المملكة المغربية منذ الاستقلال: تحولات كبرى وتعقيدات اكبر
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تميز التاريخ السياسي المغربي المعاصر منذ الاستقلال إلى الآن بمجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية ويمكن تقسيم هذا التاريخ إلى المراحل التالية:
المرحلة الأولى:من الاستقلال الى 1975
كما هو معلوم اتسمت هذه المرحلة بظهور المد القومي والتيارات اليسارية المعادية للأنظمة الملكية لذا فان الملك الراحل الحسن الثاني كان حاسا بالخطر الذي يهدد عرش المملكة، لهذا اختار اختيارات و توجهات لمواجهة هذه المخاطر أهمها أن المغرب لم يلتحق لا بالمعسكر الشرقي ولا الغربي رغم قربه لأوربا وأمريكا، وتبنيه سياسة السوق و التعددية الحزبية رغم محدوديتهما.
كذلك فإن الملك الراحل كان واعيا بالتحديات الداخلية و الخارجية، فاتخذ قرارات تروم التحكم في الوضع الداخلي وجعله تحث السيطرة لان الدولة مهددة من الداخل (الجماعات اليسارية، بعض الجهات في الدولة الطامعة للسيطرة على الحكم)، وخوفه من أن يتم توظيف عجز المغرب الداخلي من أجل خلق عدم الاستقرار وقلب النظام فكان الشعار هو: الدولة أولا ثم بعد ذلك المجتمع، فسلك المغرب و للاسف سياسة تحطيم المجتمع من الداخل و قيام دولة سلطوية قوية تحكمها في كل تطور قد يحدث، فأصبح ينظر للمواطن كخطر محتمل قد يهدد وجود الدولة، فنهجت بذلك سياسة تقزيم النخب السياسية وجعلها غير فاعلة وغير مشاركة في الحكم، وأصبح كل شيء في البلاد خاضع لوصاية الدولة.
بعد الانقلابين العسكريين الفاشلين لسنوات 1971و1972 كان الاتجاه السائد هو الدفع في اتجاه تقوية الجبهة الداخلية والانفتاح على المجتمع عبر فتح قنوات التواصل بين القصر والكتلة الوطنية و الدعوة إلى انتخابات 1977. هذه الفترة السياسية الهامة تميزت كذلك بانطلاق المسيرة الخضراء فكانت فرصة تاريخية للمغاربة قاطبة للوحدة و التوجه نحو المستقبل لبناء مغرب ديمقراطي حداثي تعمه الحرية و التعددية السياسية الحقيقية، ولكن للأسف هناك أطراف لم ترد لبلادنا وضعا يجعله أفضل، فاستمر الصراع بين الدولة و المجتمع رغم ضعف حدته.
المرحلة الثانية بداية الثمانينات إلى بداية التسعينات
تميزت هذه المرحلة بنهج بلادنا سياسة الاصلاح الهيكلي سنة 1983 التي كان لها الأثر السلبي على الوضع الاجتماعي فتفجرت مجموعة من المدن ابتداء من 1981 و1984 لنجد أنفسنا أمام وضع يتسم بكون الدولة مازالت تنهج سياسة كل ما من شأنه المس بالاستقرار سيكون مصيره الاستئصال، وهكذا استمر هذا الوضع المضطرب إلى حدود بداية التسعينات التي تميزت بالإحداث التالية: سقوط جدار برلين ونهاية أسطورة العالم الاشتراكي و الهجوم من طرف العراق على الكويت. إن هذه الأحداث أثرت بشكل جذري على الأوضاع الداخلية المغربية،بالإضافة إلى نهاية الاصلاح الهيكلي و صدور تقرير البنك الدولي حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية الذي كان صادما لدوائر القرار ببلادنا لهذا السبب شكل المرحوم الحسن الثاني خلية تفكير عهد لها البحث عن حلول و أجوبة للمشاكل البنيوية التي يعيشها المغرب.
من خلال ماسبق يمكن اعتبار أن السبعينات تميزت كون النظام أحس أن الخطر أتى من أطراف من الدولة، لهذا اتسمت هذه المرحلة بإعادة هيكلة الدولة من الداخل وتنظيم مؤسساتها الإستراتيجية تحث السيطرة و المراقبة.
في التمانيناث إحس النظام أن الخطر مصدره المجتمع، أما في التسعينات أدرك النظام أن من واجبه مواجهة جبهتين واحدة داخلية و أخرى خارجية فبات من الأولويات اتجاه الدولة لمواجهة هذه التحديات بنهج سياسة جديدة تروم التغيير الجذري الذي مس جل بنيات الدولة فطورت أساليب التجديد و التحديث رغم محدوديتهما، فكان الهدف وراء ذلك أن تحقق لنفسها نوعا من التكيف و الملائمة مع الأوضاع الجديدة.
أحس المغفور له الحسن الثاني في أواخر التمانيناث وبداية التسعينات إن هناك خطر آخر ينازعه في حق الملكية في الوجود، ليس مصدره سياسيون ولكن أزمة اجتماعية تهدد بانفجارات قد تهز أركان الدولة (بطالة متفشية،فقر مدقع،فئات اجتماعية مهمشة…..) وفسادا كبيرا ينخر جل مؤسسات الدولة، فبات التفكير في جلب الاستثمارات الأجنبية لنهضة اقتصادية قادرة لخلق فرص الشغل.
فبذلك اتضح للنظام المغربي أنه في الماضي كان يعيش على ا لوهم ضانا أن الضبط و التحكم في المجتمع قادرانعلى انقاذ الدولة من الانهيار، فبات من المؤكد فشل هذه النظرة الأمنية الضيقة.
لقد راكم المغرب منذ الستينات المشاكل والأزمات،فاتسعت بذلك دائرة التهميش و الإقصاء وأصبح الواقع عاريا مفضوحا غير خاضع لسياسة الترقيع لان طبيعة المشاكل أصبحت بنيوية ملازمة لنظام قد ينهار في كل لحظة.
المرحلة التي لازمت حكومة التناوب
جاءت حكومة التناوب كإجابة للحظة تاريخية مفصلية يعيشها المغرب، فبدأ المحللون يفسرون كون المغرب يعيش انتقالا ديمقراطيا يروم القطع مع نظام تقليدي و متمركز للانتقال إلى آخر مفتوح مضبوط بقواعد سياسية جديدة قادرة لمسايرة التطورات التي يعرفها المجتمع.
في هذه المرحلة الحساسة،بعد وفاة المرحوم الحسن الثاني،وتنصيب خلفه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبين يديه تركة ملك بتحديات داخلية وخارجية فوق طاقة النظام فما كان على الملك الجديد إلا نهج سياسة جديدة تروم التنمية وخلق اقتصاد تنافسي قوي بجلب استثمارات أجنبية كفيلة بخلق الثروة و المساهمة في إبطاء انفجار وضع اجتماعي مهدد في كل لحظة بالسكتة القلبية (كما قال الراحل الحسن الثاني).
أهم ما ميز هذه المرحلة هو عملية إجهاض المسلسل الديمقراطي و ترؤس الحكومة لوزير تقنوقراطي. السبب خلف ذلك مازال غير مفهوم ولكن هناك من يقول أن الأحزاب المغربية في بلادنا أخفقت في تغيير إستراتجيتها للرفع من مستوى سقف مطالبها لأنها أصبحت رهينة نخبة شائخة تقليدية حبيسة مؤسسة في شكلها الخارجي حداثية ولكن جوهرها مبتذل و هزيل لأنها لم تقم بعملية تطوير رأسمالها البشري وجعله قادرا للإبداع و التجاوز، وذلك على عكس النظام الرشيد القادر بحكم تجربته و تراكماته أن يؤسس لنفسه إطارا يسمح له بالتجديد و التحديث و الابتكار والإبداع و مسايرة الوضع ومحاولة الإجابة عن أسئلة الواقع المتجددة باستمرار.
في المقال المقبل سأحاول رصد إخفاقات الأحزاب السياسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يتطلب منها التجديد المستمر.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا