العراقيون بحاجة إلى سلوك ومنهج جديدين (١). كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
ما إن تقترب الانتخابات حتى تعود سمفونية الطائفية المقيتة، والخوف من البعث المنحل، ويتم شحن الشارع بأخبار مدروسة لإثارة الفتن. وقد لا تكتفي بعض الجهات بالأخبار المدروسة بل تعمد إلى إثارة أمنيةٍ (محدودة) ، ومن ثم النفخ فيها من أجل الهدف ذاته فالغاية تنظف الوسيلة .
وهكذا يجد هؤلاءِ السياسيينَ لذةً في الخطابِ الطائفي، وإلقاء اللوم على ما آلت إليه الأمور على الاخر لخلق العدو المناسب لهم ضمن منهجيتهم التي ألفوا عليها. وهذا الخطاب يجد له صدىً واسعاً عند قطاعات كبيرة من الجماهير المشحونةِ عاطفياً، ولا تستطيع مغادرةَ الحالةِ التي عليها، وترغب في الانتقام من المسببين لهذا الواقع ، وهنا يبرع السياسيون في توجيه الدفة التي تتناسب مع مشروعهم ، ومع ديمومة بقائهم!. والحقيقة أن الظروف وبعض الاحيان غباء المنافس يكون ُ عاملاً مساعداً لهم. وبذلك لا يحتاجون الى خلق عدوٍ بل هناك عدو غبي يساعد في بقائهم !.
ولا شك أن استراتيجية التهدئة مفقودة لدى جميع الاطراف لأنها لا تجد وسيلة اخرى للبقاء إلا الاثارة والضجيج ، وربما تميل فئات من مجتمعنا لهذا الضجيج . وهنا أقتبس مقولة للسيد ألكسندر أرباتوف المستشار الدبلوماسي لآخر رؤساء الاتحاد السوفيتي المنحل السيد غورباتشف حينما خاطب الغرب “سنقدم لكم أسوء خدمة، سنحرمكم من العدو !!!”. ولا أجد في أي طرف عراقي هذه العقلية والاستراتيجية التي تنزع من الآخر مبررات ديمومته. وأن سلوك هؤلاء السياسين يدفع المراقب السياسي إلى اليقين بوجود “اتفاق ضمني” يسمح لهم بالبقاء والاستمرار في المسرح السياسي .
أما الخطاب الوطني فالحقيقة أنه يخفت أحياناً ويعلو أحياناً ، ويبقى خطابا خجولاً في ظلِ الأجواء المشحونة التي تزداد حدةً مع تصاعد الاحداث. والتساؤل هل يستسلم العراقيون وأخص بهم الطبقة المثقفة الواعية للواقع السياسي المرير !؟
قد اكون متفائلا إن قلت لا ، ولكن هذه ال (لا)بحاجة إلى عمل دؤوب وحذر أيضا. فلا يمكن أن تغير من تفكير واتجاه مجتمع بسرعة دون إنتاج حركة واعية تستطيع من خلالها تمكين منهج جديد للتفكير .
كان البعض يأمل من الحركة المطلبية التي بدأت في تشرين 2019 أن تتبلور الى حركة وطنية، لكنها سرعان ما تحولت الى حركة فئوية إقصائية، وبعد تغيير حكومة عبدالمهدي ، وتشكيل هذه الحكومة دخل بعض قادة الحركة في دوامة المكاسب والاستئثار بعيدة عن الشعارات التي انطلقت معها التظاهرات في أيامها الاولى، وبالرغم من كل ما جرى فإن الامل مازال قائماً بانتاج تيارٍ وطني يستوعب كل التجارب .
التيار الوطني المطلوب لا ينبغي أن يرفض كل التجربة الماضية فهذا ما لا يمكن تحقيقه لأن الديمقراطية لا تسمح بذلك، بل يجب أن يسعى لاحتواء تجربة الاحزاب والكتل التي شاركت في العملية السياسية. والتيار الوطني أو الوطنية لاتعني رفض الاسلامية والتوجه الاسلامي ،ويمكن المزج في توليفة لاتبتعد عن الثوابت والاسس وتستوعب الحالة الموضوعية للبلد ولمتطلباته .
أما الدعوة لإنهاء النظام السياسي القائم فهي دعوة غير مجدية في الوقت الحاضر ولا تستند على مقومات التغيير الحقيقية ولذلك لن تأتي بالنتائج المرجوة بل تدخلنا في دوامة جديدة، وتدفعنا الى فوضى أُخرى.
إنَّ العمل من أجل التغيير يبدأ من تغيير المفاهيم المجتمعية وانتزاع منطق العنف والاقصاء من العقول ،والتفكير بوطن يعيش تحت كنفه الكل هو الاساس للتغيير المنشود وعند ذاك يختار هذا المجتمع نظامه السياسي الجديد أو يبقي على الموجود مع التعديلات المطلوبة. وهذا التغيير لن يتحقق إلا بانتاج سلوك ومنهج جديد لرواد ومثقفي المجتمع وهي مسؤولية تاريخية تقع على النخب المثقفة والسياسية أولا وأخيراً.
وإن كانت الطبقة السياسية ترغب في الحفاظ على نظامها السياسي ووجودها فعليها أن تغادر بعض متبنايتها وتغير في خطابها سيما وأن عاملا جديدا سيدخل في الانتخابات المقبلة وأهم ذلك هو الجيل الالفيني من مواليد 2000/2003 وهم تقريبا اكثر من مليونين نسمة وسيكون لهم دور كبير في الخارطة السياسية الجديدة .