الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن | بقلم مسعود بيت سعيد
لا شك أن العدوان الإسرائيلي النازي على الشعب الفلسطيني بلغ مُنتهاه، وقد وضع منطقة الشرق الأوسط كلها فوق صفيح ساخن، وأن كرة الثلج بدأت تتدحرج، وان الخيارات اصبحت مفتوحة امام الاحتمالات كافةً، ولن يتوان الكيان الصهيوني في دفعها خطوات للامام؛ حيث يسعى للتغطية على فشله الاستراتيجي في غزة التي وضعت علامة استفهام كبرى امام مشروعه الاستعماري، والطعن في مصداقية دوره الوظيفي في خدمة المشاريع الإمبريالية.
وما كان من البساطة تقبل زعزعة صورته أمام نفسه والآخرين، لذا يحاول التمرد على إحساسه الداخلي بالهزيمة وطمس ندوبها الراسخة على جبهته ومحوها من الذاكرة الجمعية، وهو بهذه الحالة النفسية والمعنوية الصعبة بادر يوم 1 أبريل بقصف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيرني. وفي هذه العملية الإرهابية، تم خرق سيادة دولتين عضوين في الأمم المتحدة ومرّت دون إدانة من مجلس الأمن الدولي؛ حيث عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا البيان الذي قدمته روسيا؛ الأمر الذي يطرح سؤالًا حول جدوى وجود بلدان العالم الثالث في هذه المؤسسة الأممية.
والحقيقة أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أثار هذه القضية وإن بصيغة مختلفة. وأمام تلك العملية الإرهابية والصمت الغربي، جاء الرد الإيراني المدروس بعناية فائقة، وبقدر ما أكد مقدرتها وجهوزيتها للمواجهة بقدر ما حاول حصرها ضمن معادلة “فوق الصفر وتحت التوريط”. ومعروف أن طهران تجيد إدارة الصراعات وتُتقِن لعبة التوازنات الدولية، وبصرف النظر عن رأي الآخرين، فإنَّ تقييمها لتلك العملية كان إيجابيًا ويحمل أبعادًا استراتيجية كبرى، ومن حيث لا يشعر الآخرون، استطلاع المناخات الإقليمية وآفاقها والتي ستكون أجواؤها- إذا ما تطورت الأحداث- ساحةَ صراعٍ بكل ما عليه من تبعات؛ وهي مسألة خطيرة.
لا ريب أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة محترمة وتعي مسؤولياتها جيدًا، وتدرك معنى الحرب وآثارها، ولا ترغب في جر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، غير أنها لن تتردد في الدفاع عن سيادتها وحقها في الوجود بكرامة، وتلك هي صفات الشعوب الحرة ونظمها المعبرة عن إرادتها الوطنية.
وإذا كانت المعطيات الظاهرة تُعطي حيزًا واسعًا لإمكانية الاحتواء وحصر المواجهة في حدودها الراهنة، وحيث التصريحات الأمريكية توحي بذلك، خصوصًا وأن قرار الحرب هو بالأساس قرار أمريكي ولا يجرؤ الكيان الصهيوني الانفراد به والذهاب لحرب إقليمية دون الموافقة الأمريكية، مهما أدّعى خلاف ذلك.. إلّا أن ذلك وحده لا يُشكِّل ضامنًا وحيدًا، وأن التصريحات الأمريكية العلنية لا يمكن الركون إليها ولا يمكن فحصها بدقة خارج سياق التجربة التاريخية.
ويبدو أن المناخ الحالي شبيه إلى حد كبير بذلك الذي كان سائدًا قبل 5 يونيو 1967، لذا سيكون مفيدًا استعادة تلك الفترة لجهة الاستفادة من دروسها الثمينة؛ حيث تآمرت الولايات المتحدة الأمريكية حينها على الأمة العربية وذلك عبر المناشدات المستمرة للطرف العربي بضرورة ضبط النفس. والكل يذكر رسالة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون للرئيس المصري جمال عبد الناصر، يُطالِبه فيها بعدم بدء المعركة، على اعتبار أن القرار الإسرائيلي “في الجيب”. ثم جاءت الضربة الإسرائيلية المفاجئة، وقد اتضح لاحقًا أن مناشدة الرئيس الأمريكي كانت مجرد مناورة خبيثة القصد منها تمكين الكيان الصهيوني من أخذ زمام المباغتة والمفاجأة التي تفعل فعلها في الحروب التقليدية الخاطفة. وإذا كان الوضع الراهن قد يراه البعض مختلفًا ولا مجال فيه للمقارنة، وأن الضربة الخاطفة غير مؤثرة؛ وذلك لعدة أسباب؛ منها: العامل الجغرافي؛ حيث تبعُد إيران حوالي 2000 كيلومتر تقريبًا، إلى جانب استعداد جبهات القتال المجاورة لفلسطين المحتلة بما تملكه من إمكانات وإرادة صلبة على الانخراط السريع في أي مواجهة. ومن ناحية أخرى حالة الإحباط والإرهاق التي يمر بها الجيش الإسرائيلي بعد 6 أشهر من الحرب وضعف جبهته الداخلية، التي هي في أسوأ حالاتها.
بَيْدَ أن العامل الأهم الذي يُرجِّح الخيارات يتمثل في قوة محور المقاومة، الذي يملك الكثير من المفاجآت، إضافة طبعًا للوضع الأمريكي غير المُهيَّأ لأسباب داخلية وخارجية معروفة. لكن كل هذه العوامل والأسباب على أهميتها، لا تُغْني عن ضرورة الحذر والاستفادة من دروس التجارب السابقة، بحيث لا تُؤخذ الدعوات الأمريكية للتهدئة على محمل الجد، وطالما قرار الحرب والسلم بيد المهووسين في البيت الأبيض، وهم المعروفين بعدم الاكتراث بالالتزامات القانونية والأخلاقية، فإن التنبؤ بما تحمله الأيام المقبلة يُعد في كل الأحوال مخاطرةً كبرى.. غير أن المؤكد أنه لن يثنيهم عن ارتكاب الحماقات وخوفهم على مصالحهم الاستراتيجية، ومنها حماية الكيان الصهيوني من نفسه في هذه المرحلة.