العراق : قوة الطائفة في صالح الوطن، ووحدة الوطن في صالح الطائفة | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قبل أن ينتقدني البعض لاني أستخدم مفردة (الطائفة ) دون سواها و يتهمني بالطائفية، أود التذكير بأنني أتناول موضوع الطائفة الشيعية لأنها الطائفة الاكبر وباستقرارها يستقر البلد.
ولا يفهم من كلامي أنني من الذين يدعون إلى الطائفية السياسية التي تناول الكثيرون تعريفها كمصطلح سياسي ينطبق ويتجلى في البلدان المتعددة الاعراق ،ولا شك أن العراق واحدًا منها.
ولا أُريد أن انغمس في التعريف بقدر ما أُركزُ على الطائفة ضمن الوطن وليس الوطن ضمن الطائفة ..
أي أن تتوافق مصالح الطائفة مع مصالح الوطن، ومصالح الوطن مع مصالح الطائفة وهذا ما يتطلب أن تتصالح مع نفسها، ومن ثم مع بقية شركاء الوطن.
ولا أُذيع سرًا هنا إنْ ذكرتُ أنّ الطائفة الشيعية في العراق عاشت إضطهادًا و إبعادًا عن المواقع السياسية المهمة منذ تأسيس العراق الجديد وإنعكس ذلك على الواقع الاجتماعي أيضا وقد رأت الادارة البريطانية المحتلة للعراق بعد الحرب العالمية الاولى في بدايات القران الماضي أن تؤسس لهذا الوضع، وأراه أحد النتائج العقابية جراء ثورة العشرين في القرن الماضي.
وتم استثناء بعض الشخصيات في بعض الفترات الزمنية لمواصفاتٍ معينة فيهم أو لأُمورٍ أُخرى بتفاصيل لكل ظرف من الظروف ذكر المؤرخون بعضها ،وأعرضوا عن أمور أُخرى لكي لا تُثير الحساسية كما يظنون !.
وحاولت بعض هذه الشخصيات أن توازن بين انتمائها وبين ضغط المنظومة الحاكمة، بينما تنصل الكثيرون لا لصالح الوطن وإنما لصالح المنظومة الحاكمة وأغلب المنظومات الحاكمة كانت تميل الى الديكتاتورية وإقصاء الخصوم، وبعضها ذو نفس طائفيًا اقصائيًا.
بعد التغيير نتيجة غزو الولايات المتحدة للعراق، في عام 2003 وسقوط الديكتاتورية تم تأسيس عراقًا جديدًا ظهر فيه مفهوم المكونات وبرزت الطائفة الشيعية كأكبر الطوائف في البلد وفرضت ملامحها على الشارع العراقي أثناء الاحتلال، ولم يكن أمام قوات الاحتلال إلا أن تسمح بهذه المظاهر الشيعية لأنها لم تكن مسلحة تهدد أمن الفرد الامريكي في العراق..
كما إنَّ الاحزاب الاسلامية الشيعية والعلمانية والكثير من الشخصيات دخلت العملية السياسية التي أُسس لها بعد 2003، مع انحسار الاحزاب السنية عن المشاركة باستثناء الحزب الاسلامي وبعض الشخصيات الأُخرى، أما الاكراد فقد دخلوا بكل ثقلهم، اضافة الى الطوائف الاخرى التي وجدت في العملية السياسية الجديدة متنفسًا لها بعد أن ذوبت في ظل الديكتاتورية البغيضة.
وعلى الرغم من مظهر الجو العام الذي أوحى بغلبة الطائفة الشيعية ألا أنها لم تستطع أن تفرض لونها، ودخلت في فخ التخوف من ما أسماه البعض (ديكتاتورية الاغلبية) مقابل ديكتاتورية الاقلية التي مثلها النظام البائد.
ورغم ذلك أعطى التغيير عرفًا سياسيًا لم يتغير حتى الان بأن يكون رئيس الحكومة شيعيًا ورئيس مجلس النواب سنيًا ورئيس الجمهورية كرديًا مستندين الى الثقل السياسي والاجتماعي لكل مكون ..
وأعود لعنوان المقال “قوة الطائفة الشيعية في العراق قوةً للوطن” هل يوجد مثل هذا التنظير ؟
الجواب إن كان بكلا أو نعم بحاجة الى تفسير لأن الاجابة بثلاثة احرف لا تعطي الصورة التوضيحية الكاملة .
وهناك عدة اسباب منها أن المجتمع العراقي أسير أزمات سياسية واجتماعية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ..
ولا تجد بناءً ثقافيًا متسلسلًا ذات مراحل متناسقة يل هناك تجارب متراكمة مشوهة بنقص الذاكرة التاريخية والاجتماعية التي عمدت الحكومات المتعاقبة اليها ،ولهذا اجد شخصياتنا انفعالية تهرب من ماضيها فتقع في الأخطاء ذاتها، لاننا نفقد الحركة الثقافية الاجتماعية الأصيلة التي تبني واقعا رصينا، ولا أغالي إنْ قلت لا يوجد حراكًا ثقافيًا معرفيًا لصالح بناء مجتمع وفق حركة تصاعدية متناسقة بل أجد عشوائية في هذا المجال ،وهذه العشوائية لا تعني خلوها من محاولات فردية والتي ينطبق عليها العشوائية أيضا لانها لا تؤسس لعمل جماعي والملاحظ “اننا ناجحون في العمل الفردي يلازمنا الاخفاق في العمل الجماعي .”
وهذا ماينطبق على الطائفة الشيعية بشكل او بآخر ..
كما أن هناك توجها يكاد يطغى على السطح السياسي والاجتماعي حينما نتغنى بغير العراقي وننفخ في انجازاته وان كانت على حساب العراق والشخصية العراقية.
وهناك محاولات شعبوية للتمسك بالوطنية كحلٍ للخروج من الواقع والتوصيف يكفي لمعرفة الخطورة في هذا النهج على المدى الاني او المدى البعيد، فهو يضيف أزمة الى الازمات المتراكمة في تاريخنا لتعيق حركة المجتمع نحو الاستقرار.
فمشكلة الطائفة الشيعية في العراق تفتقد للتنظير الواضح البناء، ويركز بعض من طغى على السطح السياسي أن ينمي في ذاكرة الشيعي العراقي المظلومية التاريخية، ويخوفه من القادم، ويهيئ ذهنيته لأن يكون الضحية وعليه أن يكون في موقع الدفاع السلبي، ويجعل من محيطه عدوا اكبر من حجمه.
كانت السطورُ أعلاه نظرةً سوداويةً بعض الشيء ولنقل إنها نقدٌ قد يبدو أنَّه مبالغ فيه.
ودعونا نبحث عن نقطة ضوء ونرى فسحة الأمل في هذا الجو الملبد بانواع الغيوم التشكيكية والمحبطة والمأزومة وغيوم لاترى أنَّها منتمية للعراق .
وننظر الى منهج مرجعية السيستاني الذي نراه يؤسس لطائفة شيعية متماسكة من خلال دعوته للعدالة والصلاح بين طبقات المجتمع ، ومحاربة الفقر والجهل بطريقة تسير وفق خطوات مترابطة لتتكامل مع فعاليات المجتمع الاخرى ،وهي تسير وتعمل دون ضجيج وهو ما يرسخها في عمق المجتمع وإن يراها المراقب بطيئةً بعض الشيء إلا أنها منهج متناسق وهذا ما يعطيها القوة المطلوبة ،ويراها أعداء العراق خطرة جدا.
هذا المنهج لا يتدخل في شؤون الغير، ولهذا لم أجد في أي من خطب الجمعة ذكرًا او تناولًا لأحداثٍ سياسيةٍ خارجَ العراق، وكما هو معلوم فإنَّ هذه الخُطب تعبر عن وجهة النظر الرسمية للمرجعية، ولن أذكر أمثلةً أُخرى لأنها بحاجةٍ الى التوثيق والتي أعرف العشرات منها تؤكد هذا النهج، وكي لا ندخل في قيل وقال ونُقِل الي، وأدخل في باب الادعاء ،فسأكتفي بما جاء بخطبِ الجمعةِ المباركة على مدار السنوات حتى توقفها بسبب أزمة وباء كورونا التي لم تتدخل بشأن خارجي إطلاقًا.
ولا يعني هذا النهج الانقطاع عن الواقع الشيعي في المنطقة وبخاصة في جمهورية ايران الاسلامية التي عليها التعايش مع طائفة شيعية عراقية قوية متماسكة خير لها من انتماء اقسامٍ من المجتمع لها، قد تعيش نوعًا من الاتكالية فتكون عبئًا عليها بدلًا من أن تكون ذراعًا او درعًا يحمي الجمهورية كما يريد بعض الاخوة في الجمهورية التأسيس والتنظير لذلك.
هذا النهج السيستاني لا يعني التقاطع مع التجربة الاسلامية في ايران وهو مانراه في النصح المقدم من قبل المرجع الأعلى خلال لقاءاته المتعددة مع الشخصيات الايرانية وربما تكشف لنا بعض الاوساط المقربة بشكل رسمي التوجيهات والنصائح التي ابداها سماحته لمن قابلهم من الايرانيين ..
كما أنَّ نوع التفاهم والتناغم الايجابي بين مرجعتي النجف وطهران ، وما ينقل عن السيد الخامنئي وتوجيهاته المستمرة لأتباعه بعدم التقاطع مع توجيهات السيد السيستاني تجعلنا نشعر بنوع من الارتياح .
وعلى مثقفينا وشرائح المجتمع أن تتفاعل مع هذا النهج من أجل استقرار العراق .
اذن نحن مع نهجٍ يريد عراقا قويا لصالح الطائفة باعتبار انها الاغلبية التي لا تُضطهد ولا تضطهِد وقد تجلى ذلك في فتوى الجهاد لتحرير المناطق التي احتلت من قبل تنظيمات الارهاب في 2014.
وهنا كانت قوة الطائفة في صالح الوطن وكانت وحدة الوطن لصالح الطائفة بعد ذلك .