الاحدثالشرق الاوسط

القنبلة النووية : سلاحٌ سياسيٌ فتاك | بقلم محمد كريم إبراهيم

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

معدن أسطواني طويل ومدبب من إحدى طرفيه، بوزن ألف كيلوغرام، يحتوي على عناصر غير مستقرة مستعدة لإطلاق طاقات هائلة، بإمكانه – لو سقط وسط المدينة – إنهاء حياة 200،000 إنسانٍ في غضون لحظات، مستمراً لمسافة 10 كيلومترات تقريبا من نقطة الانفجار، تاركاً خلفه أرضاً غير صالحة للتوطين لأسابيع قادمة، إنها القنبلة النووية التي تهدد البشرية جمعاء بالفناء شامل.

لكنها لم تستخدم سوى مرتين من أجل الحرب منذ زمن إكتشافها، ومن المرجح إنها لن تستخدم أبداً لأغراض الدمار مرةً أخرى، مما يثير الغاية من وجودها الكثير من الشكوك بين المحللين وقادة العسكريين.

يظن العديد من المحللين والكتّاب اليوم إن القنبلة النووية باتت لعبة سياسية لها ثقلها فقط على طاولة المناقشات، وهي أداة لإخافة الأعداء لا غير. وذلك لأنها سلاح غير دقيق وغير مناسب لعصر البناء الذي نحن فيه، فهو سلاح يقتل الرجال والنساء والاطفال، والمجرم والبريء معاً، ويدمر السيء والجيد، ويترك وراءه آثاراً جانبية غير مرغوبة حتى على الطرف المستخدم للسلاح. على عكس الاسلحة الدقيقة من الدرونات الحديثة والقناصة التي تحل المشكلة تستأصل الجانب السيء دون الإضرار بالجيد أو ترك مخلفات أضافية.

تتحارب الدول العظمى اليوم مع الجماعات المتطرفة الإرهابية وليست دول أخرى كبيرة مثلها، فلذلك تقتضي الحاجة إلى استخدام الاسلحة الدقيقة للقضاء على هؤلاء دون المساس بالمدنيين والابرياء. فليس من المنطقي أستعمال الحكومات العالمية اسلحة دمار شاملة (الغير الدقيقة) ضد تلك المناطق الواسعة من أجل إقصاء حفنة من الرجال السيئين.

حتى قبل اربعين عاماً من الآن، لم يكن رؤساء الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مستعدين لخوض حروب بالقنابل النووية، بالرغم من خوف الشعوب آنذاك من حصول ذلك، وذلك بسبب إن أمريكيا خرجت للتو من أزمة عار القنبلة النووية التي استخدمتها في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، وإن الأيديولوجيات الشيوعية لم تكن لتسمح للاتحاد السوفيتي بالقضاء على الطبقة الكادحة والغنية معاً. ومن غير محتمل إن الصراع بين الهند والباكستان كما نراه اليوم (كلاهما دولة لديها أسلحة نووية) أن يتطور إلى حرب نووية بينهما، لأنهما يعرفان جيدًا مدى خطورة مثل هكذا أسلحة على البشرية وعلى أرضهما المجاورة.

بالطبع، هناك بعض من الدول التي تتوعد بإقصاء شعوب أخرى بالكامل على أساس الدين أو العرق، وهذه الحكومات تشكل خطراً على العرق المستهدف لا شك في ذلك. لكنها أيضاً عادةً تكون عقلانية، فمن غير مرجح جعل العالم بأكمله يكرهك فقط لأنك تريد تبييد عرق ما من الأرض (نعلم جيداً من التاريخ كيف أنتهت الأمر بالنسبة ألمانيا بسبب ذلك). قد تكون من الصعب التفاهم مع هذه الدول وتهدئة الأوضاع باتفاقيات غير مادية. إلا إنها دائماً ما تكون منفتحة للحوار والسياسة والمزيد من الدبلوماسية، وغير مستعدة لترك مثل هكذا دمار حتى في ديار أعداءها.

إذاً، نرى بأن السلاح النووي ليس لديه فائدة مادية على أرض الواقع المعاصر، بل منفعة معنوية فقط.

بالرغم من أن أمريكا وروسيا والأمم المتحدة لا تستفيد حتى من قواها النووية في المناقشات، لكن امتلاك دول الضعيفة لهذه الصواريخ تُكبرها في أعين أعدائها، وحينها يمكن لقادتها أن ترفض العروض الرخيصة من الدول العظمى بكل ثقة وراحة. فلنأخذ دولة إيران على سبيل المثال، رغبتها في صنع أسلحة نووية هي فارغة من نوايا إطلاقها ضد إسرائيل مثلاً (لن تقذف إيران قنابل نووية على اراض تعتبرها دينية مقدسة).

الأمر واضح إنها تريد أن تزيد من ثقلها في الشرق الأوسط لكي تحترمها الدول العظمى مثل أمريكا والبلاد الاوروبية، لأنها تعلم فور ما تستحوذ الحكومة الايرانية على الأسلحة النووية، سوف تبادر الأمم المتحدة وامريكيا ما بوسعها لتقديم أفضل العروض لها، ونقول أفضل العروض وأسخاهم لأن خسارة إيران في ذلك الوقت ستكون مكلفة عندما تعلم هذه الدول بأنها تمتلك أسلحة دمار شاملة.

أمريكا تستطيع رفض الاتفاق النووي مع إيران من دون الخوف على مستقبل اسرائيل والدول العربية السنية في الشرق الاوسط.

ونقدر أن نشهد كيف تحترم امريكا و اوروبا الغربية دول مثل كوريا الشمالية والصين لإمتلاكها قنابل نووية مثيلة، على الرغم من أنهم لا يتفقون مع أيديولوجيات بعضهم البعض. لذلك، تبقى الاسلحة النووية شأنها شأن باقي الاسلحة، تعطي لحاملها القوة والسلطة والهيبة عند نظر الآخرين، حتى إن لم تخرج منها شرارة ودخان، فهي تكمن في كيانها خاصية الترهيب والترعيب، مما يجعل صنعها مرغوباً بين الدول الضعيفة حتى تتمكن من اللعب مع كبار دول العالم.

اتفاقية (نيو ستارت) بين أمريكا وروسيا، التي تقيد كلا دولتين بالتقليل من أسحلتهما النووية الى 1،550 رأس نووي سوف تنتهي في الخامس من فبراير في هذا العام، ومن المؤمل أن الدولتان ستجددان المعاهدة فور انقضاء صلاحيتها، إلا إنهما يمكنهما التنازل عن هذا الاتفاق وعن اي اتفاق نووي بالكامل ولن نقدر أن نحس بالفرق إطلاقاً. من المستحيل أن تطلق أي من هذه الدول صواريخ نووية ضد أرض بعضها أو ضد أي ميدان آخر. ولو تم الإقرار بإطلاق تلك الصواريخ من طرف واحد، فمن غير عقلاني أن تفجر أي دولة أكثر من 50 رأساً نووياً في الوقت ذاته داخل المدن الرئيسية حتى يدخل الكرة الأرضية بأسرها إلى شتاء نووي عميق الذي يضر بالجميع على حد سواء.

برأيي، لن يحدث في العالم أي حرب نووية ما دام هناك أنظمة دفاعية خاصة للصد من تلك الصواريخ المعبئة باليورانيوم أو الهيدروجين، ولو قام احدى الدول بإطلاقها ضد الآخر، من المحتمل إن الدول العالم سوف تقف مع الدولة المطلق عليها للقضاء على الدولة المهاجمة ميدانياً عن طريق الجنود والدرونات، وليس بمبادلتها بإطلاق رؤوس نووية، لأن المدنيين الأبرياء الموجودين داخل الدولة المهاجمة لا علاقة لهم بما تطلقها رؤسائهم وحكوماتهم من أسلحة دمار شاملة ضد شعوب أخرى، فلماذا يُقتلون سدى بذنوب الطبقة الحاكمة. يمكنني القول في الأخير إن أهل المدينة يشكلون أعظم أصول للحضارة، حتى بالنسبة للأعداء، فقد يعد المدنيون والشعوب الأخرى كمصادر طبيعية محدودة يمكن الاستفادة منهم، فليس من الذكاء إبادتهم.

محمد كريم إبراهيم، محلل وكاتب عراقي

محمد كريم إبراهيم محلل وكاتب عراقي درس في كلية علوم الحاسوب والرياضيات في جامعة موصل، متخصص في نظرية الأنظمة ونظرية المعلومات. باحث في القضايا الفلسفية والمواضيع الاجتماعية والنفسية والسياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى