يحاول بعض المغردين في مواقع التواصل الاجتماعي تشبيه العراق بأفغانستان حيث ينطلق من قراءة تحليلية ناقصة للوضع فيما لو انسحب الجيش الأمريكي من العراق كما يزعمون !.
ولا أخفي حديثاً إن قلت أنَّ الناقمين على الوضع السياسي بعد 2003 وممن يحلمون بعودة الامور الى ماقبل ذلك يحاول تصوير الامر وكأنه نهاية العراق .
ويحاول فريق آخر أن يشبه الوضع ويطالب بالتمسك بوجود الحشد الشعبي كضامن وحامي للعراق الجديد سيما وأنه أثبت قدرته على التصدي لـ”داعش” وكان ذلك أهم الاسباب لايجاد منظومة الحشد الشعبي الذي استمد شريعته ووجوده من فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني السيد علي السيستاني في 2014 .
ومع احترامي لكلا التوصفين فإن الوضع العراقي يختلف تماما عن الوضع الأفغاني.
بعد الانتصار العسكري على “داعش” في 2018 لم يعد العراق الوضع العسكري قلقاً من ناحية “داعش” ،ولن تنهار المنظومة العسكرية والأمنية كما حدث في حزيران 2014 لعدم تشابه الظروف ،وبدأ الوعي المجتمعي العراقي يعلم الخطورة من ذلك بعد أن لمس وعاش الكوارث التي حلت به بعد تسلط “داعش” ، كما أنَّ الوعي العراقي لايسمح بانهيار الوضع الامني وعودة العمليات الارهابية ولن تكون هناك حواضن آمنة للمجاميع الارهابية كما كانت أنذاك .
ولنعد الى المجموعة الأولى التي تشبه الوضع العراقي بالوضع الأفغاني فهي ترى أنَّ الوجود لهذه المنظومة السياسية مرتبط بالعامل الأمريكي المتواجد على الأرض العراقية !.
ولنقارن مجازاً بين عديد القوات الامريكية والتحالف الدولي في أفغانستان وبين قوات التحالف الدولي المتواجدة في العراق .
فالمقارنة العسكرية تكاد تكون صفرية .
والافغان لم يتفاعلوا على المستوى الشعبي والمجتمعي مع التواجد العسكري لقوات التحالف وبقي توصيف المحتل لقوات التحالف هو السائد، وتتبعه التوصيفات الاخرى فيما يتعلق بالعاملين معهم .
ولم يكن هناك جيش أفغاني بالمعنى المهني لهذا الجيش منذ احتلال الاتحاد السوفيتي (السابق) الى انهيار دولة طلبان الافغانية بعد قرار مهاجمة هذه المنظمة الارهابية بعد تورطها بهجمات 11ايلول 2001الارهابية في الولايات المتحدة.
أما العراق ففيه جيش عمره وصل الى سنة وقرن من الزمان بالرغم من قرار الحاكم الامريكي بريمر بحل الجيش العراقي باعتباره أداة القمع الصدامية ،لكن يرعان ما أُعيد تشكيل وحدات من الجيش العراقي بتوصيف جديد هدف جديد (جيشا للدفاع) .
وتطورت الامور لتبدأ ظهور قوات عراقية جديدة في الجيش سميت (قوات مكافحة الارهاب) و (وحدات السوات )في الداخلية تم تدريبهما جيداً وأثبتت نجاعتها في عمليات التحرير من “داعش” .
وكما ذكرت يحاول بعض مؤيدي الحشد التخويف من الحالة الافغانية والتلويح بأن الحشد الشعبي هو الضامن والحامي للوطن ويأتي هذا الترويج مقابل تلك الدعوات الباهتة لحل الحشد الشعبي !.
ولكن كلاهما غير مبرر فالحشد الشعبي مؤسسة عسكرية أقرتها الحكومة أنذاك بأمر ديواني وأمضاه البرلمان العراقي وأثبتت هذه المؤسسة قوتها للتصدي لـ”داعش” رغم بعض الممارسات هنا وهناك التي تدفع الى المطالبة بحله .
كما أن الوضع الديمغرافي والسياسي للبلدين مختلف تماماً وتكاد طلبان متغلغلة في المجتمع الافغاني وهي أكبر قوة عسكرية على الارض الافغانية تعاملت معها الولايات المتحدة والدول الاخرى العالمية والاقليمية .
بينما لاتوجد في العراق قوةٌ على الارض تملك حضوراً عسكرياً وسياسياً بنفس القوة التي يتمتع بها تنظيم طلبان في أفغانستان ،كما أن التقسيم الثلاثي انتزع غلبة أي من المكونات الثلاث على المكونين الاخرين ،وحتى هذه اللحظة لم تفلح أي محاولة لانهاء هذا النظام السياسي في العراق الذي تواجد بعد انهيار النظام السياسي الذي أوجده حزب البعث بعد انقلاب تموز 1968.
كما ان العراق يبقى مهما في اولويات السياسة الامريكية وهو ساحة للتداول والصراع واختبار القوة الامريكية.
ولا تعدو المحاولات التي يتم بها التشبيه أو الترويج لوضع عراقي مغاير بعد (الانسحاب الامريكي) إلا تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي أو تحليلات مفبركة على المواقع الالكترونية، ولا أُغالي إن سميتها محاولات عبثية أو محاولات الكترونية افتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي .
مع التذكير أنَّ الدول المحيطة بالعراق (راضية) ومنتفعة بهذا الوضع لأنه يخدمها على المستوى الإستراتيجي ،وعلى المستوى الآني اقتصادياً وسياسباً وعسكرياً.
من هنا أرى أن التشبيه بالوضع الافغاني فيه اجحاف للقوى السياسية وللقوات الامنية ووعي المجتمع العراقي .
وفيه ترسيخ لتواجد أمريكي عسكري وهو غير موجود أصلا، ولاتملك وحدات التدريب او غيرها حق مغادرة القواعد العسكرية العراقية الا بموافقة الحكومة العراقية ومرافقة وحدة عسكرية عراقية معها فيما لو تطلب الامر الانتقال او الخروج من القواعد العسكرية العراقية ..
فالعراق لن يكون أفغانستان ولن تكون هناك طالبان عراقية، ولن يكون هناك انهيارا للنظام السياسي وللحكومة ومن ثم الدولة العراقية.
فإن أسوأ ظرف مر به العراق والتي كادت أن تعصف به كدولة على الخريطة هي تلك الظروف التي كانت في حزيران سنة 2014، وهذه الظروف لن تعود بإذنه تعالى لانتهاء أسبابها ..