولوغانسك كحالات لانتهاكات أوكرانية وقتل مدنيين لتبرير هجومه. إذ أنه من المؤكد كان هناك لاجئون تدفقوا إلى روسيا من شرق أوكرانيا بسبب العدوان الأوكراني، وفكرة أن شكواهم خيالية أو تم استخدامها من أجل قيمة دعائية هي فكرة غير صحيحة.
الخلاصة هي:
لم يعرف أحد على وجه اليقين أن بوتين كان سوف يغزو أوكرانيا الشهر الماضي كجزء من خطة أوسع لإعادة بسط قبضة روسيا على أوروبا الشرقية والوسطى وترسيخ قبضته على شرق أوكرانيا.
ما نعرفه على وجه اليقين هو أن تشومسكي كان محقاً في أن ترشيح عضويتها لحلف الناتو وإطلاق أنظمة أسلحة على أراضيها كان أحد أسباب الحرب التي استشهد بها بوتين لحربه التي زادت الأمور سوءاً.
صحيح أن بوتين هدد بشن حرب نووية إذا تدخل الغرب بشكل مباشر لمساعدة أوكرانيا، لكن الآلاف من المقاتلين الأجانب من العديد من البلدان يقاتلون الآن في الفيلق الدولي الأوكراني ضد روسيا، ويتم شحن الطائرات الأمريكية إلى بولندا ثم إلى أوكرانيا، ولكن حتى الآن لم يحدث صدام بين روسيا والناتو.
ومع ذلك، فإن مطالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بشأن منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستؤدي حتماً إلى اشتباكات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وربما نشوب صراع نووي، ولهذا السبب لم يتجنب الناتو الاتزام بذلك حتى الآن.
في هذه الأثناء، يموت مدنيون أبرياء ويقذف الشباب من كلا الجانبين في الثلج ليموتوا في أشلاء مشوهة. ربما كان تشومسكي على حق: لا يجب أن يكون الأمر هكذا.
إعادة التفكير في السياسة الخارجية
مهما كان رأيك في فلاديمير بوتين، فإن فكرة أنه مجرد مجنون هي فكرة سهلة للغاية. إنه مظهر من مظاهر السياسة الخارجية الروسية والغضب والقلق الذي ظل يغلي منذ عقود كما يشير تشومسكي.
التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين تثير التساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يحاولان حقاً تجنب الحرب. تتضح الأمور أكثر فأكثر كما لو أن الغرب استخدم أوكرانيا كدرع بشري لاستعداء روسيا ودفعها إلى الإنهيار الاقتصادي.
علّق بلينكين على وفاة شقيق بوتين الرضيع فيكتور أثناء حصار لينينغراد المروع في 1942-1943، وهو موضوع شديد الحساسية بالنسبة لبوتين بل نقطة شخصية جيداً بالنسبة له.
لماذا يفعل بلينكين هذا؟
هل تريد الولايات المتحدة الحرب؟ وإذا حدث ذلك، فلماذا تتوقع أن تخوض أوكرانيا تلك الحرب نيابة عنها بالوكالة؟
يبدو تحذير تشومسكي أكثر بصيرة ونحن ننزلق إلى الهاوية.
مصدر المقال: اضغط هنا