التفاؤل في المجتمع العراقي (3) | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قبل أن ألج في موضوعي وهو ثالث جزء من سلسلة التفاؤل في المجتمع لابد من توضيحٍ بسيطٍ فيما يتعلق بالكتابة بالنسبة لي فهي ليست انفعالات أُفرغها بكلمات وعبارات على الورق أو على شاشة الايباد والكومبيوتر او الهاتف النقال وإنما هي مسؤولية، فالكلمة التي تخرج من وثاقي هي مسؤوليتي وكما عبر الامام علي (ع) عن ذلك فقال ” الكلامُ في وَثاقِكَ ما لمْ تتكلَّمْ بهِ فإذا تكلَّمْتَ بهِ صِرْتَ في وَثاقِهِ، فاخزُنْ لِسانَكَ كما تخزنُ ذهبَكَ وورقِكَ، فَرُبَّ كلمةٍ سلبَتْ نعمةً وجَلبَتْ نِقمةً” ولهذا أُؤمن إنَّ الكلمة إما أن تكون حافزًا للخير أو نقيضه لاسامح الله .
وما أُحاول ان أكتبه من سطور على شكل سلسلة مبسطة فيما يتعلق بالمجتمع هي مسؤولية الكلمة التي أحملها ، لأني أرى فوضى في الكتابة ،وعشوائية فيما يتعلق بالمجتمع والسياسة وكل أمر يتعلق بالانسان ، ولا أجد هدفًا إصلاحيا فيما يُكتب ،وينشر بسرعة بوجود مواقع التواصل الاجتماعي ، ولا تستطيع متابعة كل ما يُنشر أو يثار ومع الاسف يأخذ طريقه الى عقول أبناء المجتمع
ولا أُريد أن أذهب الى النتيجة التي تقول أنَّ هدفًا مخفيًا مبرمجا وراء ما يكتب وينشر لترسيخ اليأس في المجتمع بتأصيل الفشل فيه ، وقد ختمت مقالي في الجزء الثاني من هذه السلسلة فكتبت”إنَّ قتل التفاؤل والأمل هو موتٌ للمجتمع ، وهو ما يؤدي الى النزعة الفردية وتفتت نسيجه ،وهذا من أشد المراحل الخطرة على مجتمعنا”.
واليوم أذهب الى نقطة أُخرى تكاد تكون جامعةً لمثقفينا وكتابنا وكذلك لمن يعمل في مجال كتابة الدراما التلفزيونية بتصوير حالات المجتمع بسوداوية قاتلة سيما بعد التغيير أي بعد (2003)، ولن أذكر أمثلة لهذه الكتابات أو أُشير الى الاعمال الدرامية في هذا المجال التي تؤصل وتطبع في أذهان أفراد المجتمع مثل هذه الصفات لتكون هي الحالة السائدة التي تكاد تقتل التفاؤل لدى الفئات المتطلعة لبناء مستقبلها في العراق، أو تنفر من مجتمعها وتلجأ الى النزعة الفردية، أو الهروب منه.
إنَّ زراعة هذا الوعي بهذه الطريقة التي انتقلت الى الأعمال الدرامية المصورة تزيد من تفاعل الناس معها وتُرسخ في أذهان المجتمع، وربما يُتخذُ من أبطالها مثالا يُحتذى به !!.
ولن أقوم بذكر أمثلة من هذه الكتابات أو الأعمال الدرامية لأننا سنستغرق بالأمثلة ونناقش تفاصيلها ونبتعد عن موضوعنا الرئيس.
أما موضوعنا فيما يتعلق بالتفاؤل والأمل والكتابه عنه لتحفيز المجتمع فهي ليست عملية ساذجة أو قفزًا على الواقع، وإنَّما هي مشروع إصلاحي بنائي، وقد دعا القرآن الكريم إليه فقد قرن نقيضه وهو اليأس بالكفر {إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ}1.
كما أن عدم العمل على زراعة التفاؤل والأمل هو جزء أو تمهيد لليأس أو استسلام للأمر الواقع.
ولست نافرًا من تشخيص الواقع وتشخيص الأمراض فهي جزء من مسؤولية الأديب والكاتب والمثقف، لكن مع طرح الحلول، فندب الحظ ولطم الخدود والبكاء لن ينفع المريض، وتصوير الحالة على أنها القضاء والقدر وأنّ الفرد العراقي جُبل على ذلك هو الخطر الحقيقي على الفرد والمجتمع العراقي.
أنا مع طرح المشكلة بشكل علني وعلمي الذي يقترنُ بتقديم العلاج وقبلها النصح ..
وما أطلبه أن تُطرح الفكرة او يُشخص المرض المجتمعي بطريقة تجعلنا نتفاعل لنجد العلاج وكأنها مشكلة مشتركة فالكاتب أو المثقف هو المشخص لأمراض المجتمع كالطبيب الذي يشخص الأمراض .
ونرى نوعين من الأطباء حينما يخبر المريض بمرضه فالنوع الأول يحاول أنْ يُمهِدَ ويشرح المرض بطريقة سلسلة ويبين مراحل العلاج بعدما طمئن المريض، فيعيش المريض حالةً من التفاعل الايجابي ويرغب ويُقبلُ على العلاج بعد أنْ تقبل ذلك نفسيًا.
وطبيب النوع الثاني يخبر عن المرض بطريقة جافة تسقط المريض نفسيًا ويعامل المريض وكأنه متهم، وتكاد هذه الطريقة تبعده عن تقبل العلاج، أو تسلمه الى الموت بعد أن زرع نوعًا من اليأس في نفس المريض.
وهذان النوعان في الطب نجده في المثقفين والأدباء ومن يحمل شهادة أكاديمية تخصصية في المجتمع أو في سلوك الانسان، ويكاد النوع الثاني سائدًا فأرى حالةً سودواية من الكم الكتابي فيما يتعلق بأحوال الفرد والمجتمع العراقي !…
إنَّ الكاتب قد يكون جراحًا ماهرًا عندما يحصر الحالة المرضية وأسبابها ليحاول إستئصالها بعد ذلك.
إنَّ زراعة القيم النبيلة أو الكشف عنها وإبرازها في المجتمع هي نوع من زراعة الأمل والتفاؤل في المجتمع ..
ولا أُحبذ ما ذهب إليه المرحوم يوسف السباعي فيما كتبه في روايته الشهيرة (أرض النفاق) في الفصل الذي تحدث عنه عندما اشترى من التاجر أو (العطار) حبات من الشجاعة فطرد حماته (أم زوجته) من بيته وطلق زوجته وضرب مديره ومن ثم طُرِد من عمله، ليتنازل عن (الشجاعة) ويذهب لشراء حبات (النفاق) ويتناولها ليعود الامر كما كان مع أُسرته ومن ثم في عمله ليحيا في أرض النفاق !!!.
أقول لا أُحبذ لأن الامر قد يستسيغه اخرون ويرونه نوعًا من المعالجة بحيث يستسلم للأمر الواقع ،أما أنا فقد رأيته قد استخدم الشجاعة في غير محلها، وأضاع قييمتها. فحبات الشجاعة التي اشتراها كان له أن يشتري معها حبات المروءة ليكون متوازنًا أو غير متهور، ففي الحقيقة كان البطل متهورًا ولم يكن شجاعًا.
فالعقلانية لاتعني أنْ اكون منافقا لأستطيع العيش وأحيا بسلام في المجتمع ويكون مرضيًا عني.
شجاعتي تتطلب تشخيص المرض .
إنَّ الحديث بعقلانية عن أمراض المجتمع ودون نفاق أو مجاملة ،ثم البحث عن علاج من رحم المجتمع نفسه ولا أُغالي إنْ قلت إنَّ أملي بمجتمعي كبير وأتفاءل بالكم الهائل من الضغوط التي مرت أو تمارس عليه لأنها ستنتج تجربة ناضجة بحجم تلك الضغوط.
وفي الختام لابد من تسجيل احترامي لما كتبه السباعي قبل ثلاث وسبعين سنة في روايته الجميلة والمعبرة (أرض النفاق) فقد كانت تشخيصًا لواقع اجتماعي في تلك الفترة ، وقدم معالجاته أما أنا فأقرأها بعقل مختلف عما مضى.
لمن فاته متابعة الجزئين السابقين: