“حماس”.. ومنظمة التحرير | بقلم مسعود أحمد بيت سعيد
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من القمة العربية التي دعا لها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في سنة 1964؛ لإيجاد عنوان وطني جامع يمثل الشعب الفلسطيني، وسرعان ما انضوى الجميع تحت هذا الاطار ليشكل الكيان المعنوي للشعب الفلسطيني بحسب الميثاق.
وترأس أحمد الشقيري المنظمة، وبعد نكسة يونيو 1967، قدم استقالته، بعد ما تعذرت مقابلة عبد الناصر. ثم اختير يحيى حمودة لفترة انتقالية قصيرة.
ويذكر أمين هويدي مدير جهاز المخابرات المصرية حينها أنه خلال اجتماع مصغر حضره هويدي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وآخرون، وكانت المفاضلة بين جورج حبش الامين العام للجبهة الشعبية وياسر عرفات رئيس حركة فتح آنذاك. وقد انحاز هويدي وشرف وآخرون إلى حبش بينما انحاز هيكل لعرفات، وأيده عبد الناصر وهو ما كان. كانت للقيادة المصرية غاية في تفضيل عرفات رغم توجسهم من خلفية “فتح” والقوى الداعمة لها.
وهناك بالطبع أسباب عدة، لكن السبب الحقيقي أن الوضع العربي بعد النكسة لا يتحمل شخصية يسارية بحجم جورج حبش. وكان المطلوب قيادة مرنة قادرة على أن تتماشى مع الواقع العربي دون أن تشكل عبئًا عليه.
واستمر أبوعمار في قيادة المُنظمة من سنة 1969 حتى استشهاده عام 2004. وقد حافظ على بقاء زخم وحضور القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا، جرت أحداث كثيرة في تلك المسيرة الوطنية وأصبحت المنظمة الممثل الشرعي والوحيد، ونالت اعتراف معظم شعوب وحكومات العالم. وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية بالمجمل تقدمية وتصوغ تحالفاتها على هذا الأساس، وكانت التيارات الإسلامية غائبة تمامًا عن النضال الوطني.
وبعد عشرين عامًا من انطلاقة الثورة المعاصرة ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية في 1987 ظهرت حركة حماس الفرع الفلسطيني لجماعة “الإخوان”، كما ظهرت حركة الجهاد الإسلامي، ومنذ ظهورهما لم ينخرطا في مؤسسات المنظمة، وظل العداء بينهما لسنوات طويلة، فهما لا تعترفان بالنضال الفلسطيني قبل ظهورهما إلا من باب التكتيك السياسي.
وبعد اتفاقية أوسلو وما أحدثته من خلافات، وإدخال القضية الفلسطينية في متاهات السلام الوهمي، وبعد ما سُمي بـ”الربيع العربي” وما أحدثه من وقائع جديدة، وبعد ما تعرض له الوطن العربي من حروب وتدمير، أصبح موضوع احتكار الشرعية من خلال السيطرة على المنظمة أمرًا يستحق التفكير؛ بل وقابل للتحقيق في نظر البعض، وخاصة في ظل تراجع فعل القوى الوطنية والديمقراطية وغياب الحاضنة العربية.
من هنا جاء تكرار شعار تفعيل المنظمة على الاعتقاد بإمكانية السيطرة عليها، لكن السؤال: هل ستبقى منظمة التحرير التي يعرفها الشعب الفلسطيني وكل مناصري الثورة عربيًا وعالميًا في حال سيطرة حماس عليها؟
أعتقدُ أنها ستتحول إلى شيء آخر، وستنتقل إلى موقع آخر وستفقد الكثير من تأييد ودعم قوى التحرر والتقدم العالمية؛ حيث إنَّ اختيارات حماس السياسية وتحالفاتها الإقليمية والدولية تقف بالضد من تلك القوى، الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على جوهر المشروع الوطني الفلسطيني. وما لم تتدارك القوى التقدمية في الثورة الفلسطينية مخاطر هذا الاحتمال، وتعمل على إعادة بناء تحالفات جديدة تُمكِّنها من الحفاظ على المنظمة وتاريخها في الكفاح، سيدخل المشروع الوطني برمته في أوضاع صعبة جدًا، بخاصة وأنَّ هناك من يدعم تلك الرغبة ويعمل جديًا على تحقيقها في هذا الظرف الذي يعد ملائمًا لهكذا تحركات، وسيحصد النضال الوطني الفلسطيني تبديد منجزات 50 عامًا في لمحة بصر.
فهل المنظمات الفلسطينية مدركة لذلك بوضوح؟ الإجابة تقدمها الممارسة العملية!