روسيا وإسرائيل : علاقة مرتجفة، هل تبقى كذلك ؟؟ | كتب د. ناجي صفا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
طرحت الحرب الروسية – الاوكرانية طبيعة العلاقة الروسية – الإسرائيلية وصعوبة الخيارات التي تحكم طرفي العلاقة.
فمع اندفاعة الغرب، الأميركي خاصة، باتجاه الزحف نحو روسيا وتشديد الحصار عليها من خلال تمدد حلف شمال الاطلسي باتجاه حدودها، كانت نقطة الفصل في الإنقلاب الذي تم ترتيبه في اوكرانيا عام ٢٠١٤، وتحويلها الى دولة معادية يمكن ان تشكل خنجرا في الخاصرة الروسية.
قامت روسيا ردًا على ذلك بسلسلة خطوات من بينها استعادة جزيرة القرم من اوكرانيا، لكنها لم تعتبر ان هذه الخطوة كافية لتحصينها استراتيجيا رغم اهميتها، قامت بالتوسع نحو سوريا، نقطة الإشتباك المهمة مع الاميركي في منطقة نفوذه الشرق اوسطية، وهي خطوة استراتيجية مهمة فاجئت كل من الولايات المتحدة واسرائيل معا.
كان على إسرائيل المنغمسة بالحرب على سوريا التعايش مع الواقع المستجد رغم ازعاجه لها بالحد نسبيا من حرية الحركة. عبر قادة اسرائيل عن ذلك بالقول انه اصبح لنا حدود مع روسيا جراء وجودها في دمشق.
وجدت اسرائيل نفسها مضطرة للتنسيق مع الحكومة الروسية، رغم انها لم تبتلع الوجود الروسي في سوريا ومحاذيره في الحد من حركة العمل هناك، لا سيما ان روسيا تمتلك قدرة التشويش الالكتروني على الإتصالات، وتأثير ذلك السلبي على حركة الطيران الإسرائيلي العسكري والمدني على حد سواء.
ضغطت اسرائيل عبر الاوليغارشية اليهودية في موسكو لبلوغ مستوى من التنسيق يسمح لها بحرية العمل الجوي ضد ما اسمته الوجود الإيراني في سوريا، والحد من تصدير الأسلحة الإيرانية الدقيقة والحساسة الى حزب الله.
مع انفجار الحرب الروسية – الاوكرانية وجدت اسرائيل نفسها في موقف لا تحسد عليه، فرغم التفاهم الروسي – الإسرائيلي الذي يخدم اهدافها في سوريا وحاجتها اليه، إلا انها تستطيع مخالفة الرغبات الاميركية في عملية الفرز العالمي الجارية حيال الحرب في اوكرانيا، وهي الحليف الإستراتيجي والرئيسي للكيان من جهة، والمحافظ على تفوقها الإستراتيجي الذي كفله جميع الرؤساء الاميركيين منذ اكثر من نصف قرن من جهة اخرى.
حاولت اسرائيل الظهور بمظهر “الحيادي” نسبيا، في الحرب الروسية الاوكرانية، والتي سرعان ما تحولت الى حرب عالمية وإستراتيجية ما بين روسيا والغرب، هي بحاجة الى عدم الإنحياز العلني ضد روسيا بسبب حاجتها للحفاظ على التفاهم الذي يعطيها حرية الحركة في سوريا، وفي ذات الوقت عدم التمرد على الرغبة الاميركية في تحديد موقف حازم من الحرب الدائرة في اوكرانيا، لا سيما انها تكتسب صفة حرب مصيرية ستقرر مستقبل العالم، كما موازين القوى العالمية، والتعددية القطبية، حرب بهذا الحجم لا يمكن لإسرائيل ان تكون فيها محايدة، فهي موضوعيا جزء من الحلف الإستراتيجي الغربي من جهة، وترتبط بعلاقات عميقة مع أوكرانيا وقيادتها اليهودية وحليفتها من جهة اخرى.
انها علاقة مساكنة مفروضة على كلا الطرفين، لإعتبارات خاصة تتعلق بكل منهما، سواء من جهة المصالح الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل في ما يتعلق بحرية حركتها في سوريا، ومن جهة روسيا تتعلق بالتوازنات الداخلية ونفوذ الحركة اليهودية داخل روسيا.
ستبقى الامور على هذه الحالة طالما لم يحسم الصراع في اوكرانيا، وطالما ان ثمة امكانية اسرائيلية للظهور بمظهر المحايد رغم تورطها النسبي في الحرب الاوكرانية، لكن المؤكد ان روسيا ستجد نفسها في لحظة معينة وربما فارقة، مضطرة للخروج من هذه العلاقة الرمادية، هي تدرك ان اسرائيل منحازة للعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب، ولا تستطيع الخروج على ارادتهما وتوجهاتهما مهما حاولت الظهور بمظهر المحايد نسبيا.