إيران : هل تُنسي المأساة القصور والتقصير أم تدفع المسؤولين لتلافي الأخطاء و تطوير الملاحة الجوية .. | بقلم علي الهماشي
لا شك إنَّ حادثة مثل حادثة سقوط طائرة رئيس جمهورية ما يدع إلى التحقيق وإلى اكتشاف أسباب السقوط ،والى معالجة الخلل ومحاسبة المقصرين ان وجد مثل ذلك .
وما حدث لطائرة الرئيس الإيراني (رحمه الله ) يدعونا إلى هذا التساؤل مع استبعاد فرضية الإسقاط ، حيث لم يدعِ أو يجروء أحدٌ حتى هذه اللحظة على ادعاء الاسقاط لا من أعداء الخارج ولا معارضة الداخل ، فالادعاء يعرض صاحبه إلى العقوبات الدولية أو إلى الحرب من قبل إيران.
ولهذا سنترك فرضية الإسقاط ،ونتجه إلى مناقشة سقوط الطائرة بنظرة عامة.
التواضع في السلوك الإنساني لا ينبغي أن يكون على حساب الموقع السياسي :
عُرف عن المسؤولين الإيرانيين التواضع في الملبس وفي تنقلاتهم بين المدن ومن البيت إلى محل عملهم ويتناسون مكانتهم السياسية ، وهو سلوك إيراني مُحبذ ينتشر بين الكثير منهم سيما رجال الدين ،إلا الرئيس الراحل آية الله الشيخ رفسنجاني فإنه اختلف بذلك وانتقد ذلك لأنه يرى إن التواضع لا يُفسر بهذه الطريقة، وله حديث في هذا المجال لا مجال لذكره هنا ولا أحفظ النص أيضا.
بينما رأينا أحمد نجاد الرئيس الأسبق من قبل لم يكترث لا بلبسه ولا بتنقلاته وقد كتبت عنه الصحف العالمية في حينها وعدته الأول في (عدم الاناقة) و رخص ملابسه، و تكرر الأمر مع المرحوم السيد ابراهيم رئيسي في تنقلاته وفي أفراد حمايته لكن ذلك لا يخدم القضية في شيء .
فهم لا يمثلون أنفسهم فقط بل يمثلون دولة لها وزنها الكبير في الشرق الأوسط ،ولعلي أذكر حديثا لي مع أحد رؤساء الوزراء العراقيين حينما كان يتساهل في أمر حمايته الشخصية فقلت له أنت لا تمثل نفسك بل تُمثل العراق ،فكل مسؤول لا يستطيع التصرف وفق رغباته بل وفق ما تمليه عليه المسؤولية ولم تعد حياته ملكاً له بل ملك الشعب الذي يمثله .
وعليه فهؤلاء في مواقعهم السياسية لايمثلون أنفسهم بل يمثلون بلدانهم ولا ننسى وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للخليفة عمر بن الخطاب عندما أراد أن يخرج لقتال الفرس على رأس الجيش ، فأشار اليه ونصحه بعدم الخروج لانه يمثل رأس الدولة وأنه سيثير جيش الاعداء، ويقوي من عزيمتهم ، وبسقوطه وقتله قد ينهار الجيش ، وتكون العواقب وخيمة على الدولة الاسلامية .
تساؤلات لا بد منها :
تثير عودة المرحوم رئيسي من موقع الاحتفال مع الرئيس الأذربيجاني بإنشاء سد في المنطقة تساؤلات عديدة ،فهي لم تكن زيارة سرية بل رحلة من المفترض أنَّها تتضمن وضعاً بروتوكولياً لوجود رئيس دولة أجنبية ،وكذلك تحضيرات أمنية مسبقة لحمايته وحماية رئيس الدولة الضيف ، وكذلك الوفد المرافق له ،لكنَّ المشهد الذي جرى يوحي إلينا بأنَّ الامور تُركت دون تخطيط ، ولا أُغالي إنْ قلت إنها فوضى بكل معنى الكلمة حتى راح ضحيتها رئيس الدولة ووزير خارجيته وممثل المرشد الأعلى في تلك المنطقة وعدد آخر من أفراد الحماية وطاقم الطائرة.
و سأترك الجانب الأمني الذي يتضح أنه مفقود بكل معنى الكلمة فلا طائرة تحمي الوفد ،ولا استنفار للدفاع الجوي ولا ولا ولا كثيرة.
أما الجانب الفني فيبدو أن الراحل لم يستخدم طائرة خاصة بالرئاسة وأحتمل عدم وجودها في المراسم الرئاسية الايرانية ، وهو ما أشرت فيه الى التواضع في هذا المجال .
و كان على الطاقم الأمني أن يمنع الرئيس من ركوب الطائرة ،وإن أصر هو على ذلك ،فالله سبحانه وتعالى لم يجز للمؤمن أن يخرج عرياناً في ليلة من الليالي الشتاء القارص ويدع الله أن لا يتمرض بعدها!!.
واستخدام طائرة مروحية عادية دون أن تكون مزودة بأجهزة اتصالات حديثة ،ولا يكون لدى الركاب معدات السلامة و لا يكون فيها أجهزة تحدد موقعها كلها تثير الاستغراب .
كما إنَّ عدم انذار الطائرة بسوء الاحوال الجوية ، وعدم التواصل مع طاقم الطائرة أثناء الرحلة يثير الكثير من الشبهات بوجود تقصير في ذلك لا ينبغي أن يمر دون مساءلة ..
الحادث يكشف عن خلل كبير :
لقد كشف الحادث عن خلل كبير لدى أجهزة الملاحة الجوية ونقص كبير في المعدات اللوجستية ،ليتأخر الكشف عن موقع الحادث حتى وصول طائرة من دولة مجاورة (تركيا) كما إدعت السلطات التركية ذلك …
كما أن عدم الاستعانة بالدول الصديقة (روسيا ) وربما الصين بما يمتلكانه من أقمار صناعية تجوب المنطقة على مدار الساعة يمثل أيضا نوعاً من التغافل أو التعنت الغير مبرر في مثل هذه الازمات ، حيث تأخر الكشف عن موقع الطائرة المحطمة الى اليوم الثاني من الحادث.
كما ان تناقض التصريحات دلت على فوضى كبيرة باستثناء تصريح او بيان المرشد الأعلى السيد الخامنئي الذي طمأن الشعب الإيراني وإلا لبقى المشهد فوضوياً من كثرة التصريحات وتناقضاتها .
لقد فقد الشعب رئيسه في حادثة لانستطيع أن نستوعبها مع بلد يريد إطلاق قمر صناعي الى الفضاء ،ويتحدى دولاً معادية ويواجهها بصناعة عسكرية كبيرة ..
إنَّ الدول الكبيرة تناقش اخفاقاتها في الحوادث الصغيرة للطيران المدني وتؤشر على الخلل كي لا يتكرر الحادث مرة أُخرى ، فهل تتجاوز إيران المحنة وتناقش بجدية الخلل الذي ادى الى فقدان رئيس الجمهورية أم لا !؟
حتى هذه اللحظة لم يصدر بيان من الجهات المسؤولة بفتح تحقيق شامل ،لكن المسؤولين الايرانيين وعلى رأسهم المرشد الاعلى السيد الخامنئي لن يسمحوا بمرور هذا الحادث دون أن يؤشر على الخلل ويتم معالجته ،وإلا ستتكرر مثل هذه الحوادث لا سامح الله .