الاحدثالشرق الاوسط
أثر الدبلوماسية الناعمة للبعثات الأجنبية في العراق | بقلم علي الهماشي
قبل أن اكتب هذا الموضوع كنت أتناول موضوعاً مشابهاً ، وهو بعنوان “الدبلوماسية الناعمة ..الصين نموذجاً”ولكني تركته ولم أُكمله ، لأُباشر بموضوع أكثر أهمية بالنسبة لي ، لأنه يتعلق مباشرة بالعراق وهو أثر الدبلوماسية الناعمة للبعثات الدبلوماسية في العراق ،ولهذا إرتأيتُ أن أُناقشه ، ثم أعود لموضوع الدبلوماسية الصينية الناعمة إن شاء الله !.
وقبل أن أتطرق لهذا النوع من الدبلوماسية ،وأثرها لا بد من تقسيم مراحل العمل الدبلوماسي الأجنبي في العراق التي هي انعكاس لعلاقات العراق الدولية .
مراحل العلاقات الدولية مع العراق:
يُمكنني أن أُقسمها الى مراحل خمسة وهي مراحل تواجد البعثات الدبلوماسية في العراق على شكل نقاط سريعة لأنها تدخل في صلب الموضوع حيث ودون تفصيلات كثيرة قد ترهقنا بسبب تشعبات كل مرحلة منها قد تبعدنا عن موضوعنا الرئيس.
المرحلة الاولى قبل 2003:
لاشك أنَّ العلاقة بين العراق والعالم قد تغيرت بشكل جذري ، فقبل 2003 كان هناك نظاماً منبوذاً عالمياً يتسلط على الشعب العراقي الذي مورس بحقه حصارٌ جائرٌ كعقوبة لهذا النظام كما هو الظاهر ، إلا أن المتضرر الأكبر ك لمرحلة الثانية :بعد سقوط النظام : ان الشعب العراقي ، فالعراق كان بين حصارين دبلوماسي واقتصادي .
المرحلة الثانية، بعد سقوط النظام :
وبعد 2003 تحول العراق إلى بلد محتل ، مع فتح ساحة العراق ليكون مسرحاً لقتال الولايات المتحدة مع أعدائها المفترضين ، ثم انتقلت السيادة للعراقيين ،وتم رفع الحصار الاقتصادي بينما بقت الأُمور من الناحية السياسية بين شد وجذب ، فبعض الدول سارعت في تواجد بعثاتها الدبلوماسية بحسب الهدف المرجو منه ، وبلدان انكمشت وترددت في تواجد بعثاتها لامور خاصة بها ، أو خشيتها أنَّ ذلك يمثل إعترافاً بنجاح التجربة الأمريكية ومن ثم انتقالها الى بلدانها .
المرحلة الثالثة :
ثم كانت المرحلة الثالثة بعد 2014.
حيث تعرضت ثلث اراضي العراق لهجمة إرهابية ووقعت تحت سيطرته و كادت أن تعصف بجغرافيته لتسجل كبريات الصحف الأمريكية عنواناً اسمه ( نهاية العراق).
كانت هذه الفترة أشبه بالفوضى نتيجة عدم استقرار الجيش، والقوى الامنية مع تأخرٍ في تشكيل حكومة جديدة .
بدأت الفوضى بالانحسار تدريجياً بعد تشكيل حكومة جديدة.
و شهد العراق انفتاحاً دبلوماسياً (غريباً ) ، في مشهد غريب بلد تحتل العصابات الإرهابية ثلث أراضيه ، وإقليم يفكر في الانفصال بمعنى تهديده داخلي ،لكنه يدخل تحالفاً عالمياً لمحاربة الإرهاب ويكون رأس حربته ويبدأ انفتاح سياسي لم يشهده العراق من قبل، بل استطاع أن يجمع عدوين ليقاتلا عدواً اخر في حالة من حالات التخادم التي تحتاج الى تحليلات وكتب لوصفه .
ومع الانتصار على داعش و كسر شوكته العسكرية بدأت المرحلة الدبلوماسة الرابعة.
المرحلة الرابعة :
هذه المرحلة ابتدأت مع بدايات عمليات التحرير بفقدان داعش لسيطرتها على معظم الاراضي العراقية التي احتلتها ،فقد انتقل العراق من وضع الدفاع الى الهجوم ، وأصبح تحرير جميع الأراضي أمراً وشيكاً ،كان ذلك متزامنا مع التحضير لاعمار المناطق المحررة واعادة النازحين الى مناطقهم .
وبذلك نشطت البعثات الدبلوماسية للدول المانحة وللمنظمة الاممية، و اطلقت لمنظماتها (الانسانية) اليد للعمل بالعراق .
فشهد العراق انفتاحاً كبيراً ، وأصبح بيئةً جاذبةً للدبلوماسية العالمية ،بعد أن كان القلق والخيفة يمثلان هاجساً للعاملين الدبلوماسين فيه، و ليس سراً إنَّ أغلب البعثات الدبلوماسية كان العاملون فيها من خلفيات مخابراتية وعسكرية ، وكنا نرى افتقاد بعضهم لاوليات العمل الدبلوماسي ،أو تفضح تصرفاتهم خلفيتهم السابقة !!.
المرحلة الخامسة، الدبلوماسية الناعمة :
لاشك إن هذه التسمية مجازية ، ولكنها مجاز حقيقي يستند الى الواقع ، وليس من مخيلتي ، او إنها تحليل فقط دون الاستناد الى معلومات مؤكدة .
مواقع التواصل نقطة تحول في الدبلوماسية :
مع انتشار أدوات التواصل الجماهيري كان العراق من ضمن البلدان التي انتشرت فيه مواقع التواصل الاجتماعي دون حظر لأي منها ، فكل التطبيقات تعمل في العراق وهي بلا شك من مفارقات العراق الكثيرة ،واستفاد منها الكل ، بما فيها التنظيمات الإرهابية التي كانت اكثر حذراً وأشد انتباهاً لاستخدام الانترنيت مقارنةً باستخدامها من قبل المسؤولين الامنيين ،ومن بعدهم السياسيين في العراق.
لقد أدى انتشار مواقع التواصل الى اختصار المسافات والى استهداف حشود بشرية مختلفة من كافة الفئات بل وهناك متطوعون مجاناً لنقل المشاركات الى اخرين ،فتكون دعايةً مجانية ، وتكون عاملا مساعداً في وصول الرسائل إلى أعداد أخرى .
معنى الدبلوماسية الناعمة :
يربط عدد من الكتاب بين القوة الناعمة وبين الدبلوماسية الناعمة ، ويبدو أنهم محقين في الكثير من التفاصيل مع وجود ملاحظات هنا وهناك فيما يتعلق بالقوى الناعمة وعلاقتها بالدبلوماسية .
لقد ظهر مفهوم القوة الناعمة كمصطلح عن طريق المفكر الأمريكي الدكتور (جوزيف أس ناي )الذي عمل في المجال الأمني وبالرغم من أنه درس كطالب لكيسنجر كما عبّر عن ذلك بنفسه “كنت طالباً ومن ثم زميلاً له” ومن إلا أنه ينتقد أساليبه عندما كان رئيساً للدبلوماسية الأمريكية قم بعدها أكبر منظر سياسي لها،
أما جوزيف ناي فقد ظهر تأثيره واضحا في إدارة أوباما ، لاشغاله لمناصب حساسة غير ظاهرة للوهلة الأولى إلا حينما تبحث في مهام هذه المراكز ، و يظهر لنا مدى تأثيره على هذه الادارة التي تبنت سياسة القوة الناعمة بشكل واضح ،فبعد الفوضى الخلاقة لإدارة بوش كانت القوة الناعمة لإدارة اوباما .
وبالاطلاع على تعريف الدكتور جوزيف ناي للقوة الناعمة نستطيع المقاربة بينها وبين متبنيات إدارة أوباما، وكان قرار الإنسحاب من العراق أوليات التحول من فرض القوة الى قوة الفرض.
لقد عرف الدكتور (ناي) القوة الناعمة بأكثر من تعريف بحسب الترجمة التي وصلتني فالقوة الناعمة تعني ” القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الارغام ” وفي موضع اخر نرى تعريفا آخر فهي ” سلاح مؤثر يسعى الى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلا من الارغام أو دفع الأموال”. وسأترك اداء وسلوك إدارة أوباما التي جاء ذكرها عرضياً
وأذكر تعريفاً آخر يكون أكثر اقتراباً من الفكرة فالقوة الناعمة تعني ” وسيلةً لتسويق الفكرة أو مفاهيم سياسية أو اجتماعية ..” .
سلوك البعثات الدبلوماسية في العراق:
وأعود الى سلوك البعثات الدبلوماسية في العراق من خلال انتهاجها الدبلوماسية الناعمة حيث دأب أفرادها على تسويق المفاهيم التي يحملونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال لقائهم بالمنظمات والمؤسسات البحثية العراقية التي أُنشات تحت اشرافهم وبدعم منهم او بتمويل منهم .
لقد مارس الكثير من السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في العراق دبلوماسية ناعمة .
وما يمكنني تسجيله هو الحضور الاعلامي اللافت لمجموعة من سفراء الدول لدى العراق ، في عملية (فرض دبلوماسية ناعمة) لا تستطيع الدولة العراقية وحكومتها أن تقف بالضد منها ،فهي لا تعارض العرف الدبلوماسي السائد ،ولم يُسجل أن تجاوز أحدهم مهامه كسفير ، أو كدبلوماسي ، ولا نجد قوانين أو تعليمات تحد مثل هذا النشاط ،وربما كانت الأبواب أمامهم مشرعة لممارسة هذه الدبلوماسية .
وقد تحدثت مع بعضهم في أكثر من مناسبة وكانت ملاحظتي لهم أنكم تتمتعون بأريحية قد لا تجدونها في بلدان أُخرى ،ولا أخفي إنَّ بعضهم أيدني وبعضهم تحفظ ولم يجب بشيء!.
وكانت لوسائل التواصل الاجتماعي النصيب الأكبر من ممارسة الدبلوماسية الناعمة ،بتغريداتهم ،ونشر أفلام قصيرة لنشاطهم اليومي ،أو الرسمي ومما شجعهم على ذلك الإقبال الكبير في عدد المتابعين لهم ، ومشاركة هذه النشاطات في گروبات ومنتديات مواقع التواصل حيث تشهد تعليقات مختلفة بين مؤيد في أغلبها ومتحفظ أو متندر على مثل هذه النشاطات.
وما يهم القائم بالنشاط هو وصول المفهوم أو الممارسة التي أجراها إلى أكبر عدد من الناس بمختلف الشرائح .
وبعضهم انتهج الاسلوب المباشر باللقاء بالنخب المثقفة من خلال مراكز الدراسات او من خلال المنظمات وبعضهم التقى بالفعاليات الجماهيرية ومنها العشائر أو التجمعات النسوية وهكذا.
كل ذلك كان له أثر في الترويج لمفاهيم أرادها هذا الدبلوماسي أو ذاك ..
وبعضها تسللت الى أروقة الدولة العراقية ودخلت الى الوزارات كورقة عمل ، ولست في معرض ذكر الامثال لانها تبعدنا عن الموضوع العام الذي نتناوله ..
لقد كان لهذه الدبلوماسية الناعمة أثراً ايجابياً في فهم طبيعة المجتمعات التي جاءوا منها ، وآخر سلبي حيث انتقلت الينا مفاهيم غريبة مخالفة للفطرة الإنسانية دخلت في وعي شريحة من المجتمع وبدأ بتبني هذه المفاهيم البعيدة عن جذورنا وبعضها بعيد عن الفطرة الانسانية كما أشرت . وربما تشكلت بعض الظواهر الاجتماعية نتيجة لهذه الدبلوماسية الناعمة ، لكنها خطرة بخطورة الحرب الباردة .