من عاش سقوط الموصل في 2014 يرى أننا كنا على شفا حفرة الانهيار ،كانت الهزيمة قد تركت آثارها على وجوه الكثيرين.
وبدت بغداد خاليةً، وكانت بعض أغاني الحماسة تطلق من القناة الرسمية في محاولة لاعادة الثقة للنفوس وبث بعض الروح.
إلا أنها كانت شبيهة بأغاني النصر التي كانت تبث أيام الحرب العراقية الايرانية ،فقد كانت لاتسمن ولاتغني من جوع بل تزيد الوضع اكتئابا وقلقاً، كانت نكسة ً بكل ما لهذه الكلمة من معنى ،وقد صورها العالم بأنها قاتلة ورسم الاعلام صورة جديدة عبر عنها بنهاية العراق!.
وبدأ العالم يتجه الى استيعاب الامر ،والتعامل معه على أنه وضع قائم ٍ ولابد من التعامل معه.
ومازاد الطين بلة ان وضع تشكيل الحكومة أنذاك قد دخل مأزقا آخر ،وهو مازاد من تدهور الوضع ،فلايمكن للعراق مخاطبة العالم من أجل علاج هذا الوضع الخطير.
وهكذا جاءت المعالجة الاولى من قبل المرجعية في فتوى الجهاد الكفائي، ثم رسالة التكليف وانهاء الجدل.
وقد اجابت حينها على استفتاء حزب الدعوة لها ،فكان أن قررت أن يختار الحزب رجلا اخر من الحزب نفسه لتولي المسؤولية.
وتصدى لذلك الدكتور حيدر العبادي الذي امتلك رؤية وستراتيجية لاعادة الثقة وبناء الدولة..
وكان الرجل قد شخص الخلل في إنهيار الجيش أنذاك ،وقال إن الهزيمة كانت نفسية ،وانعدام التدريب!
ناهيك عن الفساد المستشري الذي لم يجد رقيبا ومحاسبا له!
كانت علاجاته وممارساته تأتي أُكلها دون ضجة وضجيج..
لم يألف قادة الجيش في حينها أن رجلاً مدنياً يناقشهم في قراءة الخرائط العسكرية ويحدد حركة القطعات العسكرية عليها.
وحاول بعضهم التهكم أو التململ ،وتبين في ما بعد أن هؤلاء لايفقهون شيئا في علم الخرائط!
وازن العبادي بين حماسة الحشد الشعبي وتنظيم القوات المسلحة الاخرى وخرج بتوليفة استطاعت أن تُحقق النصر المعجزة، ووازان بين حليفين للعراق وعدوين فيما بينهما واقصد بهما ايران والولايات المتحدة.
استطاع أن يِولِفَ التخادم بينهما لادامة زخم المعركة ولايؤثر عداءهما على سير خطط التحرير، كانت خطط التحرير المتسارعة لاتروق للاخرين الذين يريدون ثمناً ليس مسكوتاً عنه ،ولكن العراق كانت رسالته واضحة إنه يقاتل نيابة عن الكل وبالتالي فعلى الاخرين تسديد فواتيرهم بهذا المجال!!.
وتم التحرير في وقت قياسي ،ولكن هذا لم يكن سهلا وكانت لبعض الدول الاقليمية حساباتها وللولايات المتحدة حساباتها ايضا وقد تعرض العبادي في حينها لضغط هائل بعضه حدث في مناطق القتال ،وبعضه ترجم لحوادث أمنية،ومحاولات إغتيال إلا ان الامور سارت بهدوء ،ولم يكن الرجل آبها لتوظيف ذلك او عرض مظلوميته او التباكي لكسب عطف الجمهور الذي يعيش الانفعال والعاطفة في أغلب أوقاته!.
كان الهدف المرسوم هو التحرير وانتصر العراق وتحررت الموصل في معركة تجسدت فيها اخلاق الفرسان وكأنها معركة من معارك الاسلام الذي يجنب الاطفال والنساء القتل حتى وان كانوا من الدواعش وهو ما حصل في الأيام الأخيرة من معركة التحرير التي نالت اعجاب العالم أجمع، مما حدا بالأمم المتحدة بتكليف أساتذة مختصين لكتابة قصة التحرير قصة نجاح العراق فاصبح مثلا لذلك بعدما كان مثالا حيا للفشل.
وتحررت الموصل ولكن الغريب والعجيب ألا تجد لهذه الذكرى صدى في اعلامنا ولا شارعنا بالزخم المطلوب !!.
ان الامم تحاول ان تصنع لها مجداً معاصراً ولو من خلال الاحداث الرياضية.
ونحن صنعنا مجدا بدم أبنائنا الذين رووا أرض العراق وطهروها من دنس التكفير، دماء لم تذهب سدىً ونالت الشهادة بفتوى المرجعية الواعية الرشيدة التي بثت الروح وحولت حالة اليأس الى أمل وحماسة ولتكن قتلا في سبيل الله ،وستظل هذه المفارقة محيرة للعلماء كيف يمكن ان تتحول أُمة من اليأس والقنوط والخوف الى أمل وشجاعة وتفان من أجل الغير!
تحررت الموصل وعادت الى حضن العراق ولكني ارى تغافلا وتناسيا لهذا النصر العظيم، انها محاولة لتشويه الحقائق ، ومحاولة لمحو وحرف ذاكرة الشعب ،ولكن ماحققه ابطال التحرير لن ينسى وان لم نحتفل بالذكرى بالشكل المطلوب فهو قصور وتقصير لامبرر له.