الحرب على “ثقافة القومية العربية” | بقلم معن بشور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
“منبر التواصل”
ليس جديدًا على أبناء الأمة العربية.. أن يعرفوا – من سياسي فرنسي بارز، حضر ندوة دولية في لندن.. حول الشرق الأوسط – أنه سمع من مشارك إسرائيلي بارز.. كلامًا يقول إنه لا تسوية ولا صلح ولا سلام.. مع ثقافة “القومية العربية”.
هذا الكلام.. الذي كشف عنه الصحافي البارز جان عزيز – في مقالة له في جريدة “الأخبار”، يوم 11/2/2014 – جاء على لسان المسؤول الصهيوني، بعد أن وجّه المسؤول الفرنسي السابق.. أسئلة منهجية؛ من نوع: “ماذا نريد من إسقاط سوريا؟ ولصالح أي بديل مقبل؟”، بعد أن فوجئ هذا المسؤول الفرنسي بـ”الندوة الأوروبية” حول الشرق الأوسط – كما جاء في الدعوة الأصلية – تتحول إلى ندوة يشارك فيها.. أمريكيون وإسرائيليون، وتنحصر مداولاتها.. بسوريا تحديدًا – وبشكل خاص – “كيفية تكوين تحالف أمريكي-أوروبي-إسرائيلي.. هدفه إسقاط دمشق.. في أسرع وقت”.
واللافت – في موضوع الندوة وتاريخ انعقادها – في شباط/ فبراير2011 – أنه سبق الأحداث السورية؛ قبل أن تنجح “الأجندات الخارجية”.. في استغلال “المطالب المشروعة”، وفي تغليب الخارجي من العوامل.. على “الداخلي” منها، وفي طغيان الخطاب “الطائفي”.. على الخطاب الوطني والقومي، وفي “سيطرة العنف والإرهاب”.. على الطابع السلمي والديمقراطي للاحتجاجات، وهذا ما حذرنا منه.. منذ بداية الاحتجاجات.
وليس جديدًا، هذا الحقد القديم-الجديد على القومية العربية، الذي يتحكم في السياسات الاستعمارية والصهيونية.. وملاحقها المحلية، فقد رأينا هذا الحقد – وعلى امتداد عقود طويلة – في الحرب المستمرة على كل تطلع قومي، وسلوك وحدوي، ولغة عربية جامعة، لكن الجديد – هذه المرة – هو التركيز على “ثقافة القومية العربية”، وليس فقط على القومية.. كهوية ورابطة، أو كأنظمة وحركات، أو كبرامج ودعوات.
لماذا هذه الحرب على ثقافة القومية العربية؟
إنها الحرب على ثقافة جامعة.. لكل المكونات التي يتشكل منها الوطن العربي الكبير – الممتد من المحيط إلى الخليج، ومن جبال طوروس، وخليج الإسكندرون في الشمال.. إلى جبال اليمن وساحل عمان في الجنوب؛ سواء كانت المكونات دينية، أو مذهبية، أو عرقية. بل هي الثقافة التي ساهم في بنائها، وترسيخها، وإعلاء شأنها، عرب.. مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون عرب وغير عرب.
والحرب على “ثقافة القومية العربية”، هي أيضًا حرب على الخندق الأخير.. الحافظ لهوية الأمة واستقلالها، والحاضن الأشمل لنهضتها وتنميتها.. وتجددها الحضاري، خصوصًا بعد أن نجح أعداء الأمة في حروبهم.. ضد أنظمة وأحزاب وحركات، وشخصيات قومية.. عبر “شيطنتها”، وإلصاق أبشع التهم بها، وشن حروب شرسة ضدها، مستغلين – دون شك – في حروبها واتهاماتها تلك – أخطاء وخطايا.. وقعت بها هذه الأنظمة، والأحزاب والحركات، وحتى الشخصيات.
والحرب على “ثقافة” القومية العربية، هي حرب على العقل العربي نفسه، كما على العقلانية؛ التي تحصن رؤانا.. من الضبابية، وتحرر سلوكنا.. من العصبوية، وتحول دون انزلاق علاقاتنا المجتمعية.. إلى أتون الاحتراب.
الحرب على ثقافة القومية العربية، هي حرب على الإسلام.. الذي أطل على الإنسانية بلسان عربي، ومن خلال نبي عربي، ومن أرض عربية. إنها حرب على الإسلام.. الذي شكَّل محتوى روحيًا وثقافيًا وحضاريًا للعروبة، تمامًا كما شكلت العروبة.. وعاء جامعًا، تجلّت من خلاله فضائل الإسلام السمح؛ وفي مقدمها الانفتاح والتواصل.. مع كل الرسالات السماوية الأخرى، لا سيّما المسيحية منها.. التي حمل مؤمنون بها.. رسالة النهضة العربية؛ فحفظوا – في أديرتهم – لغة القرآن الكريم، ونشروا ثقافة العرب.. في كل أصقاع العالم، بل إن الحرب على ثقافة القومية العربية.. هي لتدمير الجسور بين المسلم والمسيحي من جهة، وبين المسلم والمسلم من جهة ثانية.. فإذا كان الإسلام هو دين توحيد في السماء، فالثقافة القومية العربية.. هي ثقافة وحدة على الأرض.
بل إن الحرب على “ثقافة القومية العربية”، هي حرب على الجذر الأصلي.. لكل مقاومة عربية؛ سواء كانت مقاومة لاحتلال الأرض، أو لاحتلال الإرادة.
وأيًا كانت راياتها العقائدية والسياسية، إسلامية أو يسارية، ليبرالية أو وطنية، ما دامت وجهتها هي فلسطين، وكل أرض محتلة، أو إرادة مستلبة، أو موارد منهوبة.
فتدمير ثقافة القومية العربية (التي تعاقبت على تدميرها دول كبرى، ومراكز دراسات وأبحاث، وأجهزة إعلامية، ومثقفون باعوا أقلامهم وعقولهم، وجرى تشويهها بمختلف السبل والوسائل، باستغلال – دون شك – ثغرات وعثرات وأمراض، نخرت في صلب الحركة القومية العربية)، هو الذي يفتح الباب واسعًا أمام ثقافة التفتيت، والتقسيم، والتشرذم. ثقافة إطلاق الهويات الفرعية، والعصبيات الفئوية.. على حساب الهوية الوطنية، والقومية الجامعة.
(عشية الذكرى السنوية الأولى لرحيل الرمز الوحدوي العربي الكتير وحامل هموم القومية العربية الدكتور خير الدين حسيب، ومع رحيل أحد مؤسسي حركة القوميين العرب الدكتور أحمد الخطيب بالامس.. نعيد نشر مقال للاستاذ معن بشور نشرته “رأي اليوم” بتاريخ 18/2/2014، بعنوان “الحرب على ثقافة القومية العربية” لأن الحرب ما زالت مستمرة).