الاحدثالشرق الاوسط

العراق: رؤية في قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية … | بقلم علي الهماشي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

يذكرني الجدل بشأن هذا القانون بالجدل الذي أُثير حول قانون البنى التحتية الذي نوت حكومة المالكي تقديمه الى البرلمان قبل اكثر من عشر سنوات، وقد أُجهض قبل أن يرى النور، ولم تناقش فقراته بحجة الفساد فيه، والمحاسبة كانت على النوايا، والسبب الخفي كان أمرًا آخر، وتفاخر عدد من السياسين بالوقوف ضد هذا المشروع، وحُرِم العراقيون من فرصة كبيرة للاعمار والبناء بحسب مؤيدي ذلك القانون…

والقانون كان بحاجة الى توضيج الرؤى من خلال التشاور بين القوى السياسية لتمريره في البرلمان، لا بطريقة الفرض وساعدت الظروف أنذاك على عدم تمريره وانتهى.

وقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية لم يتم اشباع فقراته بالرغم من الاثارات والجدل حوله لاصرار الحكومة على تقديمه للبرلمان، وجاء قرار المحكمة ليوقفه، فأصر التحالف الثلاثي على تقديمه ونجح في تمريره بتاريخ 8/6/2022 لرضوخ المعترضين لحجة وقوفهم امام توفير قوت الشعب، وربما اراد المعترضون فتح الباب للتشاور السياسي مجددا واذابة الجمود الحاصل بين القوى السياسية.

ولا أعلم ماذا سيكون موقف المحكمة الاتحادية من هذا القانون وفقراته تعتمد على التخصيص المالي الذي هو من صلب الجانب التنفيذي أي من تخصص الحكومة وليس البرلمان ؟كما إنه يصطدم بمهام الحكومة التنفيذية كما حددتها المحكمة الاتحادية في قراراتها الاخيرة.

كما أن السؤال الاخر هل الموازنة القادمة ستتوافق مع فقرات هذا القانون ام لا ؟ ومن سيكون ملزما بالتطبيق الموازنة أم هذا القانون حيث يبدو من فقراته انه موازنة بديلة عن الموازنة التي كان من المفترض تقديمها من قبل الحكومة.

ولست هنا في معرض التحدث عن نوايا الفساد كما يحاول بعض المعترضين على القانون و لأن القانون لم يطبق فلا يمكن الحكم بالنوايا على أمرٍ لم يُنفذ بعد.

أما الاشكالات القانونية فلها المختص الذي يناقش أصل القانون فيرده، أو يناقش فقراته ويشكل عليها و يدحضها أو يقرها.

ولكني أنظُرُ الى عقلية المشرع العراقي الذي أقر القانون و كان عنوانه (الدعم الطارئ ) الذي يعني يعني غياب الستراتيجية، أو اللجوء الى الطوارئ لغياب الاستراتيجية، مع إن هذا القانون ليس قانون طوارئ كما هي تسميته إنما معالجة ولكنها معالجة وقتية.

فلم تختلف عقلية المشرع لهذا القانون عن بقية العقول العراقية للسنوات الماضية التي تعمل وفق مبدأ المسكنات لا المعالجات الطويلة الامد بل وحتى القصيرة.

إنَّ العراق عانى من ظروف عصيبة وتراكمت الامراض والاورام فمنها الخبيث ومنها اورام قد تكون حميدة في بدايتها لكنها تحولت او ستتحول الى خبيثة لانها تغطي على الامراض، و قد تسد الرؤيا عن المعالج.

والعراق بحاجة الى عقلية (جراح ) وخبير في التعامل مع الامراض المزمنة، لا لعقلية طبيب مقيم أو مناوب لايملك الا أنْ يصفَ الأدوية المسكنة كما نرى في هذا القانون.

فالجراحُ يستأصل الاورام ويفتح الشرايين ليتدفق الدم الى العقل والقلب لينتعش الجسد من جديد.

إنَّ مشكلة البلد لا تحل من خلال نظرة جانبية لمشكلة دون أُخرى، و لا تُحل المشاكل بعقلية (الخطية) أو (خلي ياكلون مادام خالهم موجود) بل تحل بعقل بارد ينظر الى مشاكل البلد بحزمة واحدة و يبدأ بعرض الاهم على المهم ولا يتأثر بصيحات هذا وذاك وانما يكون الهدف والخطوات واضحة أمامه.

نحن بحاجة الى عقول ستراتيجية وطنية ترسم طريق المستقبل لا عقلية (التفاطين) بحيث يجلس في الصباح ليرسم لنا خطة وفي المساء يمحوها لمطالعته تعليقا على وسائل التواصل الاجتماعي ثم يعود ليغير ذلك بعد زيادة عدد المؤيدين.

نحن بحاجة الى عقول تقود العراق لا أن تُقاد من شبكات مجهولة توحي له بالافكار دون أن تكون هناك رؤيا متكاملة للصورة من كل جوانبها.

إنَّ القانون المُشَرع يوم أمس لم يلامس واقع المشكلة الحقيقية في البلد ولم ينظر الى حيثيات المشاكل المستدامة ليخرج الى بلبنات التنمية المستدامة.

كما أن القانون فيه نقاط متشابكة وكأنها أُضيفت من أجل الحصول على التأييد لتمريره داخل البرلمان، مما يعني حشو فقرات جانبية قد تعطل الرؤية للقانون كاملاً فيما لو كانت هناك رؤية واضحة له.

إنَّ الامن الغذائي جزء من الامن القومي ويتعلق بالموارد المائية وتوفير البنية الصالحة للزراعة فهل ادرجت فقرات تنظر او تعالج مشكلة التصحر، وتعالج شحة المياه، وتنهي اسلوب الزراعة القديمة، لتستبدلها بطرق زراعة جديدة تعتمد على نسب قليلة من الماء كما تعمل الدول ذات المساحات الصحراوية.

إنَّ الاموال التي توفرت نتيجة ارتفاع اسعار النفط هي (هبة ) مقابل تناقص الامطار وانقطاع المياه من منابعها الاصلية من جيران العراق ولابد من استغلالها بالطرق المثلى لا على طريقة

من يعثر على نقود في الشارع لايعرف كيف يوظفها فيقف أمام أي محل لبيع الالبسة ليشتري منها وان كانت على غير مقاسه، او يدخل مطعما لتناول الطعام وإن كان غير جائع.

أو يكون كريما فيوزع على اولاده هدايا هم ليسوا بحاجة لها وان كانت تفرحهم يوما أو ساعة، لكنهم سرعان ما يعودون لبؤسهم بعد نفاذ وقت الهدية.

لا نريد لقانون الطوارئ أن يكون مسكنا ولانريده قانونا طارئا نريد قوانين او مسارات عمل تعمل على التنمية المستدامة في المجال الزراعي والصناعي، وإلا سيبقى القانون طارئا يذهب مع الحالة الطارئة …

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى