الشرق الاوسط

“الإمبراطور الأخير” كتب أكرم بزي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

قيل له استقيل فاستقال… وقيل له تنحى جانباً فالوقت ليس مناسباً الآن لك… فتنحى… قيل له استعد … فكلّف نفسه…
ثم ألِّف وخذ وقتك في التأليف حتى تأتيك الإشارة… قال لبيك وسعديك فأنا ها هنا طوع يديك وهذا المكان الطبيعي لي …
نعم… هكذا، لا شيء غريب في الأمر، لقد اعتاد اللبنانيون على هذا النوع من السيناروهات في تشكيل الحكومات، ولطالما كانت تأتي الإشارة من الخارج القريب أو الخارج البعيد، وليس من صنع الداخل إلا إذا كان هناك أحد من الداخل. الداخل الآخر الذي يجيد التعامل مع وظيفته وخاصة في تدوير الزوايا. نعم ولدينا من يملك مخيلة أهم المخرجيين الهوليوديين لا بل من هو يضاهي “أوليفر ستون” أو “برناردو برتولوتشي” في الإخراج السينمائي وكتابة السيناروهات والتقاط “الكادرات” المعبرة عن كل لحظة بلحظتها حتى إذا ما تطلب الأمر استعان بفريق من “السينمائيين الجاهزين” غب الطلب، فقط رهن الإشارة للقيام بأدوارهم أما “الكومبارس” فتكفي إشارة من إصبع القدم اليسرى الأيسر ليحضروا ويأخذوا أماكنهم المرسومة لهم بعناية.
إنه قدركم أيها اللبنانيون، لطالموا كنتم كذلك، والتاريخ يشهد منذ ما قبل قيام “لبنان الكبير” وأيام “القناصل” حتى يومنا هذا. لبنان المعجزة، لكن أية معجزة، لا أعرف إذا كان الإسكندر المقدوني (المعروف أنه كان يقود كل حروبه) كان على رأس الجيش المقدوني شخصياً عندما غزوا ديارنا، أم إنه اكتفى بمعرفة لبنان عن بعد، فيما تبقى في ذاكرتي أن أهل صور رفضوا طلبه لتقديم ذبائح في معبد “ملكارت”، وتوخوا حينها الحياد عن معاركه مع الفرس مما دفعه لتدمير “الجزيرة” بعد أن حاصرها ثمانية أشهر، ولطالما تأثر “الفينيقيون” بثقافة اليونانيين ولعل من “لعنة” هذه الثقافة أن كان لدينا الكثير من “النبوغ والذكاء والحنكة والدهاء”، على بعضنا البعض أكثر من العدو المفترض في كل عصر، فلدينا من عبقرية ومنطق أرسطو، ودهاء الإسكندر معاً، فتخيل الصورة!
لا أعتقد إن الطائفية هي السبب الرئيسي فيما يجري في لبنان، بل حتى لو كان لبنان كله من طائفة واحدة لتناحرت العائلات فيما بينها … إنه لبنان، ومن مفارقات هذا البلد العجيب أنه بإمكانك تقديسه وتقريعه في آن معاً، عجيب… ففيه من “ملوك الطوائف” إلى “لصوص الطوائف”، وبينهما بحر عميق من الانتهازيين والمتسلقين وأرباب التقاط الفرص من السماء وإن علت ومن القعر مهما خفض.
ما الفرق بين حكومة مستقلين وحكومة وحدة وطنية طالما أن المستقلين لن يكونوا مستقلين، بل سيكون ممثلين للأحزاب والطوائف ولزعمائها، الآن وبعد التكليف وبعد الاستشارات تتضح الرؤية أكثر والكل سيكون راضياً عن مسار التأليف، رئيس الجمهورية سيسمي ورؤساء الأحزاب سيسمون وبالتالي ستكون حكومة من الجميع وللجميع الا الشعب، فلماذا كل هذه الضبابية ولماذا الضحك على الناس. (نصف الحكومة سمي قبل التكليف).

فعقدة ترسيم الحدود سلكت في طريقها بعد الضغوط الهائلة التي تعرض لها لبنان، وكان المفاوض “الأبرع” ينتظر مبعوثي الخارجية الأميركية فريديرك هوف وديفيد هيل وديفيد شينكر، بالتناوب للبدء بها، وطالما رضي الأميركان أخيرا بالتفاوض، وبعد أن كان مرفوضاً البحث في هذا الملف “تحت السلاح” (أي طالما أن السلاح موجود)، والذي كان مرفوضا منذ البدء باثارة ملف الترسيم البحري والبري، وطالما ان التعويل على جهات أخرى لبنانية لقلب الطاولة لم يجدي نفعاً، فإذا عوداً على بدء لا بأس بالرئيس بالمكلف لتقطيع المرحلة ريثما تتضح نتيجة الانتخابات الأميركية وما ستؤول إليه أوضع المنطقة، إذن مرحلة تقطيع وقت أخرى…
بقي التفاوض مع صندوق النقد الدولي والذي سيفتح “الحنفية” على الخفيف، ومن ثم تتسع رويداً رويداً طالما تتحقق الشروط التي يريدها، وهي إغراق البلد أكثر فأكثر في مستنقع الديون، ومن ثم فرض الاملاءات الدولية كما تريدها الولايات المتحدة الأميركية، وما عاطفية إيمانويل ماكرون واهتمامه بالملف اللبناني بعد تفجير المرفأ، إلا لأن الأميركي أراد له أن يلعب هذا الدور بالإيعاز منه لما له قابلية للتفاوض مع المكونات اللبنانية كافة وخاصة مع “الفاعل الأساس” في هذه القضية دون أي فيتو من “العرّاب”.

وهنا يبرز دور “المخرج العبقري”، واللاعب الأساس في “الإمبراطور الأخير”، والذي ظن نفسه بحق أنه المنقذ والمخلص، لكم أن تتخيلوا كيف سيكون شعوره… يحضرني هنا مشهد من فيلم “برتولوتشي”، عندما كان جمع من الخدم والجنود والضباط والمستشارين وكبار القادة ينتظرون بحالة من القلق الشديد من خارج الى مدخل القصر الى الباب الرئيسي للقاعة، التي يجلس فيها “الإمبراطور الصغير” (5 أعوام)، لوهلة تتخيل أن قراراً مصيرياً سيخرج بين اللحظة والأخرى، كقطع رأس أحدهم او اعلان حالة وفاة أو قرار البدء بالحرب، ليظهر الإمبراطور وهو جالسٌ يلهو بيديه الصغيرتين على كرسي مرحاض صغير(نونية) كي يتغوط مقدار حبة حمص.

فإذا كان التخطيط والفعل لغيره، فدوره سيكون الخروج بصورة المنقذ والمخلص وجالب السعد الى قلوب اللبنانيين، لكن، لا أعتقد أن صاحبنا سيستطيع أكثرمما قدر عليه “الإمبراطورالأخير”، الا اذا أصابه اسهال، وتلك مسألة أخرى إن لم نقل أخ….

الكاتب أكرم ناظم بزي

الكاتب والباحث السياسي أكرم ناظم بزي، صحافي وباحث لبناني، يكتب في الأدب والسياسة والعلاقات الدولية، لديه العديد من الأبحاث والمقالات، وفي الصحافة اللبنانية والعربية، لا سيما في دولة الكويت وهو عضو نقابة الصحافة اللبنانية، وجمعية الصحافيين الكويتية 2002، (شارك قي اعداد موسوعة العلوم السياسية لجامعة الكويت)، وعضو نقابة مخرجي الصحافة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى