يبقى الرابع عشر من تموز عام 1958 يومًا تاريخيًا في حياة العراق والأمة العربية لا لأنه أسقط حاكمًا اختار الرضوخ لمشيئة المستعمر البريطاني فحسب، بل أيضًا لأنه أسقط الحلف المنسوب الى العاصمة المتألقة في وطنيتها وعروبتها وتحررها أي حلف بغداد .
لكن ما جرى في العراق منذ تلك الثورة المجيدة، حتى اليوم، لا سيّما بعد احتلال العراق عام 2003 والذي كان في جوهره انتقام من شعب العراق العظيم ومن ثوراته المتواصلة ضد الاستعمار وادواته وومن تأميم شركاته الاحتكارية النفطية الأجنبية، يحتاج الى قراءة موضوعية تعتمد الانصاف لكل ما كان معنيًا في عراق ما قبل الاحتلال، والى شجاعة المراجعة لكل ما انتاب تلك الإنجازات من ثغرات وخلل يتفاقم يومًا بعد يوم….
ولعل الدرس الأول الذي اعتقد ان العراقيين ومعهم كل أبناء الأمة، مدعوون لاستيعابه من هذه التجربة هو ما تستطيع وحدة قوى التحرر من إنجازه اذا اجتمعت، كما كان حال العراق قبل عام 1958، وما يمكن ان يقود اليه الصراع بين هذه القوى من نكسات ومآسي ودماء ودمار..
ولسنا في هذه العجالة راغبين نحميل احد مسؤولية في اشعال الصراع لأننا جميعًا ، قوميون ويساريون واسلاميون وليبراليون وطنيون، نتحمل بدرجة أو أخرى المسؤولية في اشعال هذا الصراع واي كان ، لكننا نريد ان نستلهم من تلك الصورة المجيدة التي أطاحت بواحد من أخطر الاحلاف الاستعمارية التي عرفتها المنطقة روح الوحدة بين قوى التحرر، بل روح الوحدة، بين مكونات الشعب العراقي من أقصى الجنوب الى الشمال، ومن شرقه الى غربه، وفي القلب منه بغداد التي لم تتوقف فيها التظاهرات المعادية للعدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي على مصر في أواخر تشرين اول/ اوكتوبر 1956 حتى سقوط الحلف الذي هيأ لهذا العدوان .
واليوم ، اذ تواجه امتنا احلافًا ومشاريع استعمارية ليست إلا نسخًا متجددة من ذلك الحلف القديم، فالمطلوب من كل قوى التحرر والمقاومة فيها ان تستلهم روح تلك الثورة وتوحيد صفوفها وتتعالى على انقساماتها وجراحها، وتسقط عقلية الاقصاء والالغاء وهذه العقلية هي الاحتياطي الاستراتيجي لكل أعداء أمتنا وما يخططون له من أحلاف ومشاريع واحتلالات وحصارات وحروب..
ولعل اكثر ما يساعد الرئيس الأميركي بايدن في زيارته على فهم تاريخ هذه الامة هو أن يقرأ جيدًا تاريخ هذه المنطقة وفي القلب منها مصير حلف بغداد ومشروع ايزنهاور والشرق الأوسط الجديد وصولًا الى صفقة القرن، وليدرك انه قد لا تمتلك أمتنا اليوم كل القدرات التي تمكنّها من الانتصار الكامل، لكن فيها من قدرات التصدي والمقاومة ما هو كفيل لصد هذه المشاريع والمحطات…
وليعلم ان تموز كان شهرًا مليئًا في المواجهات والانتصارات بدءًا من معركة ميسلون في سورية قبل مئة عام ونيّف الى ثورة 23 تموز 1952 في مصر الى استقلال الجزائر عام 1962، الى النصر المؤزر في لبنان عام 2006، الى أيام مجيدة وخالدة في كل قطر عربي….