الاحدثالشرق الاوسط

الإيمان بالعمق التاريخي للفرد العراقي | بقلم علي الهماشي

مما يؤسف له إنَّ الأغلبية لا تتغزل ببعمقها التاريخي  في هذه الأمة، وأرى تغييباً لهذا الأمر وكأن هناك انفصاماً بين الواقع وذلك التاريخ.
وهنا لا أدع الى إحياء الأمة العراقية بطريقة عنصرية  أو اُحاول أن أجمع العناصر لتغليب الفرد العراقي على الآخرين.
إنَّ إحياء الوطنية لا تعني إلغاء الانتماءات الأخرى، بل هي في طولها ولامقاطعة لها.
فأنا أعيش وأنتمي إلى بلد عمقه التاريخي يعود إلى أول إنسان نزل على الأرض، وإلى أول حضارة بُنيت  كانت هنا في العراق، وهو ما يدعوني إلى تعزيز ذلك.
ومن المفارقات العجيبة أن كل دول العالم شعوبها  وحكوماتها تحتفي بتاريخها البعيد، وتحتفي كذلك بتأسيس دولتهم، ولكني أرى اختفاء هذا الأمر عراقياً، وبعض الدول تحاول أن تجعل لها تاريخاً وإن كان عمر دولتها لا يتجاوز قرناً من الزمن.
ويبدو أن أمر إحياء التراث العراقي بات من المنكرات منذ تأسيس الجمهورية العراقية مع إنَّ النظام الوطني يعتمد بالدرجة الأساس على تاريخ الفرد وانتمائه لتعزز هويته الوطنية !.ليجعل منه تاريخاً للأمة ،لكنني لم أقرأ أو التمس ذلك .
والغريب أن العراق الجديد جيء بملك له من الجزيرة العربية وقصة مجيئه وتنصيبه ملكاً معروفة وإن كانت تروى بطرق مختلفة، وتبقى رواية “المس بيل” هي الغالبة أو هي الرواية الرسمية الأكثر شيوعاً ، وهي موثقة بغياب الروايات الأخرى التي لم تجد طريقاً للتوثيق!.
ولا زلت أتساءل وأُفكر بصوت عالي وأكتب عن هذا الأمر ، أين نحن من هذا الانتماء وهذا العمق التاريخي !!؟.
لأنَّ التجاهل شبه التام يجعلك في حيرة، فلو كنا قبائل غازية وطارئين على هذا البلد لقمنا بلعن تاريخه وتغييبه بشكل تام، كما تحاول الصهيونية العالمية طمس تاريخ فلسطين بشكل كامل.
و نحن لسنا كذلك ، فمعظم العراقيين لهم تاريخهم في هذا البلد، وبعضهم تنتمي العائلة التي ينتسب إليها إلى عشائر استوطنت في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
والإنسان السوي والمجتمعات السوية بشخصيتها السوية التي تكون وحدة واحدة  عند دراستها هي من تحيي تاريخها وتبحث عن المواطن الإيجابية لتستلهم منه نهضتها في الحاضر ، بل وتناقش سلبيات والمواطن التي شكلت خللا ونكسة في وجودها، وسلوكها، ومثلت انعطافة تاريخية في مسارها، أو تعرضت لغزو أو هجوم بربري أراد اقتلاع جذورها، لتعتبر وتتعظ من هذه المقاطع الزمنية من تاريخها.
 إننا ندرس التاريخ كمادة من المواد في المراحل الدراسية حتى نفترق في التصنيف المعروف علمي وأدبي ومهني (صناعة ، زراعة والى اخره) ندرسه كموضوع يقرأه الطالب ليمتحن في آخر السنة ويحصل على الدرجة التي تسمح له بالانتقال إلى مرحلة متقدمة، فيتعاطى الطالب مع التاريخ بطريقة ميكانيكية ما أن تنتهي السنة الدراسة حتى طلق موادها، وهذا برأي هو قتل للتاريخ  الوطني ومحو للذاكرة بطريقة عفوية.
ولو شاءت الأقدار وكنت مسؤولا عن المناهج التربوية لجعلت من مادة التاريخ العراقي ليس درساً في مادة التاريخ فحسب بل درساً من دروس الوطنية وأما الاختبار وماشابه ذلك فلا يعنيني هنا ، بل أريد للتاريخ أن ينفذ في أعماق الطالب، فرغم جفاف المادة من ناحية الحفظ للأرقام والتواريخ فيمكن زرعها في وعي الطالب بطريقة أُخرى، وما يهمني هو حصوله على هذه المعلومات ولا حاجة للاختبار فيها فهي مرتبطة بالتواريخ والأسماء التي تكون  مشتركة، وهو ما يجعل من هذه المادة صعبةً أو غير مستساغة ويتجنبها الطالب.
إنَّ إعادة صياغة العلاقة بين التاريخ وبين المواطن هو أحد طرق نهضة هذا المجتمع وأي تغييب لذلك هو تحريف لذاكرة المجتمع الذي سيفقد عاملاً مهماً في تركيبته وقد لا يستطيع معرفة بنيته بشكل صحيح ، كما هو الطفل الذي لا يقدر مدى خطورة العبث بعينية فيؤذيها وقد يؤدي هذا العبث الى فقدان أحدهما !!!.
وللحديث بقية ..

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى