الشيعي العراقي راشدٌ أم بحاجة الى راعٍ يدير شؤونه ؟ كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
أعترف اولًا أن السؤالَ مستفزٌ بعض الشيء، وربما كان علي أن أُخفِفَ العنوان قليلًا، ولكن هذا لاينفي الواقع أو ينفي ما يتم ضخه في وسائل التواصل الاجتماعي، وبقية القنوات الإعلامية من أجل خلقِ وعي لدى الجماهير بأن الشيعي العراقي بحاجة الى مراجعة خطواته بمجرد التفكير بعراقيته ووطنه ،أو الانفتاح على محيطه العربي .
فالواضح أن هناك منظومة تشكك في قدرة العراقي على إتخاذ الخطوات العملية لفرض إرادته ،واختيار مساره الاجتماعي والسياسي
وبعضها يروج على فساد كل الطبقة السياسية واجهاض اي تطلع لقيادة عراقية، ولكن قبل ذلك لابد من التذكير بالمسار الذي دفع لمثل هذا الاعتقاد .
فمنذ التغيير في 2003 برز التصنيف الثلاثي في العراق كواقع سياسي وأقصد بالثلاثي (الشيعة والسنة والأكراد) وتم فرض مفهوم المكونات وبُنيت العمليةُالسياسيةُ بعد 2003على هذا الأساس ،وتسالم َ القوم أن تكون رئاسة الوزراء للاغلبية الشيعية، وتكون الرئاستين الباقيتين من نصيب المكونين الاخرين.
ولكن هذا الأمر لم يكن كافيًا للتخلص من عبء وثقل التاريخ المملوء بالاضطهاد والقهر الذي أثر كثيرًا في شخصية الفرد العراقي ،وساعد ذلك عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي للبلد مع بحبوبة إقتصادية ومالية كبيرة لكنها لم تكن كافيةً في تغيير سيكولوجية الفرد العراقي فقد تخلص من الديكتاتورية ولكنه تعرض لارهاب دولي وجد ساحة العراق مسرحًا مفتوحًا له ، وبتشجيعٍ من الولايات المتحدة بشكل أو بآخر لمواجهة أعداءها المفترضين في العراق.
ووجد المحيط العراقي الاقليمي والعربي إن ماجرى في العراق من تغيير بهذه الطريقة تهديدًا صريحا للأنظمة الحاكمة فيه. وكان طرح مفهوم الشرق الاوسط الجديد من قبل الادارة الامريكية أنذاك جرس الانذار لكل هذه الانظمة التي بدأت ردود أفعال ٍ متعددةٍ ،وكان نقل الصراع الى العراق أحد خياراتها في إفشال هذا المشروع الامريكي ،وجعل التغيير في العراق المثال السيء الذي تبتعد عنه شعوب المنطقة باللاشعور ،وماجرى في العراق سيرفضه وجدان مواطني البلدان لا اراديًا. ولهذا كانت ستراتيجية هذه الأنظمة مجتمعةً ،ودون إتفاق مسبق يقضي بإغراق الامريكان في الوحل العراقي ،وهو ما أدى الى عدم استقرارٍ الوضع الأمني والسياسي في العراق وهو ما أشرت اليه في أعلاه .
ووجد الشيعي العراق نفسه مستهدفًا مرة أُخرى، ولكن الاستهداف هذه المرة كان علنيًا بإنفجاراتٍ وإغتيالاتٍ، وبتحريض من
قنواتٍ فضائية وعبر مواقع الانترنيت وبهذا تحول استهداف الامريكان في العراق الى استهداف للعراقيين !.
وهذا الأمور رسخت عقلية الاضطهاد لدى العراقي الشيعي ،وكان لترويج مظاهر الذبح والتفجيرات في الأسواق والشوارع المكتظة بالسكان أثره النفسي الكبير أيضا.
كل هذا جعل منه يعيش الهواجس ،وينتظر قلب الطاولة عليه ، وينتظر أن يقدم رأسه للنحر ،فقد استحوذت الهزيمة النفسية كيانه كله ،
وفي ظل هذا الكم المتراكم من القلق اليومي منذ التغيير بالإضافة الى تاريخٍ مليءٍ بقصص الاحزان يمتد الى قرونٍ من الزمان ،وزخم من التثبيط والتهوين ستكون أي انطلاقة من أي سياسي شيعي نحو أُفقه الوطني والعربي والاقليمي مجازفةً قد تودي بمستقبله السياسي أو حياته وربما يُنسف تاريخه أيضا !.
لقد كشفت التجربة التي مر بها السيد نوري المالكي في بداية تسلمه لرئاسة الوزراء في ولايته الاولى التشكيك فيه، حتى وصل الامر لاستفتاء المرجع فضل الله في حينها عن وضعه وقد اجابهم في حينها وأبعد شبهة العمالة التي لُصقت به ،وقد تراجع المالكي بعد مضي فترة من الزمن ،وفي ولايته الاولى من رئاسته للوزراء عن ما بدأ به مسيرته في الحكم وبقوة ،وكذلك واجه السيد حيدر العبادي طيلة رئاسته للحكومة هجوما منظمًا ومدروسًا بعناية حتى تم ابعاده عن الولاية الثانية بعد إصراره على الانفتاح الوطني والعربي ،واخيرًا السيد مقتدى الصدر في تجربته بتغريداته التي يراها المحافظون نوعًا من التغريد خارج سرب المنظومة .
حيث ترى هذه المنظومة أن الشيعي العراقي محاطٌ بمحيط يريد التخلص منه وأنه يجب أن يتحرك مع وضمن عمقه الشيعي وهي جمهورية ايران الاسلامية ،وأي تحرك خارج هذا الاطار هو نوع من الخيانة أو الخروج عن المذهب .
وأن الشيعي العراقي سيسقط في متاهات سياسية وعقدية لاقِبَل له بها إن تحرك في اتجاه مخالف لما تراه هذه المنظومة .
ولكن هل هذا الاعتقاد صائب؟ أم إن العراقي الشيعي يستطيع بناء منظومته السياسية وفق بيئته العراقية متماشيًا مع الافق المتسامح الذي تتبعه المرجعية الدينية في النجف الاشرف ،والتي سجلت نجاحًا كبيرًا بنت لنفسها امتدادًا وطنيًا وعربيًا وعالميًا .
بل إنها أجبرت الامريكان على عدم تجاوز ارائها وان كانت ممتعضة من الكثير منها .
ولهذا أجد أن العراقي راشد بما فيه الكفاية ليتخذ المسار الذي يستطيع من خلاله فرض الواقع الصحيح المتوافق مع شركاء الوطن ،وعندما تستقيم الاغلبية وتعيش الرشد السياسي والاجتماعي فان الوطن سيستقيم وتسير أُموره كما يجب .
وبمعنى آخر لايمكن التشكيك في أداء مرجعية النجف الاجتماعي والسياسي وهي قد وصلت الرشد المطلوب ،ومن يسير في أُفقها فهو لايبتعد عن الاطار الشرعي والعقيدي إذا ماتم مناقشة الامر وفق هذا الاطار.
إن الاداء السياسي المتوازن هو المعيار وعلى الشعب عند ذاك أن يُقيِم بين الرشد وبين التهوين والتخوين .
لقد وجِدتْ حالات متفرقة من الرشد السياسي والاجتماعي ولكنها بحاجة الى مؤازرة وفهم من الجماهير لتصبح قوة تستطيع أن تتحرك بصلابة دون أن يتم وأدها .
أن الاداء السياسي لايكون كافيًا مالم يتم إشراك الجماهير فيه ،ليكون أداءً متكاملا فلم تعد الجماهير تركض وراء أي شعار دون أن تختبره وتتفحص ماهيته ودون أن يكون مقرونا بأداء لايشوبه الالتباس .
والاختيار لهذا الطريق لن يكون سهلا فهو محفوف بالمخاطر من المقابل أيضا فلايمكن أن نعفي الاخرين أو نبرأهم مما جرى على العراقيين ،وعلى المتحركين في هذا الاطار أن يكون هناك وضوح في الرؤية ووضوح في الهدف بطريقة لا إفراط فيها ولاتفريط ليكون الرشد والاداء مكللًا بالنجاح للعراق.